زيارة باسيل لدار الفتوى… لن تغفر أخطاءه وخطاياه الوطنية

هيام طوق
هيام طوق

كانت لافتة الزيارة التي قام بها بالأمس رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى دار الفتوى حيث التقى على رأس وفد، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وكانت لافتة مواقفه اذ قال بعد اللقاء: “من أجل المحافظة على اتفاق الطائف يجب تطبيقه، ومن واجبنا أن نقوم بإصلاحات في بلدنا لجذب الدول المستثمرة. طلبنا من المفتي إلغاء النظرة غير الجيدة تجاه اللامركزية لأنها تساهم في الإنماء المناطقي”.

أما المفتي دريان فشدد في رسالته بمناسبة المولد النبوي الشريف على أن “اتفاق الطائف سيبقى الضامن للشراكة الاسلامية – المسيحية، ولا مكان أبداً للطروح التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين. الأوضاع السائدة في وطننا منذ سنوات لا تدلّ أبداً على أي التزام أخلاقيّ من أي نوع من جانب كثير من المسؤولين السياسيين والاداريين”.

وبين التفسيرات الدستورية المتناقضة حول اللامركزية الادارية الموسعة التي ذكرها اتفاق الطائف، يعتبر البعض أنها تعني حكماً لامركزية مالية، من دون أن يلغي ذلك المركزية المالية للدولة، فيما يؤكد آخرون أن ما ورد في الطائف هو اللامركزية الادارية فقط، لأن اعتماد اللامركزية المالية سيؤدي إلى ضرب الانماء المتوازن بين المناطق، وهو مدخل إلى التقسيم السياسي واللامركزية السياسية، ووجه آخر من وجوه الفديرالية. وأوضح أحد الخبراء الدستوريين لموقع “لبنان الكبير” أن اتفاق الطائف وتحديداً وثيقة الوفاق الوطني نصت على اللامركزية الادارية الموسعة بعد اعادة النظر بالتقسيمات الادارية، لكن لم يذكر ذلك في أحكام الدستور، وبالتالي، اللامركزية الادارية الموسعة هي جزء من اتفاق الطائف وجزء أساس من وثيقة الوفاق الوطني. ومن يطالب بتطبيق اتفاق الطائف، لا يتناقض ذلك مع المطالبة باللامركزية الادارية الموسعة. إذاً، هذا الطرح ليس طرحاً خارجاً عن الطائف بل جزء لا يتجزأ منه.

على أي حال، بعد كلام باسيل من دار الفتوى، تمنى عليه البعض حسم خياره من اتفاق الطائف أو من العقد الاجتماعي الجديد، لكن ماذا قصد المفتي دريان حين أكد أن لا مكان للطروح التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين بعد أن طمأنه باسيل الى اللامركزية؟ والى أي جهة أراد ايصال الرسالة: الى الذين يطالبون بالفديرالية أو اللامركزية الادارية والمالية الموسعة خصوصاً أن باسيل كان سبق وأعلن منذ شهرين “أننا نعمل بجديّة مع غيرنا على مشروعي اللامركزية الادارية والمالية الموسّعة”.

في هذا الاطار، شدد رئيس “المركز الاسلامي للدراسات والاعلام” القاضي الشيخ خلدون عريمط في حديث لموقع “لبنان الكبير” على أن ” المفتي هو الأحرص على الدولة ومؤسساتها، والأحرص على تطبيق وثيقة الطائف بكل بنودها ومندرجاتها، واثر تطبيق وثيقة الطائف تدرس الثغرات والملاحظات إن وجدت، وتُحل من خلال النوايا الصادقة والحرص على بناء الدولة ومؤسساتها الشرعية. وكل ما يتعارض مع ذلك من فديرالية أو من طروح مالية موسعة أو ادارية موسعة ومحافظات تشكل شبه دويلة، فالواقع الاسلامي والوطني يرفض هذه الطروح التي يُشتم منها رائحة التقسيم أو الفدرلة أو اللامركزية الموسعة التي هي أشبه بالفدرلة التي يدعو اليها بين حين وآخر باسيل الذي لا يرى لبنان الـ 10452 كلم مربع انما يرى لبنان على مقاس مصالحه ومصالح تياره وتحالفاته”.

ولفت الى أن “القضية ليست مزاجية بل هناك وثيقة أصبحت دستوراً اسمها وثيقة الطائف، فلنطبقها وبعد ذلك لكل حادث حديث”، معتبراً أن باسيل “اذا كان صادقاً، فليعمل مع القوى السياسية على تطبيقها في كل بنودها من الغاء الطائفية السياسية الى مجلس الشيوخ الى عدد المحافظات التي أشارت اليها وثيقة الطائف، ويتوقف عن طرح عقد اجتماعي جديد أو مؤتمر تأسيسي كما أشار الى ذلك حليفه حزب الله. باسيل يطرح عقداً اجتماعياً جديداً للنظام في لبنان، وحزب الله يطرح مؤتمراً تأسيسياً، وهذا يتناقض تماماً مع وثيقة الطائف”. وتمنى على باسيل “أن يحسم خياره إن كان مع تطبيق الطائف بكل بنوده أو مع العقد الاجتماعي الجديد”.

وأشار الى أن “دار الفتوى كما يعبّر عنها باستمرار المفتي هي دار المسلمين جميعاً ودار اللبنانيين جميعاً ودار الايمان والوطنية والعروبة والاسلام، واستقبال باسيل جزء من توجه مفتي الجمهورية بأن الدار تستقبل الجميع، لكن هذا لا يعني أن باسيل يمثل نموذجاً صالحاً للمسؤول في لبنان، بل هو النموذج الأسوأ للمسؤول اللبناني بمناطقيته وبطموحاته وبمحاولة بناء لبنان على مقاس مصالحه، ومصالح تياره السياسي. اذاً، أخطاء باسيل وخطاياه في السياسة والاقتصاد والتعامل السلبي مع المرجعيات الاسلامية والمسيحية والوطنية، لن تغفرها الزيارة، ولن يغفر له اللبنانيون الأخطاء والخطايا التي ارتكبها بحق الوطن ومؤسساته، وما وصل اليه لبنان اليوم من شبه فشل لمؤسسات الدولة، يتحمل هو مسؤولية كبيرة في ذلك من خلال تحالفه مع المشروع الايراني في لبنان”، مؤكداً أن “زيارة باسيل الى دار الفتوى مرحب بها، لكنها لن تغفر له أخطاءه وخطاياه الوطنية التي مارسها منذ أن أصبح في السلطة الى اليوم”.

وأوضح عريمط أن “المفتي يتخوف كما قال في أكثر من مناسبة من انهيار مؤسسات الدولة، ويرى أن قيام الدولة بعودة المؤسسات”، قائلاً: “المهم اليوم انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة ضمن الدستور والالتزام بالنظام العام لينهض لبنان من كبوته وألاّ نضع الشروط، اذ كيف يقول باسيل انه مع الطائف وهو الى اليوم يضع شروطاً على هذا المرشح أو ذاك؟ كل طروح باسيل تتناقض مع الدستور والنظام ووثيقة الطائف، ونتمنى أن يلتزم بالطائف قولاً وفعلاً لا أن يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر”.

شارك المقال