كيف تنتصر إسرائيل على “حماس”؟

أحمد عدنان
أحمد عدنان

ما يجري في غزة هو نتيجة حتمية وطبيعية لما فعلته إسرائيل بنفسها.

منذ مقتل رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحاق رابين سنة 1995، لم يجد العرب شريكاً إسرائيلياً صادقاً وجدياً ليخوض معهم مغامرة السلام.

تعذر الاسرائيليون لسنوات بأن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ليس شريك سلام جدياً، وعلى الرغم من وفاة عرفات سنة 2004، لم يقدم بعدها الاسرائيليون على مفاوضات جدية مع الفلسطينيين.

طرح العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – مبادرته العادلة والشجاعة لحل شامل للقضية الفلسطينية، وقد تبنى العرب جميعاً هذه المبادرة في قمة بيروت 2002، لكن المريع أن رفض المبادرة جاء من طرف إسرائيل.

منذ رفض المبادرة، واختراع مشاريع سلام تتهرب جميعاً من احترام المقدسات الإسلامية وإنصاف الإنسان الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية متصلة قابلة للحياة، ازداد المتطرفون العرب قوة، وتعاظمت أيضاً قوة المتطرفين الصهاينة.

بعد أحداث 11 سبتمبر ثم أحداث “الربيع العربي”، تم تصنيف حركة “حماس” وأخواتها من فصائل الاسلام السياسي الموالية لايران كجماعات إرهابية، ومع ذلك لا يستطيع أي عربي اليوم أن يذكر بهذه الحقيقة بسبب التعاطف الشعبي الكبير مع غزة والفلسطينيين. وفي المقابل، أحكم المتطرفون الصهاينة قبضتهم على السلطة في إسرائيل منذ سنوات بقيادة بنيامين نتنياهو.

تواجه قوى الاعتدال في إسرائيل أخطاراً عديدة، لقد رأوا بوضوح خطورة حكم المتطرفين الذي تسبب بأزمة “التعديلات القضائية” مطلع العام الجاري، وتسبب كذلك بتقوية المتطرفين الفلسطينيين وإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية المعتدلة والمتحضرة ما أدى إلى تهديد أمن الاسرائيليين ومستقبل دولتهم فضلاً عن إنهاء أسطورة أجهزة الأمن الاسرائيلية.

في المقابل، ينظر المعتدلون العرب بريبة إزاء تعاظم قدرات “حماس” وأخواتها، صحيح أن ضرباتها الموجهة الى إسرائيل رد فعل على أفعال إسرائيلية دنيئة، لكن رصيد “حماس” من العمليات الإرهابية (ضد مصر بالذات) أمر يثير القلق والمخاوف، فهذه البندقية الفلسطينية قد تتجه يوماً إلى صدور العرب، وما زالت الذاكرة العربية تحفظ قصة ميليشيا “حزب الله”، لقد حققت هذه الميليشيا في زمن مضى شعبية كبيرة داخل الجمهور العربي، وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 تكشف بالتدريج الوجه الحقيقي والقبيح لتلك الميليشيا، فاتضح أنها بندقية إيرانية صرفة هدفها النهائي هو طعن اللبنانيين والعرب وأهل السنة، وليس غريباً أن يكون مصدر تمويل “حماس” هو نفسه مصدر تمويل “حزب الله”.

خلال العقد الماضي أضعفت الدول العربية المعتدلة قوى الإسلام السياسي أو التطرف الديني، ولا شك في أن تحالف “حماس” – “حزب الله” سيعطي قبلة الحياة لفصائل متطرفة عنيفة كانت على وشك الانقراض، وهذه مسألة لها تداعياتها السلبية على المنطقة وعلى العالم الحر دولاً ومجتمعات، فـ “حماس” تنظر الى الإسلام من زاوية التطرف السني، كما أن الحزب الإلهي ينظر إلى الإسلام من زاوية التطرف الشيعي.

إذا أرادت إسرائيل تحقيق انتصار جذري ونهائي على “حماس” وأخواتها، فإن رهان إسرائيل لا يجب أن يكون على جيشها، لأن أحداث غزة وتداعياتها مهما طالت فإن النتائج معروفة إلى حد كبير، حلول أشبه بقنبلة موقوتة ستنفجر من جديد بعد أشهر أو سنوات.

قرار إزالة “حماس” من الوجود يستطيع المواطن الاسرائيلي العادي أن يتخذه وينفذه بكفاءة من خلال ثورة في الأفكار وثورة في صناديق الاقتراع.

في ثورة الأفكار، على المواطن الإسرائيلي أن يدرك جيداً أن تجاهل الحقوق الفلسطينية وإنكارها ليسا سبباً في تحقيق أمنه وحماية وجوده، وعليه إدراك أن انتخابه للتيارات المتطرفة لن يقوده إلى الأفضل بل إلى الهاوية، وعليه التأكد من أن توقيع الاتفاقيات الثنائية المنفردة مع الدول العربية ليست بديلاً عن المبادرة العربية للسلام وليست مهرباً من التفاهم مع الفلسطينيين، فحتى الدول المطبعة أقرب إلى غزة منها إلى تل أبيب على الرغم من الخلاف مع “حماس”.

إذا استطاع المواطن الإسرائيلي الوصول إلى هذه الثورة في الأفكار وانعكس ذلك بالطبع في صناديق الاقتراع، يمكن حينها فقط القول بأن إسرائيل قد سارت في الطريق الصحيح للقضاء نهائياً وجذرياً على “حماس” وأخواتها. إن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة المتصلة القابلة للحياة هو رصاصة الموت بالنسبة الى كل المقاومات الفلسطينية المسلحة، لأن هذه الدولة ستجفف بمجرد قيامها الوقود العقائدي لتلك الفصائل.

حين أقامت إسرائيل سلاماً قائماً على رد الحقوق إلى أصحابها كما فعلت مع مصر والأردن، كانت النتائج الطيبة لمصلحة إسرائيل متعادلة مع المصالح التي تحققت لمصر والأردن، والتفكير في القضية الفلسطينية في العقل الاسرائيلي يجب أن يأتي من هذا المنظور: إن تجاوب إسرائيل مع المبادرة العربية للسلام – أو مع ما يعادلها – مصلحة إسرائيلية أكثر من كونها مصلحة فلسطينية وعربية.

والمثير حقاً هو أن توقيع الاتفاقيات الثنائية المنفردة بين إسرائيل ودول عربية، أثبت أن هذه الاتفاقيات لمصلحة العرب أكثر من مصلحة إسرائيل، إذ تنال الدول العربية ما تريده من مصالح ملموسة برعاية أميركية، في حين لا تغير هذه الاتفاقيات شيئاً في غزة أو الضفة على صعيد العلاقات (والصراعات) الإسرائيلية – الفلسطينية بما في ذلك معتقدات أغلب عرب 48، وللأسف فإن إعلام الدول العربية المعتدلة لم ينجح في تبيان هذه الحقيقة للعرب.

ماذا سيحصل إذا استمرت إسرائيل في خياراتها الراهنة بالاعتماد على قانون القوة وإنكار القضية الفلسطينية والحقوق العربية والإسلامية في المقدسات؟ لقد أثبتت أحداث غزة وتداعياتها، أن المواطن الإسرائيلي العادي لن يعيش في أمان، وبالتالي ستتآكل دولته تحت وطأة المتطرفين الصهاينة من الداخل والمتطرفين الفلسطينيين والعرب من الخارج، ومهما كانت مشكلات العرب مع متطرفيهم لن يأسف عربي واحد على ضعف إسرائيل وزوالها بما في ذلك المعتدلون والمطبعون العرب.

لقد قام العرب بجهد جبار للقضاء على التطرف في دول كبرى مثل السعودية ومصر، والآن جاء دور الإسرائيليين للقضاء على متطرفيهم عبر صناديق الاقتراع على الأقل، ليلتقي العرب المعتدلون والسلطة الفلسطينية من جهة مع معتدلي إسرائيل من جهة أخرى للمضي قدماً في مسيرة السلام.

أتذكر في أواخر التسعينيات ومطلع الألفية، كان الإسرائيليون يقولون “نريد سادات آخر” في إشارة إلى عدم جدوى التفاوض مع عرفات من وجهة نظرهم، وحين جاء الرئيس محمود عباس (أبو مازن) لم ينتهز الإسرائيليون الفرصة، وكأن إسرائيل تدفع في غزة وغيرها ثمن رفضها لمبادرة السلام العربية وثمن عدم تقديرها للرئيس الفلسطيني الوطني والمعتدل. وبعد مرور كل هذه السنوات يحق للعرب أن يقولوا “نريد رابين آخر”، فليذهب الناخبون الإسرائيليون إلى صندوق الاقتراع ليجلبوه لنا، بينما إذا أصروا على الانتحار ووضعوا رقبة إسرائيل تحت المقصلة فلن يأسف على ذلك أحد.

شارك المقال