صحافيو غزة لـ”لبنان الكبير”: شهادة ميلاد كل يوم لتصل الصورة الى العالم

آية المصري
آية المصري

“ننقل الصورة كما هي ونترك الكاميرا تتكلم نيابةً عنا كمصورين، ونحن نبكي من ورائها لفظاعة الجرائم التي نشاهدها يومياً وبشاعتها، وكل هذا يؤثر على نفسيتنا بصورة كبيرة جداً ما جعلني أدخل في حالة صدمة في كثير من الأوقات، فمن أصعب المشاهد عندما أرى طفلاً شهيداً أو زميلأً صحفياً استشهد”، بهذه الكلمات إختصر المصور الميداني محمد العلول حالته في اليوم الـ 21 من “طوفان الأقصى”.

ولأن الصحافة مهنة المتاعب والموت لا يمكن إستغراب ما يعيشه الطاقم الصحافي ككل، ولكن ماذا عن التفاصيل اليومية، وكيف يرفعون المواد المطلوبة؟ وماذا عن طعامهم وشرابهم ونومهم؟ وكيف يتعاملون مع كل هذه المشاهد المؤلمة؟

يقول العلول في حديث خاص لموقع “لبنان الكبير”: “حالنا كحال أي مواطن فلسطيني نشعر بالألم والحسرة على ما نشاهده وما يحصل لغزة ولأطفالها، فهناك عائلات كاملة مسحت من السجل المدني. ونحن كصحافيين مستهدفون مثل أي مواطن فلسطيني، فاسرائيل تسعى جاهدة الى طمس الرواية الفلسطينية وعدم اظهار جرائمها للعالم، وطبيعة عملنا تجبرنا على إيصال الصورة وإظهار بشاعة هذه الجرائم”.

ويوضح العلول “أننا نتدبر أمورنا بالامكانات المتوافرة لدينا، فنحن ننام على الرصيف، نأكل البسكويت وبعض الخضروات لنستطيع أن نكمل عملنا”.

ويعتبر أن “طريقة رفع المواد من المشكلات الكبيرة جداً، بحيث لا تتوافر الكهرباء ولا الانترنت واذا وجدناه فيكون بتكلفة عالية جداً جداً، لكننا نتدبر أمورنا من بعض الأصدقاء والزملاء وهذا يستغرق منا وقتاً طويلاً حتى نرسل المواد المصورة” ويكشف عن أمنيته الوحيدة والبسيطة “أريد أن تبقى عائلاتنا بألف خير، فكل يوم يمر علينا ونحن أحياء عبارة عن شهادة ميلاد جديدة”.

“أمورنا بخير والحمد الله، فنحن لا نزال على قيد الحياة، وهذا أفضل شيئ في هذا الوضع”، هكذا يصف حاله الصحافي عبد الخالق يحيى الموجود في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ويقوم بتغطيته الميدانية من مستشفى يوسف النجار.

ويشير يحيى الى أن “مستشفى رفح الوحيد الموجود في منطقة رفح وهو صغير جداً على كم وحجم الشهداء الذين يصلون اليه، ولكنه بات البيت الذي يحتضننا كصحافيين لأننا لا نرى أهلنا ومستمرون في التغطية على مدار الساعة، مع العلم أن ساعة وصول الشهداء تكون قاسية جداً وتتأثر النفسية بها، لكن مهنياً سنبقى صامدين ونتحمل كل هذه المشاهد الصعبة كي نتمكن من إيصال الصورة المطلوبة الى العالم أجمع”.

وعن كيفية تغطيتهم العدوان الحاصل، يقول: “نغطي كل الأحداث بصورة متواصلة ومستمرون من دون انقطاع ولكننا نغطيها بواسطة الجوالات، فليست لدينا كاميرات لأن مكتبنا قصف في الأيام الأولى من بداية الحرب وبالتالي لم نتمكن من الوصول الى المعدات. نمنتج الفيديوهات والمواد عبر الجوالات ويتم رفعها عبرها اذا تمكنا من هذه العملية، فنتيجة الافتقار الى الانترنت والكهرباء نواجه صعوبة كبيرة في نشر كل المواد، مع العلم أن في جعبتنا الكثير من الفيديوهات والصور الموثقة لكنها ستبقى للأرشيف كذكرى من هذه الحرب”.

ويضيف يحيى: “أثناء تسجيلي لكم هذه المداخلة، حصل قصف جديد وغبت عن السمع لساعات لأنني كنت أواكب وصول الشهداء والجرحى الى المستشفى، ومع الأسف هذه الاستشهادات باتت بمثابة روتين إعتدناه، والاستهدافات تطال الجميع وتحديداً النساء والأطفال، فلا رحمة ولا تمييز بين أحد. هذه الحرب ليست الأولى التي أقوم بتغطيتها إعلامياً لكنني شعرت أنها الأولى فمشاهدها غريبة وفظيعة جداً وقاسية الى حد كبير، هذه الحرب بشعة جداً وليست كسابقاتها”.

ويلفت الى أن المأكل والمشرب “متوافر قدر المستطاع عن طريق وزارة الصحة ومتبرعين للمستشفى، الذي تحسبنا ادارته من ضمن طواقم العاملين فيه وتوفر لنا الأكل والشرب مثلما توفرهما للعاملين لديها، ومن البديهي أن الامكانات محدودة لكنها صعبة على المستوى العام”.

وعن الاغاثات التي تدخل الى قطاع غزة، يوضح “أننا قمنا في الأيام الماضية بتغطية وصول شاحنات الاغاثات القادمة من الخارج وعلى مدار ثلاثة أيام، دخلت المرة الأولى 20 شاحنة على مرحلتين تحمل البضائع الغذائية والمستلزمات الصحية، وفي المرة الثانية دخلت 9 شاحنات، وفي دفعة أخرى 8 شاحنات جميعها مسلتزمات صحية وغذائية، وقيل ان هناك شاحنات تحمل الغاز وتم نفي الخبر كما لم يتم تأكيد وصول أي مواد نفطية الى قطاع غزة”.

وحول مدى خطورة هذه التغطيات، يعتبر يحيى أن “الوضع أثناء التغطيات داخل المستشفى يكون صعباً لأن هناك عدداً من الأهالي يعجزون عن معرفة هوية أولادهم والعكس صحيح لأنهم يصلون عبارة عن أشلاء وقطع لحم، أما عندما نغطي أماكن الاستهدافات فيكون المشهد أصعب، لأن الأشلاء في تلك المناطق تكون متناثرة والجثث والدماء في كل مكان، ومتناثرة على الجدران والشبابيك وبالتالي يتم انتشالها كقطع لحم صغيرة”.

ويصف بـ “المؤلم جداً فقدان أحد زملائنا أو أهلنا او أصدقائنا”، قائلاً: “في بداية الحرب فقدت ما يقارب ثمانية أشخاص من المقربين، لكن هذا لن يردعنا وسنستمر في التغطية والتصوير والتحرير ورفع موادنا قدر المستطاع، نفسيتنا تتألم كثيراً لكن لا شيئ يمنعنا من نقل صورتنا الى العالم أجمع”.

قصص وروايات صحافيي غزة لم تنته هنا، وللحديث بقية.

شارك المقال