كيف قرأت الجماهير الممانعة وغير الممانعة خطاب نصر الله؟

محمد شمس الدين

بعد التزام الصمت منذ بدء الحرب، أطل الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله أول من أمس للمرة الأولى، متناولاً المستجدات بشأن عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها حركة “حماس” في 7 تشرين الأول، وأدت الى حرب ضارية على غزة، وتوتر وقصف متبادل على الحدود الجنوبية اللبنانية يتصاعد بصورة مستمرة.

الخطاب المنتظر على وقع هتافات “كرمال الله يا سيد يلا” و “يا نصر الله يا حبيب اضرب اضرب تل أبيب” أدى إلى جدل في الرأي العام اللبناني والفلسطيني، بين من اعتبره الخطاب المتوقع ذا الأهداف والمعادلات الثابتة، وبين من رآه مخيباً للآمال، فكيف قرأ الجمهور هذا الخطاب؟

في الجزء الأول من الخطاب، والذي كان سرداً تاريخياً للقضية الفلسطينية والجرائم الاسرائيلية، لوحظ بعض التململ لدى المشاهدين، حتى من ضمن الجمهور الممانع، كونهم يعرفون هذا التاريخ جيداً وليس جديداً عليهم، وهم على أحر من الجمر لـ “الاصبع” الذي يشكل رمزية لديهم، ويعتبرونه كلمة فصل يخافها العدو، ولكن فات الكثيرين أن نصر الله استغل فرصة تسليط الضوء عليه من مئات وسائل الاعلام العالمية، كي يحاول إضفاء شرعية على عملية “طوفان الأقصى” بعد أن كانت البروباغندا الاسرائيلية تسوقها وكأنها اعتداء غير مبرر من “حماس”، بينما الحقيقة أن سبب العملية بل حتى وجود “حماس” هو العدوانية والعنصرية والطغيان الاسرائيلي المستمر منذ ٧٠ عاماً.

أما الجزء الثاني والذي تعلق بمسار الحرب منذ بدايتها، ورسم المرحلة المقبلة، فاعتبره الكثيرون دون المستوى تحديداً بين العديد من الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون إعلان تصعيد من نصر الله، بعد كل هذا الدمار في غزة، وعلقوا على مجموعات “الواتساب” على هذا الأمر، ففي إحدى المجموعات باسم “أنصار الشباب المسلم في عين الحلوة” أتت التعليقات على الشكل التالي: “100 ألف صاروخ للبيع/ حالة جيدة”، “قرار فلسطين بأيدي فلسطين”، “لم نكن نعلم يعني احنا ما خصنا خلصو حالكم لحالكم هذا كل الخطاب باختصار أنا جاي أبري حالي”، “الشهداء منحكي بيوم تاني، غزة نتكلم عليها بوقت لاحق، التضحيات نفصل فيها بوقت آخر عجب ليش طلع؟”.

أما في مجموعة باسم “قوات الأمن الفلسطيني” فجاء التعليق: “حسن نصر الله حتى الآن في خطابه لا جديد يذكر ولم يأتِ بجديد، على ما يبدو أنه يشرح لنا ما حدث منذ احتلال فلسطين وكأننا في درس تاريخ فلسطيني”.

حتى أن هناك ناشطين من المفترض أنهم محسوبون على بيئة الممانعة علقوا بتعليقات سلبية، ما أدى الى مهاجمتهم من أصدقائهم، فيما البعض أصدرت عائلته بياناً تبرأت منه بسبب تعليقه بطريقة غير لائقة على الخطاب.

وطبعاً لم يخلُ الأمر من بعض النكات مثل: “عاجل: مونة بيت كاملة لعائلة مؤلفة من ٦ أشخاص تكفي لـ ٣ شهور للبيع بنص حقها”، بعد أن كان الكثيرون يتوقعون إعلان حرب من نصر الله طيلة الفترة منذ الأحد.

أما المفاجئ فهو تعليقات البعض من فرقة “لبنان لا يريد الحرب” الذي هاجم نصر الله بسبب عدم إعلانه التصعيد، وكتبت الوزيرة السابقة مي شدياق: “من لو كنت أعلم إلى لم أكن أعلم، الله يساعد اللبنانيين”، وأرفقت تعليقها بصورة “سكوتك كان راعبهم أكثر”. بينما كتبت الاعلامية ديما صادق: “في واحد شارك بقتل أطفال سوريا باسم نُصرة أطفال فلسطين، ولما اجا وقت انقاذ أطفال فلسطين قعد يتفرج”. فيما انتشرت التعليقات من الفريق المعارض للممانعة تتهم نصر الله بخذلان فلسطين “قضيته” والخوف من الأساطيل الأميركية.

وفيما يمكن فهم تعليقات المعارضين، التي هدفها المزايدة والنيل من خصمهم، يبدو أن بعض المحسوبين على الممانعة اختلطت عليه الأمور، وذلك على الأرجح بسبب التهويل الذي سبق الخطاب من بعض من يدورون في فلك الممانعة، الذين رفعوا السقف عالياً مهولين على الجمهور، بينما انتشرت فيديوهات قبل الخطاب، كلها في إطار تهديد اسرائيل، إلا أن الواعين من المحللين لم يستمع أحد إلى كلامهم علماً أنهم كانوا يتحدثون طيلة الأسبوع، لدرجة أنه إذا تم تجميع هذا الكلام، ستجده مطابقاً لخطاب السيد نصر الله، ولكن دوماً في النبرة العالية، تجد مصفقين.

أما بعض الفلسطينيين الذي اعتبر أنه خذل، فيمكن تفهمه، الغضب كبير، وهو يشاهد المجازر الاسرائيلية المروعة بحق أهله في غزة، ويتمنى أن تشن حرب ولو عالمية تستطيع الانتقام لدماء الشهداء، إلا أن تكتيكات محور الممانعة ليست ما يطلبه الجمهور. ويرى المطلعون على استراتيجية الحزب والمحور، أن “الحرب تصاعدية، وليست اضرب واضرب، وقد تفيد الفيديوهات والنبرات العالية في رفع المعنويات والتهويل على الرأي العام عند العدو ليشكل ضغطاً على قادته، إلا أنها لا تقرّش في أرض المعركة، فحسابات الميدان لها أربابها، والسيد نصر الله لم يحضر خطاباً وهو جالس في غرفته يحتسي الشاي، في هذه المرحلة هذا هو الخطاب المطلوب وقد يطل فجأة بخطاب آخر يكون هو المطلوب حينها، وعندها تتغير التعليقات من الجماهير”. ويختم هؤلاء بالقول: “الميدان يحدد الخطاب، وليس الخطاب ما يحدد الميدان”.

شارك المقال