تعاطي “العسكرية” مع جرائم “الحزب” مريب وآخرها الجندي الايرلندي!

جورج حايك
جورج حايك

عندما أصدر القضاء العسكري اللبناني قرار اتهام بحق 5 عناصر من “حزب الله” بجريمة القتل المتعمدة للجندي الايرلندي شون روني من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، استبشر اللبنانيون خيراً، بأن العدالة ستأخذ مجراها في جريمة لا التباس فيها، بل سلّم محمد عياد أحد القتلة نفسه للجيش اللبناني في كانون الأول 2022، وهو منتمٍ إلى “حزب الله”.

ولعل الأمر الوحيد المطمئن في هذا الموضوع كان قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان وهو من القضاة المستقيمين، أصدر قراره الاتهامي بأن المتهمين قاموا بـ”تأليف جماعة من الأشرار وتنفيذ مشروع جرمي واحد”، علماً أن “الحزب” تنصّل من المسؤولية معتبراً أنه في الأصل ليس طرفاً في المشكلة بين الأهالي والدورية الايرلندية، والمستغرب أن يتلطى خلف الأهالي كلّما شعر بأن أصابع الاتهام موجّهة إليه!

مرّت الأيام، ويبدو أن محامي عياد تمكّنوا في الأسبوع الفائت من أن يطلقوا سراحه من خلال دفع كفالة، قدرها نحو 1.2 مليار ليرة لبنانية أي 13.377 دولاراً، لافتين إلى أنه يعاني من السرطان المثبت بالوثائق الطبية اللازمة.

لكن لم يفهم أحد أسباب عدم محاكمة عياد طوال هذه الفترة، وما هي النصوص القانونية التي اعتمدت عليها المحكمة العسكرية لاطلاق سراحه. الا أن مصدراً قانونياً في “القوات اللبنانية” يرى أن هناك احتمالاً بأن المحكمة العسكرية طبّقت ما ينص عليه القانون “بالتوقيف 6 أشهر في حال الجناية، يمكن تجديدها لمرة واحدة 6 أشهر قبل أن يُخلى سبيل الموقوف”. ويضيف المصدر: “لكن اخلاء سبيل موقوف الجناية لا ينطبق على عياد الذي يعتبر ما فعله جريمة ارهابية كبيرة حصل فيها إطلاق النار عمداً على نحو مباشر أي بنيّة القتل”.

والمريب أكثر أن قرار الافراج عن المتهم صدر من رئيس المحكمة العسكرية وليس من قاضي التحقيق، علماً أن رئيس المحكمة، من الطائفة الشيعية، ولا يعيّن إلا بقرار من الثنائي الشيعي لذا لم يعد مستغرباً أن ينفذ أوامر “الحزب” والحركة.

من المؤكد أن مسؤولي “اليونيفيل” سيتحققون من ملابسات القضية والاهمال الذي حصل لمحاكمة المتهمين، لكن حتى الآن لم يصدر أي رد فعل اعتراضي. ويشير المصدر القانوني في “القوات” إلى أن “علينا ترك التقويم لهم، علماً أن اليونيفيل والدول الأوروبية عادة لا تدخل في التفاصيل، ينظرون إلى الصورة العامة، وايرلندا البلد الذي ينتمي اليه الجندي المغدور لا تفهم بالسياسة اللبنانية، وسيقدّم لهم المسؤولون اللبنانيون نصوصاً قانونية ومبررات بأن لا وجود لنيّة القتل والارهاب، ومن المتوقع، للأسف، أن يُطوى الملف”.

لكن هذا الأداء من المحكمة العسكرية كلّما كان “حزب الله” طرفاً في قضية معينة، بات مريباً ويثير استغراب معظم اللبنانيين، وقد حصلت جرائم سابقة أهمها قيام عنصر من “حزب الله” بقتل الضابط في الجيش اللبناني سامر حنا، ومحاولة محمود حايك اغتيال الوزير السابق بطرس حرب، وكلاهما تمت محاكمتهما أمام المحكمة العسكرية ثم أفرج عنهما بصورة مريبة، إلى محاكمة أبناء العشائر العربية الذين اشتبكوا مع “حزب الله”، ولم يتم اعتقال وتوقيف مدنيين إلا من طرف واحد!

ويوضح المصدر القانوني في “القوات” أن هناك سطوة من “الحزب” على المحكمة العسكرية، وهذا لم يعد سراً، فلو كان مطلق النار من “القوات” مثلاً لطلب مفوض الحكومة الاستماع إلى رئيس الحزب سمير جعجع، فيما لم يطلب في جريمة قتل الجندي الايرلندي الاستماع إلى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، “لذلك نعتبر أن هذه المحكمة مسيّسة وهناك ميل واضح إلى محور الممانعة”.

ونسأل ما دور قائد الجيش في المحكمة العسكرية؟ يجيب المصدر: “لا علاقة لقائد الجيش بالمحكمة العسكرية، ولو كانت لديه سلطة على بعض الضباط فيها، إلا أنها تتبع وزير الدفاع، وكما كان السوريون أيام النظام الأمني اللبناني – السوري يشرفون على التعيينات فيها، تخضع اليوم لتدخلات السياسيين وخصوصاً حزب الله. وهذا ما يتنافى مع العمل المؤسساتي، والعمل القانوني الذي يتساوى فيه جميع المواطنين”.

ويؤكد المصدر القانوني في “القوات” أن “هناك جنوحاً غير مبرر في المحكمة العسكرية التي تتجاوز صلاحياتها، فمبدأها يقضي بمحاكمة جرائم العسكريين، وليس المدنيين الذين يجب أن تطبّق عليهم الأحكام المدنية، لقد وسّعت صلاحياتها لغاية في نفس يعقوب، بحيث أصبحت تدخل إلى قضايا لا علاقة للعسكريين بها”.

والمفارقة أن تكتل “الجمهورية القوية” قدّم عدة اقتراحات قوانين لالغاء المحكمة العسكرية، ويجب أن تُجمع هذه الاقتراحات في لجنة الادارة والعدل وتختصر باقتراح واحد لتُرسل إلى الهيئة العامة، وهناك يجب إقرار هذا القانون لوضع حد لتدخل المحكمة العسكرية في الأمور الخارجة عن اختصاصها.

أمام هذا الواقع، لا يمكن إلا أن نتذكّر مقولة شهيرة لرئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل عندما سُئل عن وضع بريطانيا في خضم الحرب العالمية الثانية وخرابها على يد الألمان، فأجاب: “بريطانيا بخير طالما القضاء بخير”، وهكذا نستنتج أن لبنان ليس بخير لأن القضاء ليس بخير!

شارك المقال