مذكّرة التوقيف بحق بشار… كيف رآها سوريّون؟

إسراء ديب
إسراء ديب

يغيب عن أذهان الكثيرين أنّ التحدّيات التي واجهت الشعب السوري منذ اندلاع الثورة حتّى يومنا هذا، كانت كفيلة بإحداث تغيير جذري في روح وقدرات هذا الشعب الذي رافقته المجازر والجرائم الحربية الشنيعة (التي ارتكبها النظام السوري وغيره من القوات الخارجية) حتّى في غربته التي وصل إليها قسراً بعد تدخل أكثر من “سكين قاطعة” على خطّ الأزمة، الأمر الذي أرغمه على اللجوء وما يحمله من إهانة وذل، أو على البقاء وما يحمله أيضاً من خطر وذعر.

وفي الوقت الذي احتلت فيه غزة بمآسيها وخطورة أزمتها الأخبار المحلّية والاقليمية والدّولية، (خصوصاً أنّ مختلف المجازر التي يرتكبها العدو الاسرائيلي فيها باتت مسجّلة علناً عبر البث المباشر)، فتحت فرنسا جرحاً لن يندمل على المستوى السوريّ ليحتلّ هذا الخبر الصدارة أيضاً، فللمرّة الأولى تُصدر محكمة فرنسية مذكّرة توقيف دولية بحقّ الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر؛ على خلفية “تورّطهما في مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية بدمشق في آب 2013، وأدت إلى استشهاد 1450 مدنياً، بينهم أكثر من مئتيّ طفل وامرأة”، وهي جريمة موثقة بالصوت والصورة بآلاف المقاطع المصوّرة وبصور الضحايا الذين شهدوا على هذه “الورطة” أو “وصمة العار” الحربية التي لم تكن الأولى من نوعها كما لم تكن الأخيرة لدى الأنظمة الاستبدادية العربية منها والغربية بمختلف أشكالها وأنماطها.

وبعد إجراء تحقيقات عام 2021 بناءً على شكوى جنائية قدّمها “المركز السوري للاعلام وحرية التعبير” (SCM) وضحايا سوريون، إضافة إلى شهادات ناجين من الهجوم الكيماوي، تضمّنت الحديث عن أسلحة الأسد المستخدمة ومنها “المحرّمة دولياً” عند هجومه على مدينة دوما في الغوطة الشرقية، يُمكن التأكيد أنّ الشعب السوري لم ينسَ هذه البصمة الدموية أساساً لتُذكّره بها فرنسا، إذْ يُتابع الكثير من النازحين السوريين إلى لبنان (لا سيما من المناهضين للنظام) الأخبار بدقّة ليعرفوا تفاصيل هذه المعلومات، فيما يعمد المناصرون إلى استغلال هذه المادّة الخبرية للسخرية والتهكّم منها، وفي الوقت عينه، يُجمع الطرفان على فكرة واحدة قائمة على عدم ثقة الشعب السوري (مهما كانت توجهاته) بالقضاء الدّولي.

إلى ذلك، لا يُخفي ياسر (اسم مستعار) وهو بائع سوري في سوق الخضار الجديد في طرابلس، أنّ هذه المذكّرة وإنْ كان يرى البعض أنّها إيجابية، فهي تُخفي الكثير من الألاعيب الدّولية خلفها سياسياً واقتصادياً. ويقول هذا الشاب الثلاثينيّ لـ “لبنان الكبير”: “كلّ الأخبار والقرارات كاذبة، ذبحونا ودمّرونا وبعد كلّ هذه الأعوام جاءت فرنسا لتُحدّثنا بما حاولنا إثباته منذ أعوام، فهذه المذكّرة تبقى فارغة لأنّ روسيا وغيرها تحميه، كما أنّني ومعظم السوريين في هذه السوق كنّا نرغب في إسقاط المجرم الذي حوّل حياتنا مع القوى العربية، الاقليمية والدّولية إلى جحيم، والجميع كان رصد جرائم الأسد ونداءاتنا المتكرّرة لكن لم ينصت إلينا أحد ولم يُلبّنا كلّ مدّعي الديموقراطية والحرّيات حتّى أبناء المعارضة في لبنان والأردن وتركيا الذين سحبوا أسلحة وأموالاً وغادروا البلاد ليعيشوا في الفنادق الفاخرة وتركونا وحدنا لنواجه مصيرنا، ولا تصالح منّا مع المعارضة أو الموالاة بسبب كلّ لحظة إهانة تعرّضنا لها”.

ابن ريف ادلب السورية وتحديداً من مدينة معرّة النعمان المعروفة بمناهضة النّظام، نزح إلى لبنان منذ العام 2011 عقب تظاهرات تحوّلت بعد خمسة أشهر إلى تجمّعات عنيفة وصراعات مع الجيش الذي كان يُهاجم قرية تلو الأخرى على قاعدتيْن: إمّا الاستسلام بعد قتل العشرات منكم وربما المئات، أو المقاومة وهدم البيوت على رأس أصحابها، “لذلك دمّرت قريتنا التي هربنا منها تحت أزيز الطائرات والمدفعيات والقصف، وبتنا مشرّدين بين تركيا، لبنان، قسم الشمال السوري المحرّر، أو في أوروبا. وبعد نزوحنا إلى لبنان، حاول أخي الهرب في مركب سلعاتا المعروف حينها سلّم الى الفرقة الرابعة ما دفعنا إلى تأمين مبلغ 500 دولار للمهرّب كيّ يأخذ حصّته ويُعطي حصّة للفرقة كيّ يُعيده إلينا، والآن يُحدّثوننا عن جريمة واحدة دولياً؟”.

ويصف عامل سوريّ آخر (من حمص) في طرابلس وضعهم بـ “المأساوي”، مشيراً الى “أننا فصلنا عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ونعيش من قلّة الموت، تحالفت ضدّنا الأمم وتركنا وحدنا من دون الافادة من خيراتنا، وبعد وقتٍ طويل فهمنا اللعبة الخارجية ولا ننتظر قراراتهم لإدانته أصلاً، كلّ ما نتمنّاه العودة لنعيش بكرامة وسلام”.

ومن ألمانيا، يرى الشاب الملقّب بـ “الشامي أمين”، أنّ المجتمع السوريّ بات متعصّباً بعد سنوات على حرب خسر فيها الجميع أفراداً من أسرتهم، أملاكهم وأعمالهم، مشدّداً على أنّ التجربة أثبتت أنّ حجم الثقة بالغرب وقضائه معدوم. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “لا ثقة أو إيمان بالمحكمة الدولية أو الأمم المتحدة وغيرها، فإذا كان مدير البنك المركزي في سوريا الذي يحمل جنسية فرنسية عليه ملفات اختلاس بالمليارات من دون عقاب ومحاسبة، فلن نصدق المجتمع الدّولي الآن ورأينا ما حدث في قضية الشهيد رفيق الحريري، لكن نتمنّى معاقبته إذا تمكّنوا من الوصول إليه لنرتاح ولو جزئياً، لكنّنا على ثقة بأنه بيدق يُسيّرونه كما يرغبون”.

وإذْ يُؤكّد الشامي (ابن الشام) أنّ حاجز الخوف كسر منذ أعوام طويلة لكنّهم يخشون فقط على عائلاتهم في البلاد، يلفت إلى أنّ هذه المذكّرة قد تكون “أضحوكة ولعبة إمّا ليمتصّوا فورة الناس الغضبانة والمتعاطفة مع غزة، أو تخفيفاً من احتفان الشارع الأوروبي بعد وصول عدد اللاجئين الى مليونيّ لاجئ سوري تقريباً بين ألمانيا وأوروبا عموماً”.

في المقابل، يُؤكّد ناشط من جبل محسن (حيث توجد أكثرية مناصرة للأسد) أنّ المذكّرة قوبلت بالسخرية والتجاهل، “إذ مرّ الخبر مرور الكرام بلا ردّ فعل، والمذكّرة مرتبطة بالقضاء الفرنسي فحسب ولا تأثير دولي لها”. فيما يقول مواطن سوريّ مناصر (في السويد): “باختصار، إنّ فرنسا الداعمة للصهيونية بمجازرها في غزة، لا يحقّ لها الحديث عن إنسانية وما شابه”.

شارك المقال