خلفيات الاعتداء على محامٍ في قصر عدل طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يجتمع محاميّان في طرابلس إلّا ويكون الحديث عن الاشكال الذي وقع في قصر عدل المدينة، والتعدّي الناتج عن التضارب الذي طال المحامي عاصم البعريني أثناء تأديته واجبه المهنيّ ثالثهما. إذْ ان هذا التضارب الذي حصل منذ أيّام لم يمر مرور الكرام، خصوصاً بعد اتخاذ المحامي المعنيّ الاجراءات القانونية اللازمة كإدانة مباشرة لما حدث من جهة، ونشر نقابة المحامين بياناً دانت فيه عملية الاعتداء من جهة ثانية، واستنكر مجلس النقابة “الاعتداء على الزميل البعريني في معرض تأديته مهنته وبلباس المحاماة من الخصوم في الدّعوى ومن كان برفقتهم خارج غرفة المحكمة في قصر عدل طرابلس”.

الاشكال الذي أدّى إلى حدوث “هرج ومرج” أغلقت بسببه أبواب قصر العدل لمنع الدّخول والخروج إلى النيابة العامّة في سراي طرابلس، حصل بعد إحدى الجلسات في محكمة الجنايات، وحسب المتابعين فإنّ التلاسن الذي حدث وقيل انّه بين مواطنين من فنيدق وعكار العتيقة، بدأ أساساً أثناء الجلسة التي حصل فيها توتر ملحوظ لا يخفى على الحاضرين، واشتدّ الغضب فعلياً خلال الجلسة، وصولاً إلى انتهائها والخروج من القاعة مباشرة، الأمر الذي استدعى تدخل القوى الأمنية، والمحامين، كما كبار المعنيين سعياً إلى الحدّ من هذا الاشكال “الصادم” الذي كان يُمكن أن يُحدث فوضى مضاعفة تنعكس سلباً على السلم بين المنطقتين المتنازعتين على خلافات عقارية لا يغفل عنها أحد منذ أعوام.

في السياق، تُشير معطيات “لبنان الكبير” إلى أنّ المدّعي العام الاستئنافي في لبنان الشمالي القاضي زياد الشعراني أثار غضبه هذا الاشكال، ما دفعه إلى طلب تعزيزات أمنية مع اتخاذه إجراءات صارمة للحدّ منه، إضافة إلى تركيزه على عدم التساهل في تنفيذ أيّ إجراء قانوني، لذلك كان قد استدعى قادة الأجهزة الأمنية كافّة، لاتخاذ إجراءات احترازية تحسباً لأيّ تجاوز أو تكرار، “وقد أصدرت النيابة العامة الاستئنافية بشخص الشعراني ورئيس محكمة الجنايات القاضي داني شبلي أمراً بتوقيف المعتدين بينهم 4 أو 6 يرتدون البذلة العسكرية، لكنّهم لاذوا بالفرار”.

تفاصيل الملف والاشكال

إنّ الخلافات المتفاقمة عقارياً، كانت قد اشتعلت فعلياً بعد عملية قتل المهندس رامي البعريني عام 2021، بحيث يروي المحامي البعريني الذي تعرّض لاعتداء أثناء ارتدائه “روب” المحاماة، تفاصيل الملف والاشكال الأخير. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “الضحية البعريني كان برفقة أصدقائه من آل السيّد من دون سلاح خلال نزهة لهم في القموعة عند أطراف الفنيدق على أرضٍ متنازع عليها، حينها اعتدت عليهم مجموعة مسلّحة من عكار العتيقة وتمّ توقيف المتهم علي درويش والمتهم حسن هدول إثر هذه الجريمة، ولا يزال هناك شخصان فاران من وجه العدالة، وكأهالي فنيدق كنّا قد التجأنا الى القضاء لأخذ حقنا، والملف حالياً أمام محكمة الجنايات في لبنان الشمالي في غرفة القاضي داني شبلي”.

وعن التفاصيل، يُضيف البعريني: “نظراً الى وجود خلفيات عقارية ما اضطر فيما بعد إلى فرض الظهور المسلّح، وذلك عقب قيام أحد الأشخاص في فنيدق بشحل الشجر، في وقتٍ اعتبر فيه أهالي عكار العتيقة أنّه دخل ضمن أملاكهم فأطلقوا النار عليه، ما أدّى إلى حصول ظهور مسلّح انتشر معه مسلّحون على الجبال، فصدف مرور رامي في هذا التوقيت (الذي أخبر أهله بهذه النزهة) على الطريق برفقة المدّعين الثلاثة الذين حضروا الجلسة وهم هادي السيّد، سيف الدّين السيّد، وأحمد السيّد من فنيدق أيضاً، ليظهر شخص يرتدي بذلة عسكرية وجّه السلاح اليهم بلا نقاش وقتل حينها رامي برصاصة في رأسه من مسافة قريبة تصل إلى متر ونصف المتر وفق أدلّة الطبيب الشرعي، كما أصيب سائق السيّارة وشخص ثالث، واستمرّ إطلاق النّار عليهم بغزارة وابتعدوا 200 متر بالسيارة، فوصلوا إلى مكان أسفل جبل ليعود الرصاص الكثيف من جديد، ما اضطّرهم إلى الخروج من السيّارة مع وصول والد أحد المتضرّرين فسحب الضحية من السيارة التي احترقت بسبب الرصاص”.

وفي وقتٍ تُشير معطيات إلى أنّ هذا الملف الذي صدر بموجبه كلّ من القرار الظنّي والاتهاميّ، تعرّض لضغوط سياسية وأمنية سابقة سعت إلى تغيير رأي القضاة، يُشدّد البعريني على أنّ القضاء “كان ولا يزال نزيهاً وشفافاً ويسير بالدعوى ضمن استقلاليته، ونحن نثق بحكم القضاء، لكن منذ أربع جلسات تقريباً، حاول المعتدون القيام بتصرفات مبطّنة بالتهديد، ولم أنقل هذا الكلام كيّ لا تتأزم الأمور، لكن منذ ساعات ولدى أدائي دوري كمحام أثناء الجلسة التي طلبت إرجاءها إلى 8 شباط 2024، تعرّضت لاعتداء، وعلى الرّغم من ذلك، فإنّني أطلب من كلّ أهالي فنيدق الاحتكام الى القانون الذي لا بديل عنه وهو يُمثلنا ونثق به وبغرفة القاضي داني شبلي تحديداً”.

وعن تفاصيل الاعتداء حسب حاضرين أثناء جلسة محكمة الجنايات، “عمد أحد الأشخاص بين 60 شخصاً تقريباً ضمن الجلسة (ويُقال انّه أحد أقارب المتهم علي درويش ويرتدي بذلة عسكرية) وبصوت مرتفع إلى التحدّث بعد طلب الحديث مع القاضي فشتم القضاء الذي وصفه بأنّه فاسد ومفسد، في وقتٍ كان القاضي يتمتّع فيه بهدوء تام بسبب حساسية الملف، الأمر الذي صدم الجميع، وبعد الخروج من القاعة كان ينتظر البعريني العشرات على باب المحكمة وكان برفقته المدّعين الأربعة، فعمد شخص يرتدي أيضاً بذلة عسكرية إلى تصوير المحامي والمدّعين عبر هاتفه، ما أدّى إلى تدخل عنصر من القوى الأمنية لحذف الصورة، فقام حوالي 40 شخصاً بالتدخل ضدّ العنصر الأمنيّ والمدّعين الذين ضُربوا أيضاً واتجه المعتدون نحو المحامي”.

وكان قد تدخل لإنهاء الاشكال الذي استمرّ 6 دقائق، العناصر الأمنية كما بعض المحامين الذين أصيبوا في الاشكال أثناء محاولة الصدّ، ويوضح البعريني: “زميلي المحامي محمود محمّد موكّل معنا في الملف كان موجوداً وغادر الجلسة قبلي، عاد ليتدخل ويحميني فحصل تدافع ضدّه أيضاً وهو يرتدي لباس المحاماة”.

ويُؤكّد البعريني أنّ التأجيل أغضبهم، “إذْ طلبت من القاضي الإتيان بالداتا، المواقع الجغرافية، وحركة الاتصالات بين علي درويش وهدول ورفاقه الذين كانوا مسلحين، كما طلبت تفريغ هاتف درويش مع تفريغ قرصين مدمجين أبرزناهما في التحقيقات الأولية (بعد قتل البعريني، تجمهر الناس الذين ألقوا القبض على درويش بعد تسلّحهم وصعودهم إلى رأس التلّة، فوجدوه كما سلّموا سلاحه ورأيت هاتفه بحيث رصدت فيه تواصله مع مسلّحين)”.

أمّا عن الاجراءات التي سيعمد البعريني الى اتخاذها قانوناً، فيقول: “اتخذت صفة الادّعاء الشخصي مع زميلي محمود محمّد بحضور عضو من نقابة المحامين وادّعائها بموجب محضر فوري في غرفة المحامي العام علي الخطيب، وأحيل المحضر على مفرزة طرابلس القضائية للتحرّي عن المدّعى عليهم تمهيداً لتوقيفهم جميعاً”.

ويدعو البعريني المعنيين إلى ضرورة تسريع الدعاوى وترسيم حدود الفصل، “إذْ كان أهالي الفنيدق طالبوا مع بلديتهم باعتبار القموعة والمناطق المتنازع عليها محمية لمصلحة الدّولة، ومستعدّون للتنازل عن أيّ عقار نملكه بجوار سهل القموعة لصالح المحمية”.

شارك المقال