بري مدد لعون وعثمان حفاظاً على الاستقرار الأمني والميثاقي

زياد سامي عيتاني

“واجب الحكومة حل المسألة، سواء عبر تعيين قائد للجيش أو تأجيل تسريح القائد الحالي، لكن إذا تقاعست فالبرلمان سيقوم بواجباته لمنع الفراغ في هذا المنصب الحساس”… عندما أطلق الرئيس نبيه بري هذا الموقف، كان متيقناً من أنه يمتلك تفويضاً من غالبية الكتل النيابية، بما فيها كتلة “حزب الله” للتمديد لقائد الجيش، منعاً للفراغ، في هذه المرحلة التي يهدد فيها العدو الاسرائيلي لبنان باستمرار، منذ عملية السابع من تشرين الأول. وفي الوقت نفسه، كان بري مدركاً عجز مجلس الوزراء عن أخذ الموضوع على عاتقه، بسبب رفض وزير الدفاع “الباسيلي” المضي في التمديد للعماد جوزيف عون، الذي بات العدو الأول عند جبران باسيل.

وتعمد الرئيس بري المعروف بحنكته وباعه الطويل في “سحب أرانب” التسويات من جيبه، عدم الدخول في السجالات الساخنة التي شهدتها الأيام الماضية بشأن الموضوع، تاركاً الأمور تاخذ مسارها الطبيعي، وتبلغ مداها بين المتصارعين، كي يأخذ زمام المبادرة لطرح الحل في مجلس النواب، الذي تقبل به الغالبية. ففي ذروة الخلافات والانقسامات والسجالات بين القوى المتصارعة، كانت الأجواء في عين التينة هادئة للغاية، وكأن ثمة “كلمة سر” في جيب الرئيس بري، تجعله مطمئناً على المؤسسة العسكرية بأن الشغور لن يطال رأس هرمها، مع حرصه على حسم الأمور في وقتها السياسي المناسب، في حال لم يتمكن مجلس الوزراء من تحمل المسؤولية التي هي من صلاحيته. وهذا ما دفعه الى إدراج بند التمديد لقائد الجيش في آخر جدول أعمال الجلسة التشريعية، كي لا يقفز المجلس فوق صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.

وعندما لم تنعقد جلسة مجلس الوزراء لعدم إكتمال النصاب، أخذ الرئيس بري المبادرة، وطرح الموضوع تحت قبة البرلمان، لتلافي الفراغ وإبعاد شبح الشغور. إلا أن المفاجأة “الأرنب” غير المتوقعة من الرئيس بري تمثلت في أن يشمل التمديد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي يُحال على التقاعد في أيار المقبل. وحسب المعلومات فإن خطوة الرئيس بري في أن يشمل التمديد العماد عون واللواء عثمان هدف إلى “ضرب عصفورين بحجر واحد”:

١) عدم إشعار الطائفة السنية بالتغييب والتهميش، بعدما تم تعطيل جلسة مجلس الوزراء، من خلال أن يشمل التمديد قائد قوى الأمن الداخلي (السني)، خصوصاً وأن عدداً من النواب السنة إشترط ذلك للمضي بالتمديد للعماد عون، فضلاً عن أن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان من مؤيدي التمديد للواء عثمان.

٢) إبعاد شبح الطعن عن القانون الصادر عن مجلس النواب بشأن التمديد، بحجة إقتصاره على شخص ورتبة حصراً، لأن القوانين يفترض أن تتمتع بالصفة الشمولية، لا أن تكون مفصّلة على قياس أفراد. لذلك، تسارعت الاتصالات للعمل على مشروع موحد بصيغة تشمل تأجيل تسريح بقية رؤساء الأجهزة الأمنية لاعطائه صفة الشمولية.

لقد تمكن الرئيس بري بالأمس من المحافظة على إستقرار المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية، من خلال عملية “قيصرية”، في ظل الظروف السياسية غير الطبيعية التي تتحكم بلبنان جراء عدم وجود رئيس للجمهورية، محدودة صلاحيات حكومة تصريف الأعمال “المتصدعة”، على الرغم من المخاطر التي تهدده. وكذلك، فإن الرئيس بري أشعر المفتي دريان والبطريرك الماروني بشارة الراعي بالطمأنة، وبموقع طائفتيهما ومكانتهما في المعادلة السياسية، خصوصاً وأن البطريرك الراعي كان واضحاً لجهة الدعوة الى التمديد للقائد الحالي للجيش التي تجلت في عظته الأحد الماضي، بحيث يعتبر هذه المعركة معركته، بمعنى أنه لا يقبل بعد الشغور الرئاسي وفي حاكمية مصرف لبنان، أن يتكرر ذلك في قيادة الجيش، إذ يرى الشغور في مركز قيادة الجيش ضربة في الصميم للطائفة المارونية والمسيحيين ووطنياً.

لقد تم التعيين بصورة إستثنائية على “الطريقة اللبنانية” في ظرف إستثنائي، وأثبتت الطغمة السياسية الحاكمة سقوطها الوطني وعدم تحليها وتمتعها بحس المسؤولية، عندما أمعنت في عدم إنتخاب رئيس للجمهورية، بعدما ساهمت في تقويض كل مؤسسات الدولة المفككة.

لذا، أياً تكن الصيغة التي جدد فيها لقائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، فإن ذلك كفيل بالمحافظة على هاتين المؤسستين إضافة الى بقية الأجهزة الأمنية التي تشكل آخر ما تبقى من ركائز الدولة، والحارسين عليها بإمكانات وقدرات أقل من محدودة.

شارك المقال