باسيل يسقط بالضربة القاضية على حلبة التمديد لعون وعثمان

زياد سامي عيتاني

لقد حددت الأعراف السياسية المتبعة في لبنان، أن رئيس الجمهورية، ومع بداية كل عهد رئاسي جديد، يختار قائداً للجيش، يكون موضع ثقة بالنسبة اليه، كونه دستورياً القائد الأعلى للقوات المسلحة. وعلى غرار كل الرؤساء المتعاقبين، فإن الرئيس السابق ميشال عون، إختار في مستهل ولايته العماد جوزيف عون قائداً للجيش، مفضلاً إياه على عدد من الضباط الكبار الذين طرحت أسماؤهم. حينها أخرج عون إسم اللواء جوزيف عون وطرحه على الطاولة، معرباً عن ثقة كبيرة به، ومؤكداً أنه من أكفأ الضباط الذين حاربوا إلى جانبه حينما كان قائداً للجيش.

لكن دخول عون القائد إلى مقر قيادة الجيش كان بداية التباعد مع عون الرئيس في قصر بعبدا! ومرد ذلك يعود إلى أن قائد الجيش تصدى لكل محاولات صهر الرئيس الوزير جبران باسيل التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية، ربطاً بالتعيينات وغيرها من القضايا والشؤون الداخلية المتعلقة بالجيش. وصلابة العماد جوزيف عون العسكرية في المحافظة على إستقلالية قراره، قطعت الطريق أمام باسيل للتدخل وبالتالي الامساك بقيادة الجيش، إسوة بباقي مؤسسات الدولة وإداراتها وفي مقدمها القضاء. ومنذ ذلك الحين بدأ الفتور يخيّم على العلاقة بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش، وبدأت في موازاة ذلك حملات باسيل على العماد عون، لتتصاعد تدريجاً، حتى بلغت حد الهجوم المباشر من باسيل، غير آبه للموقع وللمؤسسة، ما زاد الشرخ بين “العونين” الرئيس والقائد.

وإنسحب التوتر في العلاقة بين الرجلين على علاقة قائد الجيش بوزراء الدفاع، المحسوبين على “التيار الوطني الحر”، والذين تعاقبوا في عهد الرئيس ميشال عون، من يعقوب الصراف إلى إلياس بو صعب إلى موريس سليم. غير أن تدهور العلاقة بين الرئيس عون وقائد الجيش بلغت ذروتها منذ إندلاع ثورة 17 تشرين، بحيث إتهم الأول الثاني بأنه قاد “الانقلاب” ضده، مع أنه هو الذي اختاره لتولي قيادة الجيش. في ضوء ذلك، بدأت الغرف السود بالغطاء “البرتقالي” بحملة منظمة وممنهجة ضد قائد الجيش، الذي تجاهلها ولم يرد عليها، إلا أن مواقفه التي كان يصدرها في مناسبات عسكرية غالباً ما تحمل رسائل لكل من تسوّل له نفسه الهجوم عليه وعلى المؤسسة العسكرية.

وما زاد الطين بلة أن إسم العماد عون بات مطروحاً بقوة لخلافة العماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وهو ما جعله عدواً مباشراً لرئيس “التيار الوطني الحر” الذي جاهر بانتقاده، رافضاً إنتخابه رئيساً ورافضاً تمديد مهامه لإنهاء حظوظه الرئاسية بالكامل. وكان باسيل يزعم أن هناك مشكلة في إدارة قائد الجيش لجهة الاستئثار بإدارة الأموال والتعيينات في المؤسسة العسكرية التي تتخطى صلاحياته، وتشكل تعدياً على صلاحيات وزير الدفاع، مشيراً إلى أن إدارة الملف المالي والاداري تعود لوزير الدفاع وليس لقائد الجيش! ووصلت الأمور بباسيل إلى أن أمر وزير دفاعه موريس سليم بطرح إقالة قائد الجيش على مجلس الوزراء، وما لبث أن تراجع عن ذلك بعد ثلاثة أيام إثر زيارته البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي.

يذكر أن الرئيس عون كان يحمل على قائد الجيش أمام زواره إلى جانب هجومه الدائم على رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، مشدداً على أنه سيقاتل بالمفهوم السياسي للكلمة لمنعهما من الوصول إلى سدة الرئاسة الأولى. كما كان يؤمّن لوزير الدفاع الغطاء السياسي في خلافه مع قائد الجيش، في حين كان باسيل يرعى شخصياً حملات التحريض التي تستهدفه في محاولة للتشويش عليه وضرب صورته في الداخل والخارج في ضوء إرتفاع منسوب التأييد الدولي له كمرشح لرئاسة الجمهورية.

مواقف باسيل التصعيدية لم تلقَ ترحيباً ولا تأييداً حتى داخل تكتل “لبنان القوي” الذي يرأسه، كما كانت لها نتائجها السلبية في صفوف “التيار الوطني الحر”، إذ سجلت حينها سلسلة إستقالات على خلفيتها، أبرزها من المنتسبين الى التيار من بلدة العيشية في جزين، مسقط رأس قائد الجيش. وفي موازاة ذلك، رفض نواب في التيار ترشيح باسيل، وأبدوا إستعدادهم لانتخاب قائد الجيش أو ترشيح اسم آخر من التيار كالنائب إبراهيم كنعان أو النائب آلان عون، وهو ما يعترض عليه بشدة الرئيس ميشال عون.

ومع تجميد الاستحقاق الرئاسي، نتيجة غياب التفاهمات المحلية والخارجية، وبعد الفراغ في منصب حاكمية مصرف لبنان، بدأت الاتصالات المكثفة لمنع الشغور في موقع قائد الجيش، مع رجحان التمديد للعماد عون، لتعذر تعيين خلف له في ظل الفراغ الرئاسي، “ليجن جنون” باسيل، الذي قاد معركة شرسة على خيار التمديد، لم يوفر فيها أي نوع من الأسلحة الهجومية، حتى بلغ به الأمر، بحسب معلومات لصحافيين مقربين منه، الى ابلاغ قيادة “حزب الله” أن تأييد تمديد ولاية عون هو “نقطة اللاعودة” في العلاقات بينهما، مؤكداً أن “كل ما سبق من خلافات مع الحزب في كفة، والتمديد لقائد الجيش في كفة مقابلة”. وترجم باسيل موقفه هذا بمؤتمر صحافي، بعد أن حدد الرئيس نبيه بري موعداً لجلسة تشريعية وعلى جدول أعمالها موضوع التمديد، وشن فيه هجوماً نارياً على قائد الجيش قائلاً: “العماد جوزيف عون لا يستحقّ أن يمدد له، لقد خان الأمانة، وأصبح عنواناً لقلة الوفاء، فهو يخالف قانون الدفاع الوطني، ويتعدى على صلاحيات الوزير، ويخالف بشكل واضح ووقح وعلني قانون المحاسبة العمومية، ويتباهى ويفاخر بمخالفة القانون”.

تحولت معركة إسقاط التمديد لقائد الجيش، أولوية و”أم المعارك” عند جبران باسيل، وما زاد من شراسة معركته، إستنباطه أن “حزب الله” رافض لخيار التمديد، علماً أن الحزب بقي ملتزماً الصمت، من دون أن يدلي بدلوه في الموضوع، مكتفياً بإبلاغ مراجعيه، أن قراره يعلنه عشية الجلسة النيابية. وبذلك، وجد جبران نفسه وحيداً في معركته لشطب العماد عون، المدعوم من البطريرك الماروني وعدد من الأحزاب والكتل النيابية من مختلف الطوائف، فضلاً عن تأييد غربي وعربي للتجديد له، من دون أن نسقط من الحسبان ما يحظى به العماد عون من إحترام وتقدير لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين.

أما وقد أقر المجلس النيابي مشروع التمديد، “بحبكة” من رئيسه، الذي اعتبر الرابح الأكبر في إنجاح التمديد، بالتنسيق مع الكتل الأساسية، وفي مقدمها “حزب الله”، الذي إنسحب نوابه من الجلسة، بعدما تكفل بتوزيع الأدوار مع حلفائه، لتمرير مشروع التمديد من جهة، وعدم “كسر الجرة” مع باسيل، بحجة أنه لم يتمكن من أن “يمون” على باقي حلفائه، فالحصيلة، أن جبران باسيل أسقط نفسه مرة جديدة سقوطاً مروعاً بالضربة القاضية على حلبة “الملاكمة” السياسية، بفعل سلوكه المتهور وأنانيته ونرجسيته التسلطية، التي تدفعه الى الاعتقاد أنه الوكيل الحصري للتمثيل المسيحي (!) من دون أن يكترث أن جنوحه وجموحه يتسببان تباعاً في ضرب كل المراكز المارونية الأساسية في الجمهورية اللبنانية!

لكن يجب الإقرار كي لا نولي باسيل وزناً أكبر من حجمه، أنه كالعادة كان مجرد أداة جرى إستخدامها لأداء دور محدد زمنياً، للوصول إلى تسوية معينة بشأن ملف قائد الجيش، وسحب بعدها من التداول، لينصرف إلى لملمة خيبته وهزيمته الجديدة، محاولاً تبرير خسارته أمام جمهوره.

شارك المقال