أقسى الانتهاكات بحق الصحافيين هذا العام… ثمن التزام الحقيقة

منى مروان العمري

لا يزال الصحافيون يدفعون أثماناً باهظة مقابل تأدية وظيفتهم، إذ يتنقّلون من مكانٍ الى آخر، مع كاميراتهم ومعداتهم لينقلوا المشاهد بالصوت والصورة، على الرغم من المشقات والعراقيل والمصاعب والمخاطر التي تهدد حياتهم. ولأن مهنة الصحافة هي “مهنة المتاعب”، بات الصحافيون أكثر الفئات عرضةً لخطر الاغتيال والموت والاعتقال والاخفاء القسري على الرغم من الحصانات والقوانين الدولية التي يفترض أن تكون مكرّسة لحمايتهم.

ولكن ما رأيناه خلال هذا العام المشرف على الانقضاء – باعتباره عاماً دموياً بالنسبة الى الصحافيين الذين مارسوا ولا يزالون واجبهم المهني والأخلاقي – يجسّد واقع الصحافة بالصوت والصورة، واقعاً ملطخاً بدماء الأبرياء والمهنيين، الذين هم أكثر من غيرهم يشكّلون (من خلال مهمّتهم) خطراً واضحاً على أيّ نظام قمعي وبربري في العالم. 

شحرور: تنوع أشكال الانتهاكات هذا العام

تخطى لبنان في العام 2023 الـ 70 انتهاكاً إعلامياً، لكن الجريمة الأفظع هي اغتيال الصحافيين عصام عبد الله وفرح عمر وربيع معماري في جنوب لبنان على يد جيش الاحتلال الاسرائيلي، وفق ما أكد الصحافي والمسؤول الاعلامي لمؤسسة سمير قصير، جاد شحرور في حديث لموقع “لبنان الكبير”، معتبراً أن “هذه الانتهاكات كانت هي الأشنع بحق الصحافيين في لبنان، بالاضافة الى اصابة العديد منهم جراء الاشتباكات الدائرة في الجنوب كالزميلة كارمن جوخدار وكريستينا عاصي”.

كما تنوّعت أشكال الانتهاكات في لبنان لهذا العام، بحسب شحرور، “إذ باتت الأعلى وتيرة هي تلك المتعلقة بالتهديد المباشر للصحافيين سواء من أحزاب أم أجهزة أمنية، بالاضافة الى الاستدعاءات القضائية والحملات المرتبطة بخطاب الكراهية والشتم والتحريض على القتل، كل هذه الانتهاكات بحقّهم تبلورت لأجل الاختلاف في الرأي السياسي”.

وعلى مقلبٍ آخر، كشف التقرير السنوي الذي تعدّه منظمة “مراسلون بلا حدود” منذ العام 1995، عن عدد الصحافيين الذين قُتلوا أثناء ممارستهم مهنتهم. وخلال هذا العام، أحصي مقتل 45 صحافياً، أيّ أقل بـ16 صحافياً عن العام الماضي.

واعتبرت دول الشرق الأوسط – بحسب التقرير – من أكثر الدول التي تعرض فيها الصحافيون للقتل خلال العام 2023، بحيث بلغ عددهم 18 صحافياً و67 آخرين طوال السنوات الخمس الماضية، خصوصاً في فلسطين ولبنان.

كما شهد العام 2023 مقتل 23 صحافياً أثناء ممارسة نشاطهم المهني في مناطق النزاع، علماً أن الغالبية العظمى منهم (17) لقوا حتفهم في خضم الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، الذي شهد سقوط 13 مراسلاً في سياق عملهم و56 في المجموع إذا تم إحصاء الصحافيين الذين سقطوا داخل هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة في سياق لا يتصل بنشاطهم المهني بصورة واضحة، علماً أن العدد الاجمالي للاعلاميين الفاعلين الذين فقدوا حياتهم خلال هذه الحرب بلغ 63 قتيلاً.

القصيفي: الحرية هواء يتنفسه الصحافي

أما نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي فقال لموقع “لبنان الكبير”: “من الطبيعي في غمرة الحرب على غزة وجنوب لبنان من العدو الاسرائيلي، أن يكون الصحافيون والاعلاميون عرضة للانتهاكات والاعتداءات التي يتقنها الكيان العبري جيداً في إطار سياسته المكشوفة والمفتوحة بالقضاء على أيّ شاهد يوثّق جرائم جيش الاحتلال بالقلم والصوت والصورة، وهذا ما ينسجم مع طبيعة إسرائيل القائمة أصلاً على اغتصاب الارض من أصحابها التاريخيين، والتنكيل بهم قتلاً وتضييقاً وتهجيراً وسلباً لحرياتهم ولقمة عيشهم”.

والحرية بحسب القصيفي “هي الهواء الذي يتنفس منه الصحافي والاعلامي، ومن دونه لا شيء إسمه صحافة، إنما طراطيش حبر على أكوام من الورق، أو مشهد روتيني مألوف عند الناس، أو صوت في وادٍ أو مهب ريح. لذلك، فإن هناك صراعاً مفتوحاً من دون هوادة بين المتشبثين بأصول مهنتهم وارادتهم في ممارسة عملهم بكل حرية وحرفية”.

واذا كان هدف الاعتداءات التي يتعرض لها هؤلاء ترهيبهم وحملهم على التخلي عن دورهم، فإن “الرد يكون بمتابعة هذا الدور بشجاعة والتزام وفاء لدم الشهداء من زميلاتنا وزملائنا الذين ارتقوا فداء عن الحق والحقيقة. مع ضرورة اتخاذهم أقصى إجراءات الوقاية، واستمرار العمل دولياً وعربياً وحقوقياً لالزام إسرائيل باحترام المواثيق الدولية واتفاقية جنيف الرابعة التي تحتم على المتقاتلين في الميدان احترام حرية تنقلهم وعملهم”، وفق القصيفي.

وأوصى الصحافيين والاعلاميين الجدد بأن “يعملوا بحرفية، ويلتزموا الحقيقة ولا شيء غيرها، وأن يجتنبوا الوقوع في أفخاخ التسريبات المضللة لغايات معينة، وأن ينتصروا دائماً للمظلوم والمقهور، وألا يقبلوا تحت أيّ ضغط تبرير الجرائم والتصرفات غير الانسانية من أيّ جهة أتت، وأن يتحصنوا بالقوانين التي تشرّع لهم حقوقهم في ممارسة الحرية. كما يتعين عليهم ألا يرضخوا لقوة الحق مهما بلغت تكلفتها، لأن مهنة الصحافة ليست مهنة المتاعب فحسب، إنما مهنة البحث عن الحقائق ونقل الوقائع كما هي”.

شارك المقال