من الحماوة الى الثلاجة… مواقف فرنسا تجاه الشغور الرئاسي في 2023

عمر عبدالباقي

العلاقة بين لبنان وفرنسا تعود الى فترة طويلة تميزت بدعم الأخيرة في الأوقات الصعبة، فبعد انفجار مرفأ بيروت في العام 2020، قدمت فرنسا المساعدة وأطلقت مبادرتها لاعادة بناء المرفأ وتولي الملف اللبناني برمته لانقاذ الوضع وتحسينه في ظل تفاقمه.

ومع نهاية عهد ميشال عون ودخول العام 2023، عاد الوجود الفرنسي بمبادرة أخرى مع اعتراف العديد بفشلها، ثم عودة جديدة لمعالجة الشغور الرئاسي الذي دخل في “الفراغ المجهول”.

بحكم حساسية لبنان الجغرافية ساهم الأمر مؤخراً بخفض الاهتمام الفرنسي بالموضوع الرئاسي خصوصاً أن الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا الى بيروت تركزت على مناقشة سبل تهدئة الوضع في جنوب لبنان وتطبيق الـ 1701، من دون أي طرح للموضوع الرئاسي.

ونستعرض أبرز المواقف الفرنسية هذا العام:

لقاء باريس الخماسي

تحت ادارة فرنسية عقدت جلسة خماسية في باريس في شباط 2023 شاركت فيها الى فرنسا، السعودية، مصر، قطر والولايات المتحدة، وكان هدفها تقديم حلول لأزمة لبنان وحث النواب اللبنانيين على انتخاب رئيس للبلاد. وتأكيداً على التعاون الدولي، قامت فرنسا بمبادرة ديبلوماسية بالتنسيق مع الأطراف ذات الصلة. وعلى الرغم من أن انتخاب الرئيس يقع على عاتق المجلس النيابي اللبناني، إلا أن الأطراف الخارجية لم تكن لديها تسمية معينة بقدر ما كانت تريد توافقاً من جميع الجهات اللبنانية.

هذه الجلسة الخماسية كانت نقطة فاصلة لهذا العام من الاهتمام الفرنسي بالموضوع اللبناني، ولكن هل وصلت فعلياً الى ما يجب الوصول اليه؟

نائب تكتل “لبنان القوي” آلان عون يرى أن “المواقف التي أخذتها فرنسا، تطوّرت من مبادرة رئاسية قائمة على منطق لا غالب ولا مغلوب تعطي رئيس جمهورية لفريق ورئيس حكومة للفريق الآخر، الى طرح مرشح ثالث خارح الخيارات الحالية التي حصلت في جلسة ١٤ حزيران الماضي، وقد انتقلت من تحرّك ذاتي الى تحرّك عبر اللجنة الخماسية التي تشكّلت لاحقاً”.

وعما اذا كان لبنان حالياً ينتظر القرارات الخارجية فقط، يؤكد عون لـ”لبنان الكبير” أن “لبنان بانتظار تطوّرات خارجية لسببين: أولهما، أن الطرق الداخلية أقفلت بين الكتل المختلفة في ظلّ تشبّت كل فريق بخساراته وعدم إستعداده للتقدّم خطوة واحدة الى الأمام. ثانيهما، أن هناك قوى لبنانية تتأثر حقيقةً بقوى خارجية في خياراتها وقد تتجّه الى تغيير موقفها فيما لو حصلت تسوية خارجية”.

أما النائب ياسين ياسين فيجيب عن هذا السؤال بالقول: “ان ما جرى الأسبوع الماضي عندما تم التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون والتصويت على ذلك بمجموع ٦٥ صوتاً، ونصاب صحيح خير دليل على أن كل الأطراف اللبنانية قادرة على انجاز الاستحقاق الرئاسي متى أصبحت الارادة الوطنية الصحيحة جاهزة لذلك، والترفع عن الأنانية والمصالح الشخصية اضافة الى استرضاء الخارج ومراعاة مصالحه على حساب مصلحه اللبنانيين”.

خلاف سعودي – فرنسي

في الاجتماع الفرنسي – السعودي في باريس، تأكد اختلاف المنهجية المتبعة لحل الأزمة اللبنانية وانتخاب رئيس جديد. ففرنسا تسعى الى تحسين الوضع السياسي في لبنان وتعزيز العلاقات الاقتصادية بهدف الاستثمار في المنطقة، في حين كان للسعوديين قناعة غير كافية بالجو السياسي اللبناني بسبب الخلافات الواضحة. وفرنسا كانت تريد العمل بسرعة لانهاء ملف الشغور الرئاسي على الرغم من أنها لم تحصل على ما يبشر بذلك. وبحسب تأكيد مصادر ديبلوماسية فان اللمسة السعودية هي الأقوى في هذا الموضوع.

دعم غير معلن لفرنجية

في 21 نيسان، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً أعلنت فيه أن فرنسا ليس لديها مرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان، على الرغم من الدعم غير المعلن وغير المؤكد لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من الفرنسيين لتولي الرئاسة. وشدد البيان على ضرورة التفاهم بين اللبنانيين لانتخاب رئيس يمثل الجميع. بعد رفض واضح من “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” لترشيح فرنجية للرئاسة، لم تصدر فرنسا بياناً رسمياً بشأن موقفها. وكان الموقف القواتي متشدداً في رفض ترشيح فرنجية للمنصب الرئاسي.

تحول الموقف الفرنسي

بعد اجتماعات عدة أجرتها باريس مع عدة مسؤولين، وجدت خلالها أن الخطط الفرنسية لم تلقَ نجاحات تسهم في حلحلة الوضع السياسي والملف الرئاسي في ظل تفاقم الأوضاع، تحول موقف فرنسا السياسي بصورة واضحة، بحيث أعلنت دعمها لاسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة. وعلى الرغم من هذا الاعلان، لم يسهم الموقف الفرنسي في حل الأزمة السياسية، فالشيء الذي جمع الأطراف السياسية المختلفة دائماً هو رفضها لترشيح فرنجية، بالاضافة إلى معارضة كتلة نواب “التغيير”.

تعيين لودريان

مع اهتمام فرنسا بالوضع السياسي في لبنان، طرحت عدة أسماء للرئاسة وانعقدت 12 جلسة نيابية من دون جدوى بسبب الخلاف اللبناني القائم على الرغم من دعم فرنسا لفرنجية، فغالبية الفرقاء السياسيين غير متفائلة بطروحها حتى مع تعيين وزير الخارجية الفرنسي السابق جان ايف لودريان موفداً رئاسياً الى لبنان. ويقول عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك لـ “لبنان الكبير”: “على الرغم من أهمية الدعم الفرنسي الا أن باريس غير قادرة أبداً على فرض اسم على الداخل اللبناني. حتى أن مواقفها في الشغور الرئاسي لا تنطبق على الشكل الديموقراطي السياسي”.

الفوضى السياسية الداخلية جعلت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يعيّن جان ايف لودريان، مبعوثاً رسمياً للتعامل مع الشؤون السياسية اللبنانية وانهاء الموضوع الرئاسي المعقد. وحرص لودريان على تعزيز التفاهم السياسي بين الأطراف اللبنانية من أجل اختيار رئيس مناسب للبلاد بالتوافق على الصعيد الوطني، فانطلق في جولاته المكثفة على الجميع من دون أن تسفر عن أي أمر ايجابي.

تلاشي الاهتمام الخارجي

مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” وتصاعد الأوضاع في قطاع غزة، التي طال تأثيرها العسكري الحدود الجنوبية وتهديدها الأمني لبنان ككل، أثار الوضع القائم ولا يزال قلقاً كبيراً بشأن إمكان اندلاع حرب في المنطقة وتأثيرها على الأمن والاستقرار الاقليميين. ونتيجة لذلك، تعقدت الأمور السياسية لينتقل الاهتمام الدولي والفرنسي إلى تهدئة الوضع الأمني وتحقيق الاستقرار.

ويشير النائب ياسين ياسين الى أن “الجهود الفرنسية الحالية وبسبب الأوضاع الحالية في المنطقة وما يجري في غزة، والتحيز الواضح في المواقف الفرنسية الداعمة للجانب الاسرائيلي، تركز الآن على القرار 1701 وتنفيذه من جميع الأطراف كما يقال في العلن، اضافة الى نقل الرسائل الاسرائيلية الى الجانب اللبناني، بحيث تسبق كل زيارة لموفد فرنسي الى لبنان زيارة الى الجانب الاسرائيلي. وعليه، فان الموضوع الرئاسي الآن في ثلاجة ريثما يهدأ صوت الرصاص المسموع في لبنان وخطر امتداده الى المنطقة بأكملها”.

وبعد تداول أخبار عن إمكان زيارة الرئيس ماكرون الى لبنان خلال شهر كانون الأول الجاري، تأكد أن هذه الزيارة لن تحصل.

شارك المقال