الموفدون الدوليون في لبنان 2023… الرئاسة والـ1701 والتمديد لعون

محمد شمس الدين

ليس غريباً على لبنان أن يكون محط الموفدين الدوليين، فهو تأسس على يد بلاد الاستعمار أساساً، ومنذ هذا التأسيس كانوا أساسيين في البلد خلال قرن من الزمن، تحديداً بسبب وجود الكيان الاسرائيلي على جنوبه، والدولة السورية من شماله وشرقه، ما جعله ساحة حروب وأزمات، لا سيما مع ضياع هويته والصراع بين مكوناته. وفي العام 2023، لم تتغير القاعدة فيه، بل شهد زيارات ومبادرات من دول صديقة، وعلى الرغم من أن الموفد الفرنسي تصدر المشهد، إلا أن القطري والأميركي كان لهما دور أيضاً.

بدأ العام بزيارة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الذي جال على عدد من المسؤولين اللبنانيين، وبالتزامن مع زيارته أطل وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان في زيارته الأولى في العام 2023، التي كررها عدة مرات.

ومع الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، عقد الاجتماع الأول لما سيسمى لاحقاً “الخماسية الدولية”، في باريس في شهر شباط، وفي حين لم يصدر بيان عن المجتمعين إلا أن سفراء الدول الخمس، جالوا على القوى السياسية بعد اللقاء الدولي، وأطلعوهم على مداولاته.

وبعد لقاء بين مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل، والموفد الموكل متابعة ملف لبنان بيار دوكان، مع المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، والسفير وليد بخاري في فرنسا في منتصف آذار، زار رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى باريس حيث التقى عدداً من المسؤولين الفرنسيين.

وفي الشهر نفسه، أطل في بدايته الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، الذي جال على الرؤساء والقوى السياسية، ليحط بعده الوزير الايراني عبد اللهيان في زيارة ثانية إلى بيروت بعد التقارب السعودي – الايراني إثر اتفاق بكين.

وبعد فشل المساعي الفرنسية الداعمة لفرنجية، أعلنت الرئاسة الفرنسية، بداية شهر حزيران، عن تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية الفرنسي الأسبق جان إيف لودريان مبعوثاً خاصاً للبنان، في مؤشر على انتقال الملف من عهدة باتريك دوريل المنحاز إلى فرنجية، إلى لودريان في دلالة على تعديل وجهة فرنسا في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، ليصل السفير المعين حديثاً في أول زيارة له إلى بيروت بعد جلسة الانتخاب بين المرشحين فرنجية وجهاد أزعور، واعتبرت في حينها جولة استطلاع لمزاج القوى السياسية ليكتب تقريراً مفصلاً يقدمه لاحقاً إلى إدارة بلاده.

وخلال إقامته في بيروت، أقام السفير بخاري حفل عشاء جمع سفراء الدول العربية والاسلامية والأوروبية، وسجلت أول مصافحة ايرانية – سعودية على الأراضي اللبنانية، بين السفيرين السعودي والايراني مجتبى أماني.

وفي الشهر الثاني لتعيينه عقد اجتماع ثانٍ لـ “الخماسية الدولية” وهذه المرة في الدوحة، وكان المبعوث لودريان قد طرح مبادرة حوار بين القوى اللبنانية، وحاول تسويقها في الاجتماع، إلا أنه فشل في مهمته وخلص البيان الختامي الى انتخاب رئيس بالأطر الدستورية.

وبعد اللقاء الخماسي، حط لودريان في بيروت للمرة الثانية، وجمد الملف الرئاسي لشهرين على أساس محادثات في أيلول، سميت بـ “ورشة عمل”.

في هذا الوقت الضائع وفي آخر آب حلّ عراب اتفاق الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل الموفد الأميركي الخاص آموس هوكشتاين في بيروت، ولكن لم يأتِ من أجل الرئاسة مثل الموفدين الفرنسي والقطري، بل كانت زيارته استطلاعية بشأن ترسيم الحدود البرية استكمالاً للترسيم البحري، وأجرى محادثات مع المسؤولين اللبنانيين منقباً عن استعداد لبنان لاطلاق مسار الترسيم البري. وقد تزامنت زيارته مع جولة جديدة للوزير عبد اللهيان، التي بقيت مضموناتها الحقيقية سراً، فيما التقديرات تقول ان الهدف الرئيس منها هو وضع “حزب الله” في جو تطورات المنطقة والاتفاق السعودي – الايراني.

ثم عاد المبعوث الفرنسي في زيارته الثالثة، على افتراض أنها ورشة العمل من أجل الاستحقاق الرئاسي، إلا أنه تبنى فيها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الداعية الى الحوار، والتي رفضتها المعارضة. وكان لافتاً في هذه الزيارة الاجتماع الذي دعا إليه السفير السعودي في دارته في اليرزة وضمّ النواب السنة ولودريان، واعتبر في حينه أن بخاري أظهر للودريان نموذج الحوار اللبناني بطريقة مصغرة ومحدودة، وكيف خرج نواب من اللقاء بعد تكريم مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ولم يتمكن النواب من الاتفاق على نقاط مشتركة بما يخص الملف الرئاسي اللبناني.

وبعد الزيارة الثالثة عقد اجتماع جديد لـ “الخماسية الدولية” في نيوورك على هامش اجتماع الأمم المتحدة، ونقل في حينه أن خلافاً فرنسياً – أميركياً نشب خلاله ولم يصدر بيان عنه، وبعدها عقد لقاء جديد بين المستشار العلولا والموفد لودريان انضم إليه السفير بخاري، ونتج عنه فعلياً نعي المبعوث الفرنسي مبادرته، ليتراجع الدور الفرنسي في الاستحقاق الرئاسي، ويبدأ الدور القطري. وقدم القطريون عرضاً لفرنجية لينسحب من السباق الرئاسي، إلا أن الأخير رفضه. وبدأت جولات الموفد القطري “أبو فهد” على القوى السياسية بعيداً عن الإعلام، والهدف الأساس هو محاولة إقناعها بـ “الخيار الثالث”، تارة يسوّق لقائد الجيش العماد جوزيف عون وتارة للمدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري. وكان البلد بانتظار تبلور المبادرة القطرية قبل أن يحصل “طوفان الأقصى”، ويتراجع الاهتمام الدولي بالملف الرئاسي، وينصب على تنفيذ القرار 1701، بعد تصاعد التوترات على الحدود الجنوبية، والقصف اليومي المتبادل بين “حزب الله” واسرائيل.

وأطل الموفد الأميركي هوكشتاين في زيارة ثانية، بعد شهر على الطوفان، والهدف منها كان القرار 1701، ونقل حينها أنه قدم عرضاً الى “حزب الله”، من أجل تخفيف التصعيد على الحدود، يقضي بانسحاب اسرائيلي من الغجر، والحديث عن ترسيم الحدود البرية، إلا أن الحزب اعتبر الحديث في غير مكانه، وأن أي حديث يحصل بعد انتهاء حرب غزة.

بعد هوكشتاين عاد لودريان في زيارته الأخيرة إلى بيروت للعام 2023، وقد اتسمت بالحديث عن الحدود وخفض التصعيد والحث على التمديد لقائد الجيش، فيما رُحل أي حديث في الملف الرئاسي إلى العام الجديد.

وانتهى العام كما بدأ بزيارة مسؤول فرنسي كبير، بحيث حطت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في بيروت منتصف الشهر الأخير من السنة، آتية من تل أبيب، وتضمنت الزيارة التشديد على تنفيذ القرار 1701 وخفض التصعيد.

طالما أن القوى السياسية اللبنانية لا تتفق، وتتجه أنظارها الى الخارج من أجل حل الأزمات الداخلية، سيكون لبنان محطة للموفدين الدوليين، وهذا الأمر سيستمر في العام 2024 كما يبدو، وقد يدخل موفدون جدد على الخط بمبادرات جديدة من أجل حل الأزمات اللبنانية، وسنكتب عنهم في الاعلام نهاية السنة نستذكر فيها أهم محطاتهم فيها.

شارك المقال