“التأكيد” السعودي… سلام قبل التطبيع

فؤاد القاسم

“بالتأكيد”… هذه كانت إجابة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن سؤال، عما إذا كانت المملكة يمكن أن تعترف باسرائيل في حال تم التوصل الى اتفاق شامل يتضمن إقامة دولة فلسطينية.

هذه الإجابة ليست بحاجة الى علامة تعجب أو استفهام باعتبارها سياقاً طبيعياً في الديبلوماسية السعودية خلال ولايتي الرئيسين الأميركيين جو بايدن ودونالد ترامب، اللذين دفعا بل وضغطا لتقدم المملكة على ما فعلته عدة دول عربية وخليجية بالتوقيع على اتفاقات مع اسرائيل، لإدراك الجميع أن ما سميت بـ”إتفاقات إبراهام” لن تؤدي الى مكان ما لم تنخرط فيها المملكة.

كلام الأمير فيصل بن فرحان في دافوس كان واضحاً بأن “السلام الإقليمي يشمل السلام لإسرائيل، لكنه مرهون بالسلام للفلسطينيين عبر إقامة دولة فلسطينية… ما تفعله إسرائيل (في غزة) اليوم يُعرّض آفاق السلام والأمن الإقليميين للخطر”، معتبراً أنه لا يزال هناك “مسار لمستقبل أفضل بكثير للمنطقة، للفلسطينيين والإسرائيليين، وهو السلام. ونحن ملتزمون تماماً بذلك… لكن الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي وقف إطلاق النار، من جميع الأطراف بالتأكيد. وهي نقطة انطلاق باتجاه سلام مستدام، لن يتحقق إلا عبر تحقيق العدالة للفلسطينيين”.

فلنتذكر ما قاله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأميركية في أيلول 2023: “نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل… هناك دعم من إدارة الرئيس بايدن للوصول إلى تلك النقطة. وبالنسبة الينا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية. نحتاج إلى أن نحل تلك الجزئية ولدينا مفاوضات متواصلة حتى الآن. وعلينا أن نرى إلى أين ستمضي. نأمل أن تصل إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل في الشرق الأوسط”.

كثيرون من الممانعين اعتبروا غزوة “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول 2023، عملاً ايرانياً أداته “حماس” بهدف قلب الأمور التي كانت متجهة الى دخول السعودية في متاهة “اتفاقات إبراهام”، وبالتالي للحؤول دون هذا التطور مع ما يرتبه من تغييرات خطيرة على “محور الممانعة” الايراني.

وحتى الرئيس الأميركي جو بايدن كان مع هذا الرأي، إذ قال خلال حفل لجمع التبرعات لحملته الانتخابية: “أحد أسباب تحرك حماس تجاه إسرائيل هو أنهم كانوا يعلمون أنني كنت على وشك الجلوس مع السعوديين” حول مساعي التطبيع مع اسرائيل.

ووزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، الذي تنافس على ملف التطبيع مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، قال لشبكة “سي.إن.إن”: “لن يكون مفاجئاً أن يكون أحد الدوافع (لهجوم حماس) هو تعطيل الجهود الرامية إلى الجمع بين السعودية وإسرائيل”.

لكن هؤلاء فاتهم التحول الاستراتيجي في العقل السياسي السعودي، من عقود “عداوة” مع ايران بتفرعاتها الاقليمية، استفاد منها كثيرون خارج المنطقة لتحريك الهواجس الأمنية والمذهبية، الى “تفاهم” برعاية صينية بأمل إستفادة الرياض وطهران مما تمتلكان من ثروات في التنمية الداخلية.

خلال فترة قصيرة تبين أن “تفاهم بكين” قوي جداً بالتزام الطرفين بمحدداته فسارا نحو استئناف العلاقات الديبلوماسية الطبيعية، مع محاذرة كل منهما التشويش على الآخر أو التدخل في شؤونه.

ثم أن انهيار “اتفاقات إبراهام” كان كامناً في جوهرها، إذ كانت رهاناً طائشاً على التطبيع الثنائي من دون السلام الشامل، وعند أول إستحقاق فلسطيني مؤثر سقطت.

وعلى الرغم من خوضها في الأخذ والرد بموضوع الاتفاق مع إسرائيل، الا أن الرياض حافظت على كلام فلسطيني واضح جداً: حل الدولتين ودولة فلسطينية قابلة للحياة.

أساساً حين يتحقق الحل الفلسطيني، بما يشبه النموذج الذي رسمته المبادرة العربية للسلام عام 2002 في قمة بيروت، والتي كانت خياراً سعودياً على مستوى المنطقة، عندها يصير التطبيع تحصيلاً حاصلاً… و”بالتأكيد” تعطي السعودية توقيعها.

شارك المقال