فصل الرئاسة عن حرب غزة رهن بالتجاوب مع جهود “الخماسية”

زياد سامي عيتاني

هل الوضع المتوتر على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية الذي بات مثار قلق لدى الدول المعنية بلبنان، من شأنه أن يعيد تحريك محركات ملف رئاسة الجمهورية، لانتظام عمل المؤسسات الدستورية، مواكبة للتطورات الجنوبية، أم أن الوضع الجنوبي يبقي الاستحقاق الرئاسي في “ثلاجة” الانتظار، إلى حين إنتهاء الحرب المفتوحة على غزة، وما ستفضي إليه موازين القوى في المنطقة، حتى تكون مواصفات الرئيس العتيد وخطه السياسي والفريق الراجح الذي سيضغط للإتيان به، بما يتماشى مع نشوة إنتصاره وإمتلاكه لزمام المبادرة؟

بالتأكيد من الصعوبة بمكان الاجابة عن هذا السؤال المركزي، في ظل ضبابية المشهد السياسي برمته، وانشغال عواصم القرار بالحرب على غزة، وما يرافقها من مخاطر إندلاع حرب شاملة على صعيد المنطقة بأكملها. لكن الدول المعنية بالملف اللبناني، وتحديداً دول اللجنة الخماسية تزخم حركة إتصالاتها بهدف إعادة تحريك موضوع إنتخاب رئيس للجمهورية، ربطاً بالأوضاع الخطرة في لبنان والتي تستوجب أن ينتخب الرئيس في أقرب وقت ممكن. لذلك، فإن المساعي الجارية تتركز على فصل موضوع الرئاسة عن حرب غزة وتبعاتها، وذلك لحاجة لبنان إلى رئيس يواكب ويتابع التسويات والأحداث الجارية في المنطقة وعلى مستوى الداخل. وهذا ما استدعى حِراكاً في اتجاه بيروت من خلال دينامية جديدة لدول اللجنة الخماسية، لأخراج الأزمة الرئاسية المتمادية منذ كانون الأول 2022، من عنق زجاجة التعطيل، والتي تتداخل فيها التعقيدات المحلية مع عناصر إقليمية مؤثّرة تجعل أي انفراج في هذا الملف محكوماً بالحاجة إلى تَقاطُعاتٍ صارت أكثر تعقيداً بعد “طوفان الأقصى”.

معاودة دول اللجنة الخماسية حول لبنان تشغيل محركاتها في ما خص الأزمة الرئاسية يرتكز على مسعى لفكّ الارتباط بين الرئاسة والحرب لقناعتها بالحاجة الملحّة الى وجود رأس للدولة لملاقاة المرحلة المفصلية في المنطقة التي تقف على مشارف تحولات تاريخية، ما يقتضي منظومة حكم متكاملة رئاسياً وحكومياً وبرلمانياً. فعودة مجموعة الخمس إلى الواجهة من باب نشاط سفرائها في بيروت والكلام عن التحضير لاجتماع ممثلّيها قريباً، يعكس إهتماماً ومعاينة لدولها للوضع اللبناني، بعدما إنخرط في حرب غزة تحت مسمى “جبهة مشاغلة”.

وتتوقع مصادر مطلعة زيارات سيجريها سفراء الخماسية معاً قريباً على مختلف الرؤساء والقوى السياسية والمرجعيات الروحية. وتؤكد أن نجاح “الخماسية” في الفصل بين الأزمة الرئاسية والتطورات الحربية جنوباً وفي غزة، رهن بموقف “حزب الله” (ومن خلفه إيران)، الذي لا يزال يتمسّك بمرشحه سليمان فرنجية. إلا أن الدول الخمس باتت مقتنعة بالحاجة إلى رئيس من خارج الاصطفافات الفاقعة، يكون قادراً على تعزيز قدرة لبنان على الصمود ومراعاة مصالحه، إذا طالت الحرب وتدحرجت نحو الأسوأ، وبالتالي يمكّن لبنان من أن يكون في قلب الحل عندما تنضج ظروفه على صعيد المنطقة.

إزاء هذه المعطيات الجديدة، كان لافتاً شكل الزيارة الأولى للسفير الايراني مجتبى أماني الى دارة السفير السعودي وليد بخاري، حصولها في الخيمة العربية، بما رمزت إليه ودية اللقاء، ما يشكل رسالة بالغة الأهمية حيال أن لبنان لا يزال في صلب إهتمام السعودية، وهي على إستعداد للمساعدة على تأسيس مرحلة لبنانية جديدة، إذا عرف اللبنانيون اقتناص فرصة التوجه الجديد لدول اللجنة الخماسية.

يبقى نجاح “الخماسية” في تجاوب القوى السياسية اللبنانية مع الزخم الجديد، وبالتالي إقتناعها في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان والمنطقة بأن الرئيس العتيد للجمهورية يملك مواصفات ومعايير جامعة، تحمل نفساً وطنياً، يجعله مترفعاً عن أي إصطفافات إنقسامية، ويكون بحجم التحديات والمخاطر الداهمة.

شارك المقال