لماذا على الحريري العودة عن قراره؟

محمد نمر
محمد نمر

أيام وتحط طائرة الرئيس سعد الحريري في مطار رفيق الحريري الدولي، لتكون اطلالته الأولى عند ضريح رئيس الحكومة الشهيد في ذكرى ١٤ شباط.

لا جدول معد سلفاً ولا مواعيد أو زيارات مسبقة على الأجندة. هذه المرة وحده الحريري العارف بمضامين زيارته.

موعد واحد حجزه الحريريون معه، أمام الضريح، ولا مجال لتفاديه. فهناك حيث سيقف الحريري مثلث الشهادة والعيش الواحد وساحة الوطنية بكل شعاراتها. تقاطع بين ضريح شهيد سقط لأجل الوطن ومئذنة جامع وصليب كنيسة وساحة كانت مقصداً لكل حركات الثورة على الواقع وأهمها ثورة ١٤ آذار.

يخطئ من يظن أن الرئيس الحريري اتخذ قراره بالعودة الى السياسة. ولا يخفى أن هناك ضغطاً شعبياً ينقله قياديون يعبّرون فيه عن حالة تململ واسعة من الأوضاع التي باتت تتطلب عودة الحريري. ولا يُخفى أيضاً أن شعار “تعوا ننزل ليرجع” حقيقي وجريء لكن لا ناقة للحريري فيه ولا جمل.

انها المرة الأولى التي يرفض فيها أنصاره علناً البقاء في دور المتفرجين على انهيار البلد. لكن الأهم، الدعوات المعلنة والضمنية من خصوم وحلفاء الى عودة الحريري عن قراره وليس آخرها الكلمات المحبة التي نطق بها النائب آلان عون، ولم يستطع أحد في مجلس النواب أن يعترض عليها أو يعاكسها. فالجميع متفق على زعامة الحريري والحاجة اليه. ولا ننسى زيارة الوفد القواتي الى بيت الوسط، وتمنى فيها نواب “القوات” عودته. وكانت اجابته: من سيكون شريكي اذا عدت؟ أنا أنظر الى مصلحة البلد أما مصلحتي فدفعت منها الكثير من أجل لبنان. فهل من شريك مستعد للتضحية؟

السؤال اليوم: لماذا على الحريري أن يقتنع الآن بالعودة عن قراره؟

منذ سنتين علق الحريري عمله السياسي معللاً السبب بالآتي: سيطرة النفوذ الايراني والتعطيل المتواصل. اليوم باتت الناس ترى بصورة واضحة التغييرات التي تشهدها المنطقة، فربط النزاع الذي كان قائماً بين الحريري و”حزب الله” تطورت نسخته لتصبح بعنوان “ادارة الصراع” بين ايران والسعودية. وشهد لبنان منذ أيام أول زيارة رسمية للسفير الايراني الى منزل السفير السعودي في اليرزة وليس بعيداً حصول رد الزيارة الى الضاحية.

اما الداخل، فلطالما كانت الأزمات عنصراً جاذباً للحريري ركضاً خلف تحمل المسؤولية. فعلى الرغم من قراره عدم دخول لعبة رئاسة الحكومة بعد الثورة المفخخة في ١٧ تشرين، الا أن انفجار المرفأ كان محركاً ودافعاً كبيراً ليرشح نفسه مجدداً للمسؤولية ضمن مقابلة مع الزميل مارسيل غانم عبر قناة mtv، طالباً مهلة ٦ أشهر فقط لاعادة البلد الى سكة التعافي. ولأن الكرسي لم يكن الهدف، بل كان الهدف الاسراع في تشكيل حكومة وفقاً للمبادرة الفرنسية، سعياً الى انقاذ مشاريع “سيدر”.

اعتذر عندما اعتبر نفسه جزءاً من فراغ صنعه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون بتعطيل التشكيل، رافضاً الحريري آنذاك تشكيل حكومة محاصصة ومتمسكاً بأن الوضع اللبناني يحتاج الى صيغة جديدة وهو ما توافق عليه الجميع في طاولة قصر الصنوبر. ليطل في مقابلته الأخيرة عبر قناة “الجديد” معلناً رفضه أن يكون جزءاً من الفراغ، قائلاً: “لا أؤمن بالفراغ… اعتذرت كي يتابعوا رحلة تشكيل الحكومة”.

اليوم أيضاً يشهد لبنان مرحلة أقل ما يقال عنها انها خطيرة، فالحرب أكلت جزءاً من البلد، والفراغ أكل الجزء الآخر، ما انعكس مزيداً من التأزم لناحية الاقتصاد والوضع الاجتماعي.

وطوال سنة و٤ أشهر لم تستطع القوى السياسية أن تطبخ تسوية توافقية تكون لمصلحة البلد، وهنا للمصطادين في الماء العكر فان الصفقة شيء والتسوية شيء آخر. فالتسوية تكون لمصلحة لبنان واللبنانيين فيما الصفقة تكون لمصلحة أطراف الصفقة.

يعيش لبنان اليوم حالة فراغ وشلل، ولم يستطع الفرقاء صناعة توليفة تمرر الاستحقاق وتؤدي الواجب المطلوب. وفي الوقت نفسه تشهد المنطقة بعد العدوان على غزة تغييرات، ما يؤشر الى امكان حبك تسوية كبيرة، سيكون لبنان جزءاً منها، فهل من المعقول أن يكون السنّة خارجها؟

وبالحديث عن أبناء الطائفة الكرام، كانت لدى المعترضين على سياسة الحريري سنتان كاملتان لفرض سياستهم، أو صناعة زعامة تجمع على الأقل مجموعة من النواب على موقف واحد، لكن بدلاً من ذلك راحوا الى التلهي بمحاولات تصفية الحسابات وضرب العين على رئاسة الحكومة بحكم أنها باتت “مبهبطة” بعد تولي حسان دياب رئاستها. وبات مختار الحي ينام ويحلم بالاستيقاظ رئيساً للحكومة (مع كامل الاحترام للمختار ودوره).

بات السنة غائبين عن المشهد، وعن أي تسوية سيكون فيها حضور لزعماء شيعة ومسيحيين ودروز على الطاولة، فيما السنة مفتتون، الى حد ضياع الكثير من الديبلوماسيين حول الشخص الملائم الذي يمكن أن يمثل الجميع أو حتى يحضر مشاورات باسمهم. ولا شك في أن عمامة سماحة المفتي تجمع، لكن لا توحد الموقف السياسي فلكل نائب هواه وغير مستعد للمضي خلف نائب مثله… الا أن دار الفتوى تبقى دارة الجمع ووحدة الصف. اما الحريري فلا يمكن حصره بالسنة بل طائفته الوطنية.

أما ما هو أخطر، فيرتبط بالمزاج السني الذي يتم التلاعب به، خصوصاً ممن يستغلون أحداث غزة، لدفع الشباب الى تنظيمات أو جماعات بعيدة عن نهج الدولة الذي أرساه الرئيس الشهيد رفيق الحريري “الداعم السري” لكل معاني المقاومة الفلسطينية في وجه الاسرائيلي مع الحفاظ العميق على فكرة الدولة ومرجعيتها وسيادتها واستقرارها وفكر الاعتدال في الموقف بعيداً من التطرف، فكان ولا يزال المسيحي المعتدل أقرب الى هذه المدرسة من المسلم المتطرف.

حقائق ثابتة باتت توثق فكرة أن لا بديل عن الحريري وأن كتفيه الوحيدان القادران على رفع السنة والوطنيين الى موقع وطني لا حدود فيه للطوائف، يشرف على استحقاقات وطنية عنوانها انقاذ لبنان.

فهل يرد الحريري على أنصاره ويعود عن قراره؟ الجواب بالحشد أمام الضريح… اما أن يختار السنة أن يكونوا متفرجين أو يكونوا مشاركين في حماية البلد.

فلننتظر ونرى… والأهم فلنشارك كحريريين وتعوا ننزل ليرجع.

شارك المقال