حقائق حرب غزة “الخشنة” في نهايتها!

جورج حايك
جورج حايك

يُجمع الخبراء العسكريون في العالم على أن حرب غزة أوشكت على نهايتها، وطبعاً تتجه الأنظار إلى النتائج التي تحققت لوضعها في ميزان الربح والخسارة لكل من الفريقين المتصارعين: اسرائيل وحركة “حماس”، لتنطلق بعدها مفاوضات جديّة ترسم مستقبل قطاع غزة بعد الحرب ويتحدد مصير “حماس” وقادتها.

لكن المعارك في الميدان لا تزال مستمرة حتى اليوم، ولو كانت في مراحلها الأخيرة، وربما في خضم الحرب النفسيّة والاعلامية تُصبح الحقائق ضائعة والموضوعية غائبة، لذا كان لا بد من استقصاء الحقيقة من أهم المتابعين لوقائع الحرب اليوم وهو الباحث في شؤون مكافحة الارهاب بيار جبور الذي أجرى قراءة موضوعية وواقعية لما يحصل عسكرياً في غزة.

يعتبر جبور أن حرب غزة اقتربت فعلاً من نهايتها، فالمرحلة الأولى تضمنت قصفاً اسرائيلياً مدفعياً وجوياً، المرحلة الثانية دخلت فيها المدرعات والمشاة، والآن نشهد المرحلة الثالثة والأخيرة التي ستنتهي بعد أسابيع قليلة، وتقضي بتنظيف الأنفاق ومحاصرة “الجيوب” التي لا تزال تقاوم، ولا شك في أن اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية تفكّران اليوم في المرحلة التالية أي ما بعد “حماس” وإعادة إعمار غزة.

يُحاول الاعلام الاسرائيلي أن يوحي بأن هناك سيطرة اسرائيلية باتت على القطاع، إلا أن جبور يرى أن لا أحد يستطيع تقدير هذا الأمر، وخصوصاً أن هناك جيوباً لا تزال تقاوم، لكن ذلك لا يعني أن اسرائيل ليست الأكثر سيطرة عسكرياً، وعلى ما يبدو أن المعارك أصبحت تحت الأرض وداخل الأنفاق، علماً أن هناك أنفاقاً لم يصل إليها الاسرائيليون بعد، ومن الواضح أن مقاتلي “حماس” يختبئون فيها، ويخرجون من وقت إلى آخر لينفّذوا ما يسمّى إغارة على الجيش الاسرائيلي. مع ذلك، يُمكن القول ان غزة إنتهت بالمفهوم العسكري، ولم يبق أمام الاسرائيليين سوى تنظيف “الجيوب” التي تقاوم.

لا شك في أن أم المعارك اليوم هي معركة رفح التي ستقرر من هو المنتصر، لذلك تُعتبر بالغة الأهمية، وهذا ما يؤكّده جبور لأنها تندرج في إطار الأهداف التي وضعتها اسرائيل منذ البداية، أي تصفية “حماس” والقضاء عليها. ويشرح جبور أن رفح موقعها استراتيجي، فهي تقع على الحدود المصرية وتُعتبر المعبر أو الشريان الوحيد الذي تُدخل “حماس” وتُخرج منه حاجاتها، وتظن الحكومة الاسرائيلية أنها إذا أحكمت السيطرة عليه تكون قد حققت أهداف الحرب بنسبة 90 في المئة، ويبقى ما نسبته 10 في المئة من الأماكن غير المعروفة التي تقوم “حماس” بتنفيذ العمليات عبرها، إلا أنه ليس معروفاً مدى فاعلية هذه العمليات في وقت جفّ فيه إدخال السلاح والمال، بدليل أن الرشقات الصاروخية إلى اسرائيل أصبحت شبه نادرة.

من جهة أخرى، تتحدث اسرائيل عن تقدّمها في حرب الأنفاق وتلفت إلى أن مسلحي “حماس” يهربون من مكان إلى آخر، لكن جبور يشير إلى أننا لا نرى معارك في الأنفاق، بل نرى عمليات كرّ وفرّ بين اسرائيل و”حماس”، وبموضوعية ما عرفناه أن “حماس” تُفخّخ مداخل الأنفاق وتفجّرها ما يؤدي إلى سقوط قتلى من الجيش الاسرائيلي، وهذا أمر طبيعي. وهناك من يتحدّث عن استخدام اسرائيل الغازات السامة إلا أن “حماس” لا شك مستعدة لهذا الأمر، كما يتكلّم البعض عن استخدام اسرائيل تقنية ضخّ المياه في الأنفاق. في المحصّلة تُعتبر معركة الأنفاق من أصعب المعارك التي يخوضها جيش نظامي، ولا يُمكننا تكوين صورة واضحة إلا بعد نهاية الحرب وما ستُعلنه “حماس” من جهة واسرائيل من جهة أخرى.

ويستفيض جبور في الكلام عن معركة الأنفاق، مفصلاً أن حرب غزة يُمكن أن نقسمها إلى قسمين: الأولى حرب برية خاضتها اسرائيل في منطقة حضرية ممتلئة بالسُكّان والمباني، وهذه معركة ليست صعبة بسبب طبيعة القطاع حيث التضاريس مفتوحة والتحصينات مكشوفة، وقد شاهدنا عبر وسائل الاعلام أن الجيش الاسرائيلي قد دمّرها واخترقها. والثانية معركة الأنفاق أو ما تحت الأرض وهي صعبة جداً، وكلفتها باهظة على الجيش الاسرائيلي.

ويلفت جبور إلى أن مسلحي “حماس” لا يزالون في غزة، يتنقّلون داخل الأنفاق، التي ليس بالضرورة أن يكون شكلها “مطاولاً” إنما متشعبة على الطريقة الروسية، وربما تكون دائرية، وأحياناً يكون هناك نفق رئيسي تتشعّب منه أنفاق ثانوية وغرف محصّنة، أو حتى طبقات عدة من الأنفاق، ولا شك في أن كل هذا عملية وقت لن يطول حتى يُصبح مكشوفاً.

أما المستغرب في حرب غزة فهو أن اسرائيل عجزت حتى الآن عن تحرير رهائنها، على الرغم من أن هذا الأمر يُعتبر من أهدافها الرئيسة، ويؤكّد جبور أن أي جيش نظامي يحرص خلال عملية تحرير رهائنه على سلامتهم، لذلك تأخذ اسرائيل وقتها في ذلك، وهي تتّهم “حماس” بأنها تتخذهم دروعاً بشرية، وبالتالي من المتوقّع أن يكون هؤلاء في الأنفاق، ولا معلومات دقيقة لدى اسرائيل عن أماكن وجودهم.

بعد نهاية الحرب “الخشنة” لا شك في أن اسرائيل ستنتقل إلى الحرب “الناعمة” محاولة تصفية قادة “حماس”، وهي بدأت بذلك، وقد استهدفت البعض منهم. ويوضح جبور أن التاريخ الاستخباراتي والعسكري الاسرائيلي يؤكّد أن اسرائيل لا تُسامح من يعتدي على مواطنيها، وهذا ما جرى بعد عملية ميونيخ، فبقيت تطارد المنفّذين لأعوام طويلة، وحتى قد تستهدف دولاً ومجموعات مسلّحة ساندت قادة “حماس”.

ما ان تنتهي الحرب العسكرية ستبدأ الترتيبات الأمنية والسياسية والانمائية في قطاع غزة، ويقول جبور ان اسرائيل لن تتوقّف قبل أن تتأكد من وقف الدعم الايراني لـ”حماس”، وهي كانت تتقاضى بين 70 إلى 120 مليون دولار سنوياً، علماً أنه لو لم يكن هناك “حماس” لأوجد النظام الإيراني مجموعات مسلحة أخرى مشابهة لها.

ومن المؤكّد أن اسرائيل ستعمل على إنشاء منطقة عازلة، وربما تقبل في النهاية بسلطة فلسطينية تكون تحت اشراف أوروبي وأميركي لإدارة القطاع، قبل أن تنطلق ورشة إعمار غزة.

شارك المقال