التدمير المتبادل

الراجح
الراجح

ماد MAD، الأحرف الأولى لـ “Mutual Assured Destruction” أي “التدمير المتبادل الأكيد”، هي عقيدة إستراتيجية تعود إلى أيام الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. والهدف منها خلق ردع وتوازن رعب يحول دون نشوب حروب نووية وخصوصاً في حينه بين “الاتحاد السوفياتي” وأميركا.

من خلال هذه الاستراتيجية، سيكون للطرف الذي يتعرض للهجوم ما يكفي من مخزون القنابل النووية التي تسمح بتوجيه الرد بضرب الطرف المهاجم والتسبّب في التدمير المتبادل للطرفين.

ما يجري على الحدود اللبنانية وخارجها منذ الثامن من تشرين الأول، وبعد القيام بعملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر وبدء الحرب في غزة، يشكل نسخة إقليمية من عقيدة MAD غير النووية إلا أنها يمكن أن تكون فتّاكة جداً.

الكل يعلم أن لدى “حزب الله” وإسرائيل منظومات سلاح قادرة على تحقيق دمار كبير للمدن وللبنى التحتية المدنية والعسكرية كما مقتل الألوف من الأشخاص.

هذا الواقع يفرض وجهات نظر مختلفة بكل تأكيد، ولكن بدل افتعال الخصومة أو التمترس أو حتى التخندق يفترض فهم ومعرفة أن ليس هناك عربي يتمتع بذرة من الكرامة إلا ويتمنى هزيمة إسرائيل.

مشكلة النقاش الدائر اليوم هي غلبة العواطف، والروح الثأرية والعقلية الرغبوية على حقيقة الصراع السياسي والعسكري المحسوب بكل أبعاده.

لأصحاب العواطف والروح الثأريّة صدّقوا أن لا وجود لمقاومة في العالم كله “لذاتها”؛ تأملوا هذه الشعارات “إنه لجهاد نصر أو استشهادأو “على القدس رايحين شهداء بالملايين”. هذه الروح القدريّة و”الانتصاريّة” قد تفيد في الدعاية والتحريض لكنها من دون القدرة على حماية الناس أو تأمين مقومات صمودهم، لا تضيف شيئاً في مسار الحرب.

وفي حال النقد لقناعات كهذه، ندخل في ثنائيات “من ليس معي فهو ضدي” أو إما “مع المقاومة أو ضدها” أو “مع حزب الله وحماس والمحور أو ضدهم”، تماماً مثل “وطني أو خائن”، “مؤمن أو كافر”، وإلى آخر المنوال…

هذا نقاش خاطئ ومضلِّل ولا علاقة له بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد.

جميع القوى السياسية الفاعلة تتطلب المراجعة الدائمة وتقبل النقد لأنها جزء من تجربة يقودها بشر وقد يصيبون أو يخطئون. ولينظر القادة اليوم إلى مسيرة طويلة ومكلفة جداً عمرها أكثر من ستين عاماً.

قد يمتلك البعض البطولة والقدرة على خوض المعارك أو حتى الانتصار فيها، لكن تبقى القدرة والبطولة الحقيقية في منع قيامها!

شارك المقال