طريق بعبدا تنتظر هوكشتاين لرسم خريطتها

زياد سامي عيتاني

بصورة مفاجئة، وفي وقت بات الاستحقاق الرئاسي في “ثلاجة” الانتظار، بعد حرب غزة وجبهة “المشاغلة” جنوب لبنان، بحيث أن عواصم القرار منشغلة بتلك الحرب التي تحوم حولها مخاوف توسعها، وتحولها إلى حرب إقليمية، في حال تفلت الأمور خارج الخطوط الحمر المقبولة، أطل تكتل “الاعتدال الوطني” برأسه على المشهد السياسي بمبادرة لتحريك “مياه” الاستحقاق الرئاسي الراكدة. وتزامنت تلك المبادرة مع التحرك الذي يقوم به سفراء “اللجنة الخماسية” بشأن الموضوع نفسه، في محاولة منهم لفصل الموضوع الرئاسي عن تطورات المنطقة.

وتقوم مبادرة التكتل على عقد لقاءات لممثلين عن مختلف الكتل النيابية في مقر مجلس النواب (بصيغة تشاورية)، للتباحث في الأوضاع السياسية (غير الخلافية)، ومن خلالها يتم التطرق إلى الموضوع الرئاسي، بحيث أن الصيغة المقترحة تشكل حلاً وسطاً لدعوة الحوار الذي طرحه الرئيس نبيه بري، ولاقى رفضاً من قوى المعارضة. وفي ضوء ما يمكن أن تؤول إليه المشاورات، تحدد الخطوة التالية، فإن تم الاتفاق على مرشح، يدعو الرئيس بري إلى جلسة لانتخاب الرئيس وإن لم يتفقوا يحدد موعداً لجلسة رئاسية مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس.

بغض النظر عن ردود الفعل تجاه المبادرة، فإن المتابعين لا يشككون بحسن نوايا التكتل لجهة محاولته كسر التوازن السلبي القائم في المجلس النيابي، الذي حال دون إنتخاب رئيس للبلاد على مدى 14 جلسة. لكن المراقبين أنفسهم يقرون بأن الموضوع الرئاسي بكل تعقيداته، جراء الأزمة السياسية العميقة في البلاد، بات أكثر صعوبة بفعل التطورات والأحداث في المنطقة بعد السابع من “أكتوبر”، خصوصاً وأن لبنان من خلال “حزب الله” دخل طرفاً فيها، عبر ما أسماه “جبهة المشاغلة”. ويتابع المراقبون أن القدرات التأثيرية لتكتل “الاعتدال الوطني” محدودة، حتى لا يقال انها معدومة، بحيث كان يطلق عليه البعض تسمية “التكتل الرمادي”، لأنه لم يحجز لنفسه مقعداً في أي من إصطفافي “المعارضة” و”الممانعة” بشأن موضوع إنتخاب الرئيس، إذ بقي على الحياد، ما دفع طرفي الاصطفافين إلى إعتبار أنه يتبنى موقف “اللاموقف”.

ربما هذا “اللاموقف” يجعل التكتل في موقع وسطي، يتيح له التواصل والتحاور مع فريقي “النزاع” الرئاسي، بهدف ملاقاة مساعي “اللجنة الخماسية”. لكن الموضوعية والواقعية تقتضيان الإقرار بأن “الخماسية” لم تتمكن حتى هذه اللحظة، وعلى الرغم مما تبذله من جهود مضنية، من تحقيق أي تقدم في الملف الرئاسي.

إذاً، الدول الخمس بما تمثله من ثقل ووزن وتأثير ما زالت عاجزة عن إحداث أي خرق في الجدار الرئاسي المسدود، فكيف يمكن أن يراهن على تكتل نيابي يوصف بـ”الرمادية”، لفتح ثغرة في ذلك الجدار؟ المؤكد أن اللون الرمادي سيبقى مخيّماً على المشهد السياسي، بانتظار تفعيل التحرك الأميركي على خط الرئاسة، الذي يتولاه الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين، الخبير بالترسيم، لابتكار ترسيم لخريطة الطريق إلى بعبدا، ربطاً بما سيتم التوصل إليه في شأن الهدنة المرتقبة في غزة.

شارك المقال