في ذكرى الاتفاق السعودي – الايراني… لبنان لا يزال في جحيمه!

جورج حايك
جورج حايك

على الرغم من مرور عام كامل على توقيع اتفاق بكين بين السعودية وإيران، لم يتغيّر شيء في لبنان الذي ينتظر ولو بارقة أمل بسيطة للخروج من جحيمه، بل يبدو أن الوضع يزداد تعقيداً وخصوصاً مع اندلاع حرب غزة بين اسرائيل وحركة “حماس”، وتكريس إيران أذرعها العسكرية في كل محور الممانعة لمساندة “حماس”، ما أدى إلى إشعال جبهة الجنوب اللبناني بواسطة “حزب الله” الملتزم بالتوجيهات الايرانية بدقة.

من الواضح أن الاتفاق السعودي-الايراني لم يكن مخصصاً لحل قضايا المنطقة، بل كان الهدف الأساسي منه ترميم العلاقة بين الدولتين اللدودتين، واستعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما، وتنظيم الاختلافات، وانهاء الحرب اليمنيّة أو على الأقل التوصّل إلى هدنة تمهيداً لبدء المفاوضات السياسية بين السعودية والحوثيين، وهذا ما حصل فعلياً، وأراح القيادة السعودية التي تبحث عن الاستقرار بسبب مشاريع اقتصادية واستثمارية وتنموية كبيرة قررت خوضها وظهرت ملامحها في مشروع نيوم وغيره.

لذلك، ليس مستغرباً إستمرار لبنان بالتخبّط في أزماته، علماً أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عوّل كثيراً على الاتفاق السعودي-الايراني وانعكاساته على لبنان ولا سيما الملف الرئاسي، لكن على أرض الواقع لم يحصل شيء من هذا القبيل، لأن نصر الله راهن على ضغط السعودية على أصدقائها في لبنان أي المعارضة للقبول بمرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إلا أن خيبته كانت كبيرة، وما لا يفهمه أن السعودية لا تتعامل مع أصدقائها على هذا النحو، لأنها تحترم السيادة اللبنانية وقرارات القوى السياسية في لبنان.

وهذا يعني بالنسبة إلى إيران و”الحزب” أنهما لم يفكّرا للحظة واحدة في التراجع، ويلفت الأستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هلال خشّان إلى أن “ايران عندما تقارب الموضوع اللبناني مع السعودية، تبحث في خلفية القبول السعودي بالخط الايراني في لبنان والاقتناع بهيمنة الحزب المستمرة”.

لا شك في أن جوهر الأزمة في لبنان أعمق من أن يحلّها التقارب السعودي-الايراني، ويعتبر خشّان أن “لبنان دولة فاشلة، وأثبتت أن نظامها ومؤسساتها عاجزون عن انتخاب رئيس، وعلى الرغم من جهود اللجنة الخماسية والعالم الخارجي لمساعدة اللبنانيين إلا أن النتيجة كانت الفشل”.

وربما تحاول السعودية أن تلعب دوراً إلا أن لبنان لا يزال تحت إدارة إيران، وفق خشّان، وربما يكون الطرف الآخر الفاعل اليوم على الساحة اللبنانية إلى جانب ايران، هو الولايات المتحدة الأميركية التي تعوّل على الجيش اللبناني وهو حليفها الاستراتيجي وتسعى إلى الاستثمار فيه. ويرى خشّان أن “واشنطن تفكّر في اليوم الأول بعد نهاية حرب غزة ولبنان، وعينها على الجيش، لذا يمكننا الرهان على الترابط بين المصالح الأميركية والايرانية في لبنان كما يحصل في العراق. فيما السعودية أصبح تأثيرها محدوداً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري”.

في المقابل، تؤكّد مصادر المعارضة اللبنانية أن “السعودية لم تتخلَّ عن لبنان يوماً، أولاً، من خلال أهم بنود اتفاق بكين الذي رفض التدخّل في شؤون الدول، وهذه رسالة سعودية بأنها ترفض سياسة ايران التمددية في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وثانياً من خلال بيان القمة العربية الأخيرة في الرياض التي أكّدت بحضور إيران رفض النموذج الايراني أي تسليح قوى غير نظامية إلى جانب القوى النظامية في بعض الدول، ما يحول دون قيام دولة فعلية”.

لكن هذا لا يمنع أن اتفاق بكين أدى إلى تبريد النقاط الساخنة بين السعودية وإيران، وتوضح مصادر المعارضة أن “أول الغيث كان في اليمن الذي يشهد مفاوضات بين السعودية والحوثيين، ولو لم تؤد حتى اليوم إلى الهدف المنشود. أما في الساحات الأخرى فلم تعد ذريعة إيران بأن لا علاقة لها بأذرعها العسكرية وبأنها من مكوّنات الدول، تنطلي على أحد، وهذا يؤكّد أن هذا البند لم يُحلّ بين السعودية وإيران”.

ثمة رأي آخر يحمّل مسؤولية عدم الافادة من الاتفاق السعودي-الايراني للقوى السياسية اللبنانية، إلا أن مصادر المعارضة ترى أن “هذه المقاربة غير دقيقة، بدليل أن المشكلات قائمة في كل الدول التي تهيمن عليها إيران أي العراق وسوريا واليمن ولبنان، والسبب يعود إلى مشروع إيران الظلامي، فاللبنانيون يواجهون ماكنة سلاح مدعومة من دولة اقليمية تسليحاً وتمويلاً، ما يعوق إنتظام مؤسسات الدولة وإجراء الاستحقاقات الدستورية”.

أما هلال فيوضح أن “الاتفاق السعودي-الايراني ليس اتفاقاً استراتيجياً إنما هو إتفاق هدنة بإنتظار ما سيؤول إليه الوضع في المنطقة، بل ان كل أزمات الدول في الشرق الأوسط، تنتظر انقشاع الغيوم عن حرب غزة، ومفتاح الحل سيكون التطبيع بين السعودية واسرائيل، لينسحب الأمر على كل الدول العربية، ومن بينها القضية الفلسطينية وسوريا ولبنان، ومن المتوقع أن يؤدي هذا الأمر إلى عزل إيران، لأن هناك مشروعاً اقتصادياً كبيراً في المنطقة سيكون فيه مرفأ حيفا حيوياً، إلى جانب مرفأ قبرص”.

وبرأي باحث متخصص في الشؤون الخليجية أن “اللقاء الذي حصل في بيروت بين السفيرين السعودي والايراني في شباط الفائت، يُساهم في حلحلة الأزمة الرئاسية اللبنانية، ويعطي دفعاً لجهود اللجنة الخماسية ومبادرة كتلة الاعتدال الوطني”، مضيفاً: “لا أحد يقلّل من أهمية الدور السعودي، فالمملكة تعمل اليوم كوسيط بين واشنطن وطهران، وخصوصاً على خط الأعمال العسكرية التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر، إذ كان لافتاً امتناع السعودية عن الانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة رداً على التصعيد في البحر الأحمر، مدركة لاحتمالية تعطيل مفاوضات السلام في اليمن وإعادة إشعال التوترات”.

ويؤكد الباحث أن “إيران على تفاهم مع السعودية للقيام بدور قيادي في المفاوضات مع واشنطن حول مختلف القضايا العالقة، بما في ذلك الملف النووي. كما أن السعودية تستعد للكشف عن خطة شاملة لمعالجة الوضع الفلسطيني والصراع في غزة”.

يبدو أن الاستراتيجية السعودية الحالية، تركّز على التعاون مع إيران، تمهيداً لاعادة تعزيز القرارات في العراق وسوريا واليمن وحتى لبنان، وبالتالي منع المنطقة من الوقوع تحت النفوذ الايراني.

شارك المقال