لماذا يدافع العالم عن إسرائيل؟

عاصم عبد الرحمن

يبلغ عددهم حوالي 15 مليون نسمة من أصل 8 مليارات حول العالم أي ما نسبته حوالي 0,2%. يمتلك نحو 65% منهم ثروة تقارب التريليون دولار أي 10% من إجمالي ثروات مليارديرية العالم. يمثل أثرياؤهم نحو ربع أثرياء الولايات المتحدة، ويصنّفون ضمن قائمة أثرى أثرياء أوروبا وروسيا وكندا. يسيطرون على غالبية أركان الاستثمار في عالم تكنولوجيا المعلومات ويتحكمون بنسبة شبه كاملة بإدارة الانترنت ومحتوياتها مثل: غوغل، يوتيوب، فايسبوك، إنستغرام، واتسآب وغيرها. يهيمنون على عالم الإعلام والمال والمصارف والمضاربات وسوق الطاقة والمجوهرات والموضة والصناعات العسكرية والأمنية وغيرها. يمسكون برقاب العالم بأسره من شعوب وحكام ولهم ما يريدون وكأن الجن والإنس خُلقوا لخدمتهم، نعم فهذا ما يعتقدون به، إنهم اليهود. يحكمون العالم ويجرونه إلى حماية كيانهم والذود عن عقيدتهم. ولكن، على الرغم من فسادهم وإفسادهم اللامتناهي وغير المسبوق لماذا يمنح هذا العالم غطاءً غير أخلاقي لارتكاباتهم اللاإنسانية؟

مصادرة الاقتصاد

في العام 1821 استدعى المصرفي وتاجر العملات اليهودي أمشيل روتشيلد الذي اشتهر بقربه من ملك بروسيا فريدريك الثاني وإدارة أمواله بحيث حقق ثروة هائلة مكنته من التوسع في الأسواق المالية، أولاده الخمسة وهو على فراش الموت موكلاً إليهم مهمة العمل في أهم بلدان العالم آنذاك: ألمانيا، إنكلترا، فرنسا، النمسا وإيطاليا. وكان قد أسس شركة مالية ذات فروع خمسة لكل من أبنائه في تلك البلدان وضمَّ الجاليات اليهودية تحت أجنحتها، وأمَّن لذلك ترابطاً وثيقاً في ما بينها سمح بتبادل المعلومات ونقل الخبرات بسرعة فائقة لتحقيق أقصى درجات الربح.

منع روتشيلد على أبنائه الزواج من غير اليهوديات وأملى عليهم الزواج من يهوديات ذوات ثراء فاحش ومكانة إجتماعية مرموقة وذلك لضمان بقاء الثروات ضمن إطار العائلة.

تمكن أبناء روتشيلد الخمسة من التوسع في الدول التي وجدوا فيها وتقربوا من زعمائها ومُنحوا ألقاباً اجتماعية مرموقة، فقدموا القروض وموّلوا المشاريع بفوائد عالية. أقرضوا البرازيل لتحقيق استقلالها عن مملكة البرتغال التي اشترطت الحصول على مليوني جنيه استرليني. منحوا الحكومة البريطانية قروضاً ضخمة في مقابل استصدار وعد بلفور. تغلغلوا في مختلف المؤسسات والادارات وهيمنوا على الاقتصاد حتى لقبوا بأنبياء المال. تمتلك عائلة روتشيلد اليوم ثروة تقدر بأكثر من 500 تريليون دولار أميركي ونتيجة لذلك فهم يتولون مراكز مرموقة وحساسة أبرزها رئاسة المصرف الفديرالي الأميركي ومصرف لندن. وعليه، ومن خلال إمساكهم بمختلف الصناعات العالمية والشركات الدولية وتحكمهم بالسياسات المالية عبر البنك الدولي الذي أسسوه لغاية الهيمنة، يصادر آل روتشيلد اليهود الاقتصاد العالمي ويحكمون قبضتهم على لقمة عيش الشعوب.

الحروب والاغتيالات

استغل آل روتشيلد الحروب لمضاعفة ثرواتهم، فكانوا يقرضون أطراف النزاع ويموّلون حروبهم بفوائد مرتفعة، فقد موّلوا الحرب الروسية – اليابانية، موّلوا الجيش النمساوي خلال الثورة الفرنسية بالاضافة إلى تمويل الحرب النمساوية – البروسية. موّلوا حروب الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت في مقابل إقراض الحكومة البريطانية في تلك الحروب.

يُتهم آل روتشيلد باغتيال رؤساء وحكام دول أبرزهم: إبراهام لينكولن، زاكاري تايلور، ويليام هنري هاريسون، أندرو جاكسون، جيمس غارفيلد، جون كنيدي، قيصر روسيا بالاضافة إلى العديد من النواب والمصرفيين.

التمرد

إنَّ التاريخ حافل بالشواهد على حالات التمرد التي قام بها اليهود في المجتمعات التي أقاموا فيها، ففي العام 66 ميلادي وقع الصدام الكبير أو ما يعرف بـ “الثورة اليهودية الكبرى”، وكان سبب اندلاع التمرد هو قيام بعض اليونانيين بتقديم أضاحي من الطيور أمام كنيس (معبد يهودي) حيث رفضت الدورية الرومانية أن تفعل شيئاً، ما أدى إلى سلسلة من الأحداث وردود الفعل قادت في النهاية إلى أعمال عنف ضد المواطنين الرومان وممتلكاتهم والمتعاونين معهم من اليهود في القدس ما اضطر الملك اليهودي الموالي للرومان إلى الخروج من القدس إلى الجليل.

وفي العام 1897 وإبان انعقاد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية، اعتمد مؤسسها تيودور هرتزل أسلوب التحريض المعاكس متوجهاً إلى اليهود بالقول: “إنَّ الشعب اليهودي في نظرنا هو واحد مهما اختلفت البلدان التي يعيش فيها والنظم التي يتبعها. وهذا الشعب حاول أن يختلط بالمجتمعات القومية التي عاش فيها، إلى جانب محاولته الحفاظ على تراثه اليهودي وديانته، ولكنه فشل في ذلك لأن الدول التي يعيش فيها لم تسمح له بذلك. ومن العبث أن يصبح اليهود وطنيين مطيعين لهذه الدول، ومن العبث أيضاً أن يضحي اليهود بالحياة والعتاد من أجل هذه الدول كما يفعل المواطنون. كما أنه من العبث أن يحاول اليهود الاسهام في شهرة هذه البلاد ورفع شأنها في العلوم والفنون أو في إثرائها عن طريق التجارة. ففي هذه البلاد يُعامَل اليهود معاملة الأجانب، والغالبية هي التي تقرر عادة من هو الأجنبي وتحدد علاقتها به على أساس القوة التي تملكها. ولذا من العبث أن يعلن اليهودي ولاءه لهذه الأمم وطاعته لقوانينها”.

في المقابل، حرّض ملوك أوروبا وزعماءها في سبيل سعيه إلى إقناعهم بضرورة إنشاء وطن قومي لليهود بأنهم شعوب متمردة فوضوية ترفض الاندماج مع الفئات الأخرى وبالتالي لا بد من ترحيلها إلى مكان خاص بها حصراً، فقام بمراسلتهم مصوراً لهم أن العنصر اليهودي في أي مجتمع من المجتمعات مثير للاضطراب والتمرد، وهذا أمر يتعلق بطبيعة اليهودي، فهو لا يستطيع العيش مع الشعوب الأخرى، وإن عاش فلكي يكون عنصراً مدمراً لقوة هذه الشعوب ومحرّضاً على الثورة وقلب الأوضاع، وأن بقاء اليهود داخل المجتمعات التي يحكمونها ليس في صالح هذه المجتمعات ولا في صالح حكوماتها، لذا يجب على هذه الحكومات تشجيع فكرة الصهيونية وإنشاء الوطن اليهودي حتى تتخلص من هذه العناصر المناهضة لها.

وعلى وقع تزايد هجرة اليهود إلى فلسطين بأعداد هائلة وما تسببت فيه من ثورات واضطرابات عام 1938، دعا الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت إلى مؤتمر إفيان في فرنسا حضره مندوبون عن 32 دولة لمناقشة مشكلة اللاجئين ولكن لم يتم تحقيق أي نتيجة باستثناء تأكيد الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية على عدم قبول اللاجئين اليهود على أراضيها.

أتى الاحتلال البريطاني بالعصابات اليهودية إلى فلسطين تمهيداً لتحقيق وعد بلفور وفتح لهم كل إمكانات إقامة الدولة، وعلى الرغم من ذلك فقد شنت العصابات الصهيونية السرية حملة عسكرية ضد الانكليز في فلسطين المنتدبة على أثر نشر الكتاب الأبيض المتعلق بتنظيم الهجرة اليهودية ووضع حدود لها عام 1939، وقامت العصابات الصهيونية باغتيال وزير المستعمرات البريطاني في مصر.

العنصرية

عام 100 ميلادي تقريباً ازداد أتباع عيسى، وانتشرت تعاليمه بصورة ملفتة واعتبره عدد كبير من الرومان والاغريق واليهود أيضاً المسيح وحاملاً صفة إلهية، فرفضت الجماعة اليهودية المنحدرة من يهودا هذه الفكرة وحاولت إبعاد اليهود الذي يؤمنون بعيسى عن بقية الجماعة اليهودية وارتفعت على الأثر حدة التوتر والاحتكاك بين اليهود والمسيحيين.

وفي العام 1144 اتُهم اليهود في انكلترا بقتل طفل مسيحي لاستخدام دمه في أحد الطقوس التي يمارسونها. كما اتهم المسيحيون في أوروبا اليهود بصلب المسيح مستندين بذلك إلى قول اليهود أثناء محاكمة يسوع: “دمه علينا وعلى أولادنا” كما اتهموا اليهود بتسميم آبار المسيحيين والتضحية بالأطفال كقرابين بشرية وسرقة خبز القربان وتدنيسه.

تفكيك العرب

وجه رجل المال اليهودي البريطاني اللورد ليونيل دي روتشيلد خطاباً إلى وزير خارجيّة بريطانيا السير هنري جون تمبل بالمرستون في عام 1840، كتب فيه: “إن هزيمة محمد علي باشا وحصر نفوذه في مصر ليسا كافيين، لأن هناك قوة جذب بين العرب، وهم يدركون أن عودة مجدهم القديم مرهون بإمكانات اتصالهم واتحادهم. إننا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض فسوف نجدُ أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر والعرب في آسيا، وكانت فلسطين دائماً بوابة إلى الشرق، والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر في هذه البوابة، لتكون هذه القوة بمنزلة حاجز يمنع الخطر العربي ويحولُ دونه، والهجرة اليهودية إلى فلسطين تستطيع أن تقوم بهذا الدور، وليست تلك خدمة لليهود يعودون بها إلى أرض الميعاد مصداقاً للعهد القديم وحسب، لكنها أيضاً خدمة للإمبراطورية البريطانية ومخططاتها، فليس مما يخدم الإمبراطورية أن تتكرر تجربة محمد علي سواء بقيام دولة قوية في مصر أو بقيام الاتصال بين مصر والعرب الآخرين”.

الإمساك بالشرق الأوسط

قال السيناتور الأميركي الديموقراطي (الرئيس الحالي) جو بايدن في ثمانينيات القرن الماضي: “إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط ولو لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة اختراع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة… إسرائيل هي أفضل استثمار قمنا به بقيمة 3 مليارات دولار”.

لقد وجدت الولايات المتحدة في إسرائيل حليفاً يمكن الاعتماد عليه في الشرق الأوسط منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة السوفيات والعرب القوميين والثوريين والثورة النفطية في الخليج العربي وقيام الجمهورية الاسلامية في إيران بالاضافة إلى إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتغذية الخلافات السنية – الشيعية والحؤول دون اتحاد العرب والمسلمين.

ستةُ أسبابٍ إذاً، هي: مصادرة الاقتصاد، الحروب والاغتيالات، التمرد، العنصرية، تفكيك العرب والإمساك بالشرق الأوسط، تدفع معظم العالم إلى الدفاع المستميت عن إسرائيل، إذ إنَّ معظم هذه الدول الداعمة وشعوبها يريد لليهود أن يجدوا مكاناً يأوون إليه كي يتخلص منهم، فإقامتهم في بلدانه هي أقل كلفة مما يقدمه لإسرائيل كي تستمر، ولعله بهجرة مجمل اليهود إلى فلسطين المحتلة يحرر مؤسساته واقتصاده ومجتمعاته من القبضة اليهودية المُحكمة، فهم باعتراف مؤسس الحركة الصهيونية شعوب متمردة غير قابلة للإندماج يعالجون مشكلاتهم بالتصفية الجسدية والتحايل. في المقابل، فإنَّ هناك رغبة غربية قوية في تفكيك قوة العرب ومنع اتحادهم وتحولهم إلى قوة سياسية واقتصادية متماسكة تجيد إدارة ثرواتها كما كانوا عبر التاريخ، وهو ما أرادته الولايات المتحدة بإنشاء الكيان الاسرائيلي في الشرق الأوسط ليكون العين الأميركية الشاخصة عليه والقبضة الحديدية الممسكة به والشرطي الحارس لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

شارك المقال