صفا في الامارات… سجناء من “ذهب”!

أنطوني جعجع

هل توجه وفيق صفا الى دولة الامارات بقرار ذاتي من “حزب الله” أو بوساطة سورية، لا علاقة لايران بهما؟ وهل يعتبر اطلاق حفنة من السجناء الشيعة من سجون أبو ظبي أمراً ملحاً في وقت تستنزف “المقاومة الاسلامية” المئات من رجالها على الجبهة الجنوبية – الاسرائيلية؟

سؤالان يصبان في أكثر من اتجاه، الأول أن صفا لا يمكن أن يقدم على خطوة من هذا النوع، في وقت ترصد اسرائيل الأجواء بحثاً عن أي عنصر أو مسؤول في “حزب الله”، الا اذا كان في الأمر ما هو أكثر من “مساعٍ حميدة” مجردة، والثاني أنه لا يمكن أن يحمل أي ملف أمني الى أي مكان في العالم من دون تنسيق مع ايران المسؤولة والمحرّضة، في نظر الرأي العام العالمي، على أي عمل يقوم به محور من محاور الممانعة، والثالث أن صفا لا يمكن أن ينجح حيث يمكن أن تفشل ايران أو أن يلقى قبولاً من حكومة أبو ظبي لا يلقاه أي مسؤول أمني ايراني، أو أن يأخذ منها ما لا يمكن أن تأخذه طهران نفسها.

وثمة اتجاه رابع يتمثل في كيفية انتقال صفا من بيروت الى دولة الامارات بطائرة خاصة من دون أن تدري به اسرائيل أو من دون أن يتسرب شيء عن مهمته من دوائر مخترقة في “حزب الله”، الا اذا كانت عملية الانتقال قد تمت من مكان آخر.

والجواب هنا، في رأي شريحة من المراقبين الغربيين، أن صفا تلطى خلف موضوع السجناء الشيعة للحصول على هدف آخر يحاولون كشفه، مؤكدين أن من المستحيل أن تنفتح أبواب أبو ظبي أمام أعلى مسؤول أمني في “حزب الله” ما لم يكن في الأمر ما يمكن للامارات أن تفعله وحدها، وما يمكن لايران أن تطلبه وحدها، خصوصاً أن الزيارة جاءت في وقت يكرر حسن نصر الله اتهام دول خليجية ومنها الامارات بالمساهمة في اسقاط الصواريخ الحوثية العابرة نحو الأراضي الاسرائيلية، وفي وقت تتهمه أبو ظبي بالتورط مع الحوثيين في قصف منشآت حيوية في البلاد.

وما ساهم في تأجيج هذه التساؤلات أن صفا الذي يمثل تياراً “يرفض” أي تواصل مع اسرائيل، حطّ في دولة طبعت علاقاتها معها من دون أي تحفظ، ودولة تجاور دولاً أخرى فعلت الأمر نفسه مثل البحرين، أو لامسته من طريق التواصل المباشر وغير المباشر مثل عمان وقطر والسعودية، وهو الذي يتردد في دوائره أن “طوفان الأقصى” جاء في الأساس لوقف سلسلة التطبيع بين الخليج وتل أبيب.

اذاً يبقى السؤال ماذا فعل وفيق صفا في دولة الامارات العربية المتحدة؟

الجواب يتجه في رأي المراقبين نحو هدفين، الأول أن صفا يمكن أن يكون حمل الى الامارات ضمانات بعدم توريطها في أي حرب مع الحوثيين في مقابل نقل رسائل الى اسرائيل تتعلق بما يجري في الجنوب، ووعود بالمساهمة في اعادة اعماره واحتواء النقمة الشيعية المتصاعدة، والثاني أن بين هؤلاء السجناء من يمكن أن يكون صاحب قماشة قيادية يحتاج اليها “حزب الله” الذي فقد الكثير من خيرة قيادييه العسكريين والأمنيين.

والسؤال الأهم، هل عرفت اسرائيل بمهمته ولم تسقطه في الجو، اما حرصاً على علاقاتها مع الامارات واما لعلمها أن مهمته تصب في مصلحة حل ما في الجنوب يبعد عنها الخيارات العسكرية القسرية؟

واذا تبين أن لا علم لاسرائيل بحركة وفيق صفا ولا بمهمته، فلا بد من السؤال البديهي الأساس، أين ايران من كل ما جرى في الامارات وهي التي تقيم معها علاقات ديبلوماسية واقتصادية يعتد بها والقادرة على أن تحصل منها في لحظة على ما لا يمكن لصفا أن يحصل عليه في سنوات؟

الجواب ليس متوافراً حتى هذه اللحظة، لكن مصادر في محور الممانعة قالت همساً: اذا أردتم أن تعرفوا ما فعل صفا هناك، تمحصوا جيداً في أسماء هؤلاء السجناء الشيعة فربما يكون بينهم “سجناء من ذهب”، ولا سيما هؤلاء الذين اعتقلوا حديثاً، أو بينهم من يعرف أسراراً كثيرة أو ربما يكون “رضواناً” آخر تحتاج اليه حرب الاستنزاف في الجنوب، مشيرة الى أن تركيز “حزب الله” على هؤلاء من دون مئات السجناء الآخرين في سجون المنطقة والعالم، لا علاقة له بمساعٍ حميدة تبذل في وقت تسعى اسرائيل الى تغيير معادلات جوهرية على حدودها الشمالية.

في الانتظار، ثمة مدخنة مشتعلة بين الضاحية الجنوبية وأبو ظبي لكن لون الدخان الذي يمكن أن يتصاعد منها لا يزال ينتظر قراراً بحبسه أو تحريره.

شارك المقال