في طرابلس… “أفقر” دفاع مدني و”أتعس” اتحاد بلديات!

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يعرف المسعفون، المتطوّعون والعاملون في مركزيّ اتحاد بلديات الفيحاء والدّفاع المدني في مدينة طرابلس، أيّ باب يطرقون هذه المرّة ليحصلوا على مستحقّاتهم التي لا يصلون إليها “حتّى بشقّ الأنفس”، إذْ لم يكفّ هؤلاء عن بذل محاولات متواصلة للحصول على معاشاتهم وحقوقهم الماليّة العالقة منذ أعوام، بحيث لم يتركوا سياسياً، نقابياً، دينياً وأمنياً إلّا ولجأوا إليه، كما لم يتركوا طريقة (سلمية منها أم قائمة على الاعتصامات)، إلّا وقاموا بها سعياً إلى إيجاد حلّ يستحصلوا من خلاله على أموالهم التي يستحقّونها بعد سنوات من العطاء والتضحية، خصوصاً في مدينة عرفت الكثير من الويلات العسكرية والأمنية.

في الواقع، شهد هذا الأسبوع قرارات عمّالية لم تُشكّل صدمة على الاطلاق في المدينة التي اعتادت “مشهدية” الاعتصامات والاحتجاجات الناتجة عن قرارات أو إجراءات مجحفة بحقّ أهلها، بحيث توقّع المتابعون حصول تحرّكات من بعض العاملين والموظفين شمالاً، بسبب تعرّضهم للكثير من الضغوط المعيشية، مع العلم أنّ هذه التحرّكات، تحمل خطورة كبيرة يُخشى منها وعليها، في وقتٍ لم تُسمع فيه نداءات الاستغاثة التي أطلقوها منذ سنوات واشتدّت منذ أشهر بوضوح، لكن على ما يبدو أنّ المعنيين بهذه الملفات الادارية منها والمالية، ما زالوا غير عابئين بكسر الجمود وإيجاد الحلول الجذرية لا البسيطة والسطحية.

وفي تفاصيل التحرّكات التي بدأت مع عمّال وموظفي اتحاد بلديات الفيحاء (من ضمنهم فوج الاطفاء الذي أصدر بياناً خاصاً، وعمّال المسلخ) الذين نفذوا اعتصاماً أمام مركز الاتحاد- المهجر الصحي، واتجهوا بعدها لقطع الطريق أمام منزل وزير الدّاخلية والبلديات القاضي بسام مولوي في شارع المئتين، بحسب عدم تقاضيهم رواتبهم منذ ستة أشهر كما لم يتقاضوا مستحقّات سابقة كانوا طالبوا بها، وفي ظلّ شعورهم بالغبن والغضب، يقول مصدر إداريّ لـ “لبنان الكبير”: “إنّ مولوي انزعج فعلياً من احتجاجات العاملين بالقرب من منزله، واعتبر أنّهم تهجّموا عليه بالشخصي، لكن لم يُزعجه الواقع العمّالي المأساوي في مدينته”.

وفي اليوم التالي، أصدر متطوّعو الدفاع المدني الاقليمي في الشمال بياناً، أكّدوا فيه تعليقهم العمل لدى مراكزهم التّابعة للشمال الاقليمي “حتّى صدور قرار يُنصفنا في اجتماع مقرر يوم الثلاثاء المقبل للجان المختصّة بشأن الموظفين المظلومين”، والذين لم يتقاضوا أجورهم منذ 26/08/2023، أيّ عن ثمانية أشهر، وهو قرار بدأته طرابلس وانتقل إلى أقاليم أخرى بعدها مباشرة، مثل: إقليم الهرمل وضواحيها، مراكز عكّار الاقليمية، وكذلك في جبل لبنان الجنوبي وإقليم الخرّوب… الأمر الذي دفع المديرية العامّة للدفاع المدني في وزارة الداخلية إلى إصدار بيان حذرت فيه من “مغبّة الإقدام على خطوة متهوّرة كهذه”، مشيرة إلى أنّ هذا “القرار الطائش سيُعرّض العناصر ورئيسهم المباشر للملاحقة القانونية”، وهو ما كان أثار امتعاض عناصر الدّفاع المدني الذين سئموا من لجوء المسؤولين إلى الملاحقة عوضاً عن لجوئهم إلى الحلّ.

يُمكن القول، إنّ رئيس اتحاد نقابات العمّال والمستخدمين في لبنان الشمالي شادي السيّد كان أوّل من أطلق هذه الشرارة العمّالية ليُنذر أنّ المدينة باتت بلا دفاع مدني وبلا فوج إطفاء، واصفًا هذه الأزمة لـ “لبنان الكبير” بأنّها “خطيرة للغاية بغياب القادرين على تلبية احتياجات المدينة وجوارها”، ومطالباً بالمسارعة الى معالجة التقصير الفادح يحقّ المدينة، “فلا يجوز أنْ يحتفل البعض بالأعياد، فيما يغيب الفرح وتعمّ الغصّة قلوب المئات من العائلات الشمالية”.

فوج الاطفاء

ومن فوج الاطفاء في اتحاد بلديات الفيحاء، لا يُخفي حاتم عبوشي الذي تحدّث باسم العاملين والأجراء والموظفين أنّ “المعضلة” التي يُعانون منها لا تُعدّ جديدة إذْ واجهوها عبر الشارع وبـ “اللحم الحيّ” منذ عامين ونصف العام، معتبراً في حديثٍ لـ “لبنان الكبير” أنّهم يُواجهون ابتزازاً مالياً من المعنيين في هذا الملف، في وقتٍ لا يُطالبون فيه إلّا بحقوقهم المالية وبحقّهم الإنسانيّ الذي يحفظ كرامتهم ويصونها.

عبوشي الذي اختار العمل في ميادين مختلفة، لتأمين لقمة عيشه وصون حياة أبنائه الثلاثة، (عمل في جباية الانترنت وفي محمصة ضمن طرابلس)، يُذكّر بأنّ الفوج الذي قدّم تضحيات لأعوام تزيد عن 15 عاماً، يعمل من دون خدمة استشفائية مع غياب الضمان الذي يكفل علاج العناصر بعد أيّة مهمّة صعبة وخطيرة، “فكيف يُطلب منّا التوجّه إلى حريق مكشوف ولا يتمّ علاجنا من الاصابات؟”، مؤكّداً أنّ المسؤولية لا يجب أنْ تكون على عاتق العامل “التعيب”، الذي لا يُمكنه تحمّل مسؤولية أيّة خلافات أو نزاعات من أيّ نوع، “لأنّه لا يُريد إلّا حقّه من المعنيين الذي يدفعون النّاس إلى الانهيار الأخلاقي بعد الاقتصادي”.

إلى ذلك، لا يُمكن إغفال شدّة الضغوط الادارية التي يُواجهها العمّال في الاتحاد، بحيث يقف أحدهم مصدوماً بعد تلقّيه خبر إصابة زوجته منذ فترة بسرطان الثدي ولم يتلقّ مساعدة واحدة من مكان عمله، أمّا موظف آخر فلا يتمكّن من تأمين أدوية، حليب، وحفاضات لابنه الذي يُعاني من “عاهة خلقية مستديمة” وفق ما أطلق عليها، وهو لا يزال حتّى اللحظة يبحث عمّن يدعمه، وغيرها من الحالات التي تشهد على تناقض السلطة التي تُطالب بحقوقها ولا تُقدّم واجباتها.

مصدر من الاتحاد يُؤكّد لـ لبنان الكبير” أنّ الموظفين يُعانون من أزمتيْن، الأولى مرتبطة بالنزاعات الادارية، والثانية متعلّقة بالتراكمات المالية. ويقول: “الخلافات الادارية تتعلّق بهوية من يترأس اتحاد بلديات الفيحاء الذي ندرك أنّه يعود لمدينة طرابلس عرفاً، أيّ أنّ الخلاف يقع اليوم بين رئيس بلدية طرابلس رياض يمق ورئيس الاتحاد وهو رئيس بلدية البداوي حسن غمراوي، وهذا الخلاف ينعكس على العاملين الذين يتقاضون أجورهم من البلدية التي تتردّد في تحويل الأموال بسبب حجج وذرائع تتعلّق بكيفية صرفها في الاتحاد وحديثها عن الهدر، في وقتٍ كان استُنزف فيه صندوق الاتحاد البلديّ أساساً، لذلك لجأ البعض في البلدية مثلاً إلى الضرب بطبيعة النفايات التي تُطمر في جبل النفايات، للتأكيد على وجود رائحة فساد تفوح من إدارة الاتحاد، ما يدفع البلدية إلى عدم الالتزام إلّا بعد استعادتها ادارة الاتحاد”.

وعن التراكمات المالية التي يلفت إلى أنّها أحدثت ضرراً بـ 160 عائلة في الاتحاد، يُؤكّد المصدر أنّها لم تُدفع منذ 2006 حتّى اللحظة، مشيراً إلى أنّ مبلغ 40 مليار ليرة لا يزال متراكماً على البلدية، بحيث دفعت آخر دفعة عام 2005 وهي 5 مليارات ليرة فقط، ولم تُسدّد باقي المبلغ، أمّا الآن فيحتاج العاملون إلى 200 مليون ليرة أو 160 مليوناً وما فوق حسب فئتهم، لكن في حال عدم حصولهم على حقوقهم، سيضطّرون إلى قطع طريق البالما يوم الثلاثاء للتعبير عن الاحتجاج”.

ويرى أن “الحلّ لا يُمكن أنْ يحدث عبر الرسميين، بل سيكون من داخل المدينة قطعاً، عبر قيام مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام بإجراء لقاء ضروريّ مع كلّ من محافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا، وحسن غمراوي ورياض يمق لإيجاد حلّ”.

الدفاع المدني

بعد تثبيت متطوّعي الدّفاع المدني في ملاك المديرية العامّة للدفاع المدني في شهر آب الفائت، وبعد وعود متكرّرة خصوصاً في عيد الميلاد، رأس السنة، وخلال شهر رمضان بتقاضيهم أجورهم عن ثمانية أشهر، لم يتمالك المثبتون في طرابلس أعصابهم، وتحديداً بعد مواجهتهم ضغوطاً إدارية أوّلًا “عبر تشديد الرقابة عليهم للالتزام بالدوام وإحالة تقارير ضدّهم على المديرية في حال تخلّفهم أو معارضتهم لأيّ بند (كان آخرها اتهامهم بحرق الآليات عند قلبها ليُنذروا بتوقّف العمل، مع أنّهم يحفظون هذه الآليات ككرامتهم وهم من يقومون بتصليحها)، وتعرضهم لضغوط أخرى مادية ثانياً، ولا سيما بعدما تخلّوا عن أشغالهم في المؤسسات التي عملوا فيها”، وذلك وفق ما يقول مصدر من المديرية شمالاً لـ “لبنان الكبير”.

ويُضيف: “حالنا يُرثى لها فعلياً وانبحّ صوتنا لإيصال رسالتنا، وأولادنا طردوا من مدارسهم أو حرموا من علاماتهم لأنّنا عاجزون عن دفع ليرة واحدة، فبات بعضنا مديوناً لاحدى المدراس بحوالي 1500 دولار وأكثر، في وقتٍ لا نجد فيه من يُساعدنا، حتّى أنّنا لجأنا إلى سياسيين ومختارين ليتحدّثوا مع مديري بعض المدارس ولم نتلقّ دعماً أبداً، لذلك اتخذ الشبان منذ ساعات قراراً بالتوقف عن إطفاء الحرائق فقاموا بتقليب الآليات، وننتظر اجتماع لجنة الدفاع الوطني يوم الثلاثاء لإقرار أجورنا لأنّ وضعنا متدهور، خصوصاً خلال الشهر الفضيل الذي كنّا نتمنّى لو أرسل أحدهم لنا حصّة غذائية ليُشعرنا بوجودنا، بحيث صار إفطارنا يومياً سلطة لبن وخيار، ملفوفة أو شوربة عدس، لأنّنا عاجزون حقاً بعد 22 عاماً من الخدمة، والغصّة تزيد مع قرب حلول عيد الفطر”.

المصدر الذي يُشدّد على غياب الأسرّة والفرش في مركز طرابلس التي يقول عنها انّها “تبهدلت بالفقر مع زعمائها الأغنياء”، يُؤكّد أنّ الدّولة دمّرت الموظفين في الدفاع المدنيّ، موضحاً أن “أحد المثبتين يعيش في البقار، احترق منزله منذ فترة ولم يُساعده أحد بخشبة وعجز عن التصليح بعد تخلّيه عن عمله للعمل في المديرية”.

إنّ التفاؤل بالخير عند تثبيت ما يُقارب الـ 2186 عنصراً “استثنائياً”، لم يأتِ بنتيجة إيجابية على مركز عمليات الشمال كما على غيره من الأقاليم، بحيث يُؤكّد المصدر أنّ التأخير الذي يأتي من وزارة المالية، مجلس الخدمة المدنية وقوى الأمن الداخلي، “لم يعد مفهوماً ولا يُمكن القبول به، فهم يتردّدون ويُقصّرون في إقرار حقوقنا ولم يتبنانا أحد حتّى اللحظة في إقرار المعاشات، ولجنة الدّفاع لم تُصدر قرارها حتّى اللحظة، بسبب تركيبة سياسية توحي بأنّ جهة سياسية ما، لا ترغب في إعطائنا حقوقنا، مع العلم أنّنا كنّا اجتمعنا مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري وأبديا دعمهما وتساهلهما معنا”.

شارك المقال