برنامج إيران النووي أهم إستراتيجياً من الثأر لزاهدي!

زياد سامي عيتاني

تعيش القيادة الايرانية حالة ذهول من عملية اغتيال محمد رضا زاهدي، الذي شكل ضربة قوية للنشاطات العسكرية الايرانية في الشرق الأوسط، خصوصاً وأنه يعتبر ثالث أكبر مسؤول يتم اغتياله بعد رئيس البرنامج النووي محسن فخري زادة عام 2020، وقائد الحرس الثوري قاسم سليماني في العام نفسه. والسؤال الذي لا يزال يطرح نفسه منذ ضرب القنصلية الايرانية في دمشق أول الشهر الجاري: كيف سيكون الرد الايراني وأين ومتى؟

يؤكد الخبراء في الملف الايراني أن “إيران تقوم بتحليل كل هجوم بدقة، وتقوّم الخيارات المتاحة لها بناءً على النتائج المحتملة، والتداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبالتالي، فإن الاستجابة قد تكون بصورة محدودة ومحسوبة، مع التركيز على تعزيز الدفاعات السيبرانية والعسكرية والتحالفات الاقليمية”. ويبرز الخبراء أنفسهم الانقسام الخاصل داخل القيادة الايرانية حول كيفية التعاطي مع الضربة الموجعة التي تلقتها إيران، بشأن طبيعة الرد وحجمه من عدمه.

وهذا ما كشفه مسؤولون إيرانيون لصحيفة “نيويورك تايمز” عن وجود خلافات بين متخذي القرار حول الرد الذي يجب أن تقوم به ايران، بحيث ان عدداً من المسؤولين الذين يمتلكون طرق تفكير متشددة أكدوا أنه يجب على ايران أن تهاجم أهدافاً داخل إسرائيل عن طريق صواريخ، معتبرين أن “أي رد أقل من رد مباشر سيعتبر ضعفاً”، أما آخرون، بحسب ما أفادت الصحيفة، فرفضوا ذلك وقالوا إن إسرائيل تشجع ايران على الدخول الى الحرب ويجب عليها مواصلة سياسة “الصبر الاستراتيجي”، والانتقام عن طريق المجموعات المسلحة الموالية لها.

وعلى صعيد متصل، نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن مسؤول إيراني تأكيده أن طهران لا تريد صراعاً مباشراً مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، مشيراً الى أن “إسرائيل تريد جر ايران الى صراع”. كما نقلت الصحيفة تصريحات لمسؤولين أمنيين إسرائيليين قالوا إن “الايرانيين سيحاولون ضرب أهداف إسرائيلية في أوروبا، أميركا الجنوبية وأماكن أخرى”. إلا أن جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (سي.أس.آي.أس) في واشنطن، إستبعد رداً إيرانياً ضخماً على الهجوم على سفارتها، معتبراً أن “اهتمام إيران بتلقين درس لاسرائيل أقل من اهتمامها بإظهار عدم ضعفها أمام حلفائها في الشرق الأوسط”.

ويرجح مراقبون أن تقدم إيران على الرد على الضربة الموجعة، رداً إستراتيجياً من دون اللجوء إلى العمل العسكري، مرجحين واحداً من خيارين:

١- ربما تستخدم الفضاء الالكتروني كبعد آخر للانتقام من إسرائيل، إما لتنفيذ هجمات إلكترونية على تكنولوجيا المعلومات ولشل المعلومات وسرقتها وتسريبها، أو لمحاولة تشتيت الانتباه على الأقل، إذ انه خلال العقد ونصف العقد الماضيين، كانت هناك حرب إلكترونية سرية مستمرة بين إيران وإسرائيل.

٢- يمكن أن ترد إيران بتسريع وتيرة تطوير برنامجها النووي الذي كثفت العمل عليه منذ انسحاب الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الايراني الموقع في 2015، وهو اتفاق يهدف إلى تقييد قدرات طهران النووية مقابل منافع اقتصادية. فقد تقدم على زيادة نسبة النقاء التي تسمح بتخصيب اليورانيوم لترتفع إلى 90 في المئة (وهي نسبة صالحة لصنع قنابل نووية) وإحياء العمل على إنتاج سلاح نووي.

هناك صراع سيدور خلف الكواليس بين من هم في السلطة الذين يقولون إنه يتعين على إيران أن تسعى إلى ترسيخ نفسها كقوة نووية لردع عدوان إسرائيل من جانب، والشخصيات المتشددة التي تقترح شن هجمات مباشرة على إسرائيل ومنشآتها العسكرية من جانب آخر.

المؤكد أن الهدف الرئيسي لإيران لتكريس نفوذها الاقليمي، هو أن تتحول الى دولة نووية، تجعلها لاعباً بين الكبار في تقرير مصير المنطقة ومستقبلها، وأن تحجز لنفسها مساحة واسعة لنفوذها وطموحاتها التوسعية على الخريطة الجيو-سياسية للشرق الأوسط، الذي يعاد النظر في تركيبته. لذلك، فإن تطوير البرنامج النووي لإيران أهم إستراتيجياً بالنسبة اليها من الثأر لتدمير قنصليتها في دمشق وتصفية واحد من أهم قادتها، بكل ما تنطوي عليه تلك الضربة من مساس بسيادتها، ما يؤكد أن ردها المتأني بدقة لن يتسبب في إستدراجها إلى مواجهة إقليمية.

شارك المقال