سيناريو تعطيل الاستحقاقات الدستورية مُخطّط له وآخرها الانتخابات البلدية!

جورج حايك
جورج حايك

تفقد الحياة الديموقراطية في لبنان مقوّماتها الأساسية شيئاً فشيئاً مع توالي تعطيل الاستحقاقات الدستورية، وآخر الضحايا قد تكون الانتخابات البلدية والاختيارية التي يسعى فريق سياسي نيابي عريض إلى تأجيلها عبر التمديد للمجالس البلدية للمرة الثالثة على التوالي. وفي الواقع لا يُمكن فصل محاولات تأجيل إجراء هذا الاستحقاق، عن تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية المستمرة منذ عامين، وإفراغ مؤسسات رسميّة حسّاسة كمصرف لبنان والأمن العام وغيرهما من تعيين مسؤولين أساسيين لها.

كل ما يحصل ليس بريئاً، بل يبدو كسيناريو محكم يقف خلفه الثنائي الشيعي وبعض حلفائه من زاوية المصلحة الشخصية كـ”التيار الوطني الحر”، وهذا ما لم يعد سراً، فهؤلاء يفترقون حيناً ويلتقون أحياناً على تقويض مفهوم الدولة اما لمشاريع عقائدية مذهبية وبهدف الهيمنة أو لتحقيق مصالح سلطوية آنية.

عموماً، قام وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي بواجبه أمس عبر إصداره قرار دعوة الهيئات الانتخابية البلدية في دوائر محافظة جبل لبنان لانتخاب أعضاء المجالس البلدية وتحديد عدد الأعضاء لكل منها، ولانتخاب مختارين ومجالس اختيارية وتحديد عدد المختارين والأعضاء لكل منها في دوائر محافظة جبل لبنان، وذلك بتاريخ 12 أيار 2024.

لكن نوايا فريق الثنائي الشيعي و”التيار” لا تبدو مشجّعة، وهؤلاء يتذرّعون بالاعتبارات الأمنية واللوجيستية التي سبّبتها حرب الجنوب، علماً أن “حزب الله” نفسه يقف وراءها بمشاركة حركة “أمل”، فيما يرى “التيار الوطني الحر” نفسه غير جاهز نتيجة تآكل شعبيته لخوض هذا الاستحقاق، وبذلك تعددت الأسباب والتعطيل واحد!

واللافت أنه أصبح هناك استسهال لإطاحة كل الاستحقاقات الدستورية، ولو طلبت هذه القوى السياسية تأجيلاً تقنياً لثلاثة أشهر، ما يسمح بتحضير أفضل للعملية الانتخابية، لكان الأمر مفهوماً، إلا أن هؤلاء مصممون على المضي نحو تمديد ثالث للمجالس البلدية والاختيارية، في حين أن المواطن يعيش شللاً قاتلاً على الصعد التنموية والخدماتية المحلية.

وتعتبر النائب نجاة عون صليبا أن “القوى السياسية الرافضة لإجراء الانتخابات البلدية لا تقرأ في الدستور وهذا ما يبرر تعطيل انتخاب رئاسة الجمهورية أيضاً، لذلك هي سلطة متخصصة بتقويض كيان الدولة وكل ما يبني المؤسسات”، لافتة إلى أن “هؤلاء مفلسون ويتمسّكون بكل ما لديهم حتى يستمروا في السلطة، والمفارقة أنهم يشكّلون فريقاً واحداً، على الرغم من أنهم يزعمون بخلافات بين بعضهم البعض، إلا انهم شركاء منذ توقّف الحرب الأهلية”.

وتستغرب صليبا التحجج بالحرب في الجنوب، وتؤكّد أن “الحل موجود وهو وقف الحرب”، وتتساءل “لماذا يتفرّدون بقرار الحرب والسلم ثم يعطّلون المؤسسات؟ برأيي هذه حلقة مترابطة لتفكيك الدولة”.

في المقابل، تعترف صليبا بأن النواب التغييريين عاجزون عن منعهم من التمديد للمجالس البلدية لأنهم لا يمثّلون سوى 10 في المئة، وتقول: “غداً يتفّقون مع بعضهم البعض خارج المجلس النيابي، ثم يدخلون ويصوّتون مع التمديد وينتهي الموضوع بكلمة: صُدّق”.

لكن الأمل ليس مفقوداً، لأن هناك كتلاً نيابية لا تزال ترفض التمديد مثل المعارضة عموماً و”القوات اللبنانية” و”الكتائب” خصوصاً، وتشير صليبا إلى “أننا منفتحون على قوى المعارضة وكل من يخدم البلد ويعزز حضور الدولة والديموقراطية والهيئات الرقابية، ونحن وقفنا مع المعارضة ولا نزال، بكل ما يساعد على انتظام عمل المؤسسات”.

وتُدرك صليبا أن صاحب مشروع اللادولة الذي يمتلك فائض القوة وحده يقف وراء سيناريو التعطيل وهو “حزب الله” وحلفاؤه.

أما مصادر “القوات اللبنانية” فتعتبر أن تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية إذا حصل، سيكون خطوة خطيرة بالنسبة إلى الديموقراطية والتنمية المحلية في البلاد، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي الصعب الذي يمر به لبنان حالياً.

وتُعدّد المصادر سلبيات التأجيل: أولاً، يقلّص حقوق المواطنين ويفتح الباب أمام تفاقم الانقسامات السياسية والتوترات في البلد. ثانياً، تعتمد البلديات على الانتخابات لتجديد هياكلها الادارية وتحديد أولويات التنمية المحلية، وبالتالي يمكن أن يؤدي تأجيلها إلى زيادة الفوضى والتدهور في الخدمات العامة المقدّمة للمواطنين. ثالثاً، قد يتفاقم الأمر مع إنحلال عقد 104 بلديات من أصل 1044 بلدية منتخبة على مختلف الأراضي اللبنانية، أي ما نسبته 10 في المئة تقريباً، بحسب بيانات وزارة الداخلية غير المحدّثة نهاية العام 2023، وهذا الرقم الرسمي أقل من الواقع، إذ ان بعض البلديات قد حلّ منذ ذلك التاريخ، فيما المئات الأخرى بحكم المشلولة بسبب الوفاة أو عدم اجتماع أعضائها لفترة طويلة.

قد تكون “القوات” الحزب شبه الوحيد الرافض لتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، وتؤكّد مصادره أن “موقفنا ليس نابعاً من غاية خاصة، إنما لأن الحالة المزرية التي وصلت إليها البلديات وشؤون التنمية المحلية باتت خطيرة، وبالتالي لا نستطيع ترك البلد في حالة شلل تام على هذا المستوى من السلطات المهمة ودورها المحوري حيال الناس”.

ويبدو مستغرباً اتجاه “حزب الله” وحركة “أمل” الى التمديد، فهما يجب أن يكونا مرتاحين لناحية بيئتهما الحاضنة، إلا أن الانتخابات البلدية في الواقع قد تكون أصعب من الانتخابات النيابية، وبالتالي يفضّلان تجنّب هذا الكأس. أما شريكهما في تأجيل الانتخابات أي النائب جبران باسيل، فهو يريد تجنّبها على خلفية وضعيته الشعبية التي ليست في أفضل حال، كما نرى جميعاً من خلال نتائج الانتخابات الطالبية والنقابية. انطلاقاً من هذه الأسباب وحتماً لأسباب أخرى أيضاً يسعى فريق الممانعة وحلفاؤه إلى تجنّب معركة هذا الاستحقاق وتعطيله.

شارك المقال