كم يبلغ ثمن تذكرة السفر إلى القدس؟

زياد سامي عيتاني

“تذكرة إلى القدس، تاريخ الذهاب قريباً”… بطاقات سفر إفتراضية وزعها “حزب الله” خلال كلمة أمينه العام السيد حسن نصر الله، بمناسبة “اليوم العالمي للقدس”! بعيداً عما تناولته وسائل التواصل الاجتماعي من تعليقات ساخرة، أجمعت على أنها مجرد متاجرة بالقضية الفلسطينية واستثمار للدماء وفي العواطف، فإن ما يجب التوقف عنده في خطاب نصر الله قوله: إن “حزب الله” لم يستخدم بعد “سلاحه الأساسي ولا قواته الأساسية” ضد إسرائيل، مطالباً الجميع بأن “يحضّر نفسه وأن يرتّب أموره وأن يحتاط كيف يمكن أن تذهب الأمور وأن نكون جاهزين لكل احتمال”! وهذا المقطع من كلماته، هو في الواقع رسالة موجهة إلى جمهوره أولاً، والى اللبنانيين عموماً ثانياً، تدعوهم إلى التأهب لأي تصعيد واسع سواء بمبادرة من الحزب أو للرد على هجوم إسرائيلي واسع.

كما أن كلام نصر الله يوحي بأن إيران ستلقي بورقة “حزب الله” في المواجهة والرد على إستهداف قنصليتها في دمشق، ما يطرح السؤال: هل قررت إيران تحويل لبنان منصة للرد عبر حزب الله على قصف قنصليتها في دمشق؟ من المؤكد، أقله حتى الآن، أن إيران تتجنّب الدخول في مواجهة مباشرة، وتدعم في الوقت نفسه سلسلة من الهجمات على أهداف إسرائيلية وأميركية يشنها حلفاؤها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، لقناعتها بأن الحرب المباشرة بينها وبين إسرائيل تهدد بخروج الأوضاع في المنطقة عن السيطرة، إذ ستفتح إيران جبهات واسعة عبر جيشها الرسمي والحرس الثوري ووكلائها في المنطقة على المصالح الاسرائيلية “الحساسة” داخلياً وخارجياً، ومن بينها حقول النفط والمنشآت العسكرية والديبلوماسية، في حين لن تتردد إسرائيل في إستهداف العمق الايراني وتنفيذ ضربات نوعية.

إذاً، الحرب بين إسرائيل وإيران ستكون مدمرة وكبيرة، لأن كلا البلدين يمتلكان قدرات عسكرية كبيرة، في حين قد تنسحب المواجهات إلى بلدان أخرى في المنطقة. وهذا ما لا تريده إيران، خشية تداعيات ذلك على وضعها الدولي والداخلي ولا سيما مشروعها النووي، الذي تسعى الى التقدم فيه بعيداً عن الأضواء، لكنها قد تقدم على عمل بواسطة عملائها في الخارج وربما بعد تحضير طويل ودرس كل الاحتمالات وتداعياتها بدقة، قبل إعلان ساعة الصفر.

وفي هذا الإطار، يرى ديبلوماسيون ومحللون أن “النخبة الدينية في إيران لا تريد حرباً شاملة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة قد تعرض إحكامها على السلطة للخطر، وإنها تفضل مواصلة استخدام وكلائها لتنفيذ هجمات تكتيكية منتقاة على أعدائها”. لذلك، يرجح المحللون أن طهران أقرب من الاعتماد على “حزب الله” في الرد على إسرائيل، من أي خيار آخر، لأنه الأقدر تسليحاً والأولى جغرافياً بالرد، خصوصاً أن إيران لا تملك ما يكفي للمواجهة انطلاقاً من الأراضي السورية بعد الضربات الموجهة التي استهدفت قادتها العسكريين وأضرت بحلفائها وفجّرت مخازن الأسلحة بما في ذلك الصواريخ والمسيّرات، (قد يكون كلام نصر الله، تلميحاً الى أن الحزب تلقى أمر عمليات لهذه “المغامرة”).

ولكن دخول “حزب الله” في حرب واسعة مع إسرائيل، غير الحرب التي خيضت عام ٢٠٠٦، فالمقارنة بينهما غير جائزة، مع إستعداد إسرائيل للذهاب بعيداً فيها، ما يجعلها مغامرة غير مضمونة النتائج، ولو لم تكن كذلك لفعّلتها منذ تشرين الأول الماضي بدلاً من الاكتفاء بالمناوشات على الحدود بين الطرفين. وهنا يجب عدم الأخذ على محمل الجد تحذير رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو إيران من شن هجوم ضد بلاده، قائلاً: “إن إسرائيل تتخذ إجراءات ضد إيران ووكلائها، دفاعاً وهجوماً وسنعرف كيف ندافع عن أنفسنا وسنتصرف وفقاً للمبدأ البسيط: كل من يلحق بنا الضرر أو يخطط لذلك سنلحق به الضرر”. وفي السياق نفسه، أفاد موقع “أكسيوس” الأميركي نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إسرائيل أبلغت حليفتها واشنطن أنه إذا شنت إيران هجوماً على إسرائيل من أراضيها فإنها ستواجه رداً قوياً، وسينقل هذا الصراع الحالي إلى مستوى آخر.

كل هذه التطورات المستجدة ميدانياً وسياسياً، تطرح سؤالاً مركزياً (يشكل أكثر من هاجس عند اللبنانيين، وتحديداً أبناء الجنوب) كم سيبلغ ثمن تذكرة ذهاب “حزب الله” إلى حرب واسعة مع العدو الاسرائيلي، نيابة عن إيران؟ وهل لبنان الذي يرزح تحت أثقال أزمات سياسية وإقتصادية ومعيشية، مهيأ لمثل هذه المغامرة “الجهنمية”؟

شارك المقال