لبنان بين أزمة الجنوب وأزمة الداخل

لينا دوغان
لينا دوغان

مع دخول جنوب لبنان حرباً لا رجعة عنها وهي كما يديرها ويراها “حزب الله” مساندة للفلسطينيين في حربهم على غزة، واذا صح التعبير هي مساندة الحزب لحركة “حماس” في مواجهتها الطويلة مع إسرائيل، واذا أسميناها مساندة لغزة أو مشاغلة للعدو الاسرائيلي، فهي تجري على الأراضي اللبنانية التي لا تحكمها شرعية الدولة بل هي تحت قرار “حزب الله”، تنقسم الآراء بشأن الخطوات التي يتخذها الحزب، خصوصاً الانقسام الحاصل بين أهالي القرى الجنوبية التي تُقصف جميعها مسيحية كانت أم مسلمة.

مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف د. سامي نادر يعتبر أن قصف القرى المسيحية وردود الفعل عليها تفصيل إزاء ما يجري في المشهد العام من تطورات، فبالنسبة اليه الخطر الأكبر أن ملامح أي تسوية في الأفق لم تتضح بعد، وعلى الرغم من المفاوضات القائمة لم يتم حتى الساعة التوصل الى شيء بعد، طبعاً الأميركي يهمه الوصول الى تسوية مستدامة للصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، التي يعتبرها مقدمة لتسوية نهائية بين العرب وإسرائيل.

مع كل المحاولات الأميركية والى جانبها المصرية والقطرية وغيرها، تقف في وجهها إسرائيل التي ترفض حتى الساعة حل الدولتين في جنوح واضح لليمين السياسي أكثر فأكثر. ويرى نادر أن غالبية المجتمع الاسرائيلي لم تعد تؤمن بالحل السياسي وتؤيد العملية العسكرية، إضافة الى وجود إنقسام داخلي في إسرائيل في ما خص الحكومة خصوصاً بعد ما حدث في ٧ أكتوبر وفي موضوع الرهائن وأيضاً العلاقة مع الولايات المتحدة. من ناحية ثانية هناك انقسام في الداخل الفلسطيني آخر مظاهره بين “فتح” و”الجهاد” وبالتالي الأطراف تعاني على حدة حالة تأزم، كما أن التوصل الى تسوية مستدامة صعب، لأنه برأي نادر حتى لو أراد المجتمع الدولي حصول تسوية فإن الأطراف الأساسية غير جاهزة.

في المحصلة يرى نادر أننا الآن في حالة إنسداد، لذلك يحاول الأميركي الدفع باتجاه انتخابات في إسرائيل لتجديد الفريق الحكومي، والمحاولة نفسها باتجاه الفلسطينيين، لأنه يريد شركاء جدداً في التسوية أو قادرين على مواكبة التسوية التي يسعى إليها.

بالانتقال الى الوضع في جنوب لبنان، يعتبر نادر، أن العنصر الايراني يريد ثمناً لأي تسوية ممكنة، وبالتالي ليس واضحاً ما إذا تم البحث في هذا الثمن، لكن السؤال ما هو هذا الثمن؟ هل هو دور أكبر لـ “حزب الله” في المنطقة أو بالنسبة الى العقوبات؟ وهذا أحد الأسباب التي تشير الى عدم التقدم في أي ملف بما فيها الرئاسة في لبنان.

هذا الوضع الأمني على الجبهة الشمالية يريد الاسرائيليون إقفاله، بتعبير آخر بحسب نادر يريدون تغيير قواعد الاشتباك التي كانت قائمة قبل ٧ أكتوبر، لأنه بعد هذا التاريخ أصبح هناك تهديد فعلي لسكان شمال إسرائيل وبالتالي لا يريدون تكرار مشهد ٧ أكتوبر في مكان آخر، كما أنهم يريدون تعطيل ورقة الضغط التي تمتلكها إيران عبر الحدود اللبنانية-الاسرائيلية.

من هنا يُطرح موضوع الحدود في الداخل اللبناني، فيرى نادر أن أهمية الموضوع تكمن في استعداد “حزب الله” لتطبيق القرارات الدولية خصوصاً الـ ١٧٠١، وهي عملياً تطرح سيادة الشرعية اللبنانية على أرض لبنانية، ولأن هناك انقساماً حول دور “حزب الله”، لذا المخرج الوحيد هو العودة الى الشرعية اللبنانية، لكن نادر يضيف: “ان الداخل اللبناني منقسم انقساماً حاداً، حزب الله وحلفاؤه ومحور الممانعة من جهة، في مواجهة الأطراف الأخرى. حزب الله في المرحلة الحالية ليس قادراً على أن يدفع باتجاه حل سياسي واقتصادي، تقابله قوى سيادية مشتتة وكلٌ يغني على ليلاه، لا يقدرون على أي تحالف ولا أي مبادرة سياسية جامعة من أجل الضغط للوصول الى تسوية في الداخل”.

على الرغم من كل ذلك، تبدو القوى السيادية في حالة انتظار لما ستؤول إليه الأمور في الحرب القائمة والصورة التي ستكون عليها كفة الميزان، هذا مع ما أصبح أكثر من واضح للجميع أن “حزب الله” وإيران ربطا الساحات، وكل المحاولات التي سعت الى تحييد لبنان فاشلة حتى الساعة.

لن ترتاح الحدود ومن غير الواضح اذا كانت ستنفجر أم لا، لكن الداخل كما يبدو بكل حوادثه الأمنية وخصوصاً بعد مقتل باسكال سليمان وردود الفعل التي تظهرت، يمكن أن يسبق فتيل التفجير فيه أي تفجير آخر.

شارك المقال