ايران تزأر واسرائيل تنشب مخالبها!

أنطوني جعجع

هل بقي في بنك الأهداف الاسرائيلية ما يمكن أن يجر ايران الى القتال وجهاً لوجه أو حتى الى القتال من بعيد؟ وهل بقي في جعبة ايران ما يكفي من الذرائع لتبرير سياسة النأي عن أي مواجهات مباشرة؟

سؤال يحيّر العالم منذ الطلقة الأولى في “طوفان الأقصى”، ومنذ اتخذت ايران شكل “المحارب المقنع” القادر على إخفاء وجهه خلف سواعد وكلائه، وهو سؤال لن يجد جواباً له ما لم تقرر ايران الخروج بعدتها وعديدها الى الجبهات بدل الاعتماد على الوكلاء وحروب الواسطة.

لكن الأمر ليس بهذه البساطة، في وقت تعرف ايران أن اسرائيل هي “أميركا الصغرى” في الشرق الأوسط، وأن أي مواجهة شاملة معها لن تكون الا مواجهة مع الولايات المتحدة التي وضعت قواتها في المنطقة في حال تأهب راسمةً خطاً عمودياً بين الخلاف مع بنيامين نتنياهو والخلاف مع الامام الخامنئي.

ويجمع الكثير من المراقبين على أن ايران استخدمت كل الوسائل التي حاولت بها تغيير معادلات ومسارات من دون أي مغامرات عسكرية مباشرة، ومنها الحرص أولاً على ضربة خاطفة في غزة كانت تأمل في أن تؤدي الى تسوية سياسية تفتح لها أبواب صنع القرارات الحاسمة في ملفات المسلمين والعرب، وهو أمر لم يحدث على الاطلاق، والحرص ثانياً على ضغوط عسكرية موضعية وواسعة تمتد من غزة الى البحر الأحمر يمكن أن تؤدي الى تسوية مع الأميركيين ترفع عنها العقوبات الخانقة، وهو أيضاً أمر لم يأخذ مكانه أبداً، والحرص ثالثاً على عدم الضغط على أي زر يمكن أن يفجر حرباً مباشرة مع القوات الأميركية المنتشرة على حدودها البرية والبحرية والجوية والمتأهبة للدخول في أي حرب تراها ضرورية سواء في مواجهة ايران أو ملحقاتها في أي مكان.

ولعل الاتجاه الأخير هو الأقرب الى الواقع على الرغم من الخلاف المتفاقم بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يبحث عمن يقاتله في أي مكان من العالم، في وقت يعرف الاستراتيجيون الايرانيون أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن اسرائيل في أي حرب سواء كانت هجومية أو دفاعية، حتى لو كان ذلك يشبه طعم الحنظل، وفق ما كشف مسؤول أميركي يتابع الفجوة التي تفصل بين واشنطن وتل أبيب.

والواقع أن نتنياهو يعرف ذلك أيضاً ويعوّل عليه، ويعرف أن حروبه في المنطقة لا يمكن أن تنتهي ما دامت ايران ضالعة في ملفاتها، وأن أعداءه هم أعداء أميركا أيضاً، وأنه أمام فرصة تاريخية لتوجيه ضربات كانت محظورة حتى مستقبل قريب، ولا سيما الضربات التي تستهدف المنشآت النووية الايرانية.

وما يساعد نتنياهو في هذا المنحى أن أحداً في الغرب أو في الشرق لا يهضم انتاج قنبلة نووية في طهران، ما يعني أن ضرب المنشآت لن يكون محل ادانة من أحد، وتحديداً من جيرانها الذين يرون في ايران النووية جاراً لا يمكن الركون اليه ولا التعايش معه.

ولعل هذا الهاجس تحديداً هو الذي يمنع ايران من الانتقامات المباشرة أو الكبيرة والاكتفاء بما ينطلق من ترسانات “الحوثيين” و”حزب الله”، معتبرة أن عدم الرد أو الرد المدروس جيداً، يبقى أفضل من رد انفعالي يمكن أن يكون ثمنه تدمير الحلم النووي الذي تدنو من تحقيقه حسب معلومات استخبارية أميركية واسرائيلية.

لكن الهاجس، في نظر المراقبين شيء، والهيبة شيء آخر، مؤكدين أن اسرائيل لم تترك لهذه الهيبة أي هيبة بعدما قصفت القنصلية الايرانية في دمشق، وقتلت مجموعة من ضباط الصف الأول هم الأبرز منذ مقتل قاسم سليماني في بغداد، واضعة طهران أمام واحد من خيارين: اما الرد واما الرد.

ويكشف مصدر في الممانعة أن طهران تجد نفسها الآن في الزاوية الصعبة مجردة من أي عذر يبرر لها عدم الرد، مشيراً الى أن ما أصاب قنصليتها في دمشق، أضاء على أمرين أساسيين، الأول أنه اعتداء مباشر على أراضٍ ايرانية، والثاني أنه أثبت وجود خرق استخباري خطير يصل الى حد التعامل مع أي ايراني أو سوري أو أي عنصر من عناصر الممانعة على أنه عميل أو مشبوه، وهو أمر بدأت بوادره تشوب العلاقات الأمنية والسياسية بين النظامين الحاكمين في كل من سوريا وايران.

وهنا لا بد من أسئلة جوهرية عدة أولها، هل بدأ الرئيس بشار الأسد عملية الانسحاب التدريجي من الهلال الايراني، كما تعهد قبيل اعادته الى الحظيرة العربية، وثانيها هل تسهم موسكو في تجفيف الوجود العسكري الايراني في سوريا في مقابل تجفيف مصادر السلاح على الجبهة الأوكرانية، وثالثها هل تعاني المنظومة الأمنية الايرانية من انقسامات أو من خلل ما سمح لاسرائيل بالتسلل الى أسرارها ورموزها وكل وسائل الحماية لديها؟ وأكثر من ذلك، هل بدأ اللعب بالأوراق الداخلية الايرانية وفي مقدمها ما حدث في بلوشستان أخيراً وقبلها في عمق طهران؟

أسئلة لا تجد اجابات حاسمة، لكن الواضح، أن ايران المحرجة تستعد لعمل ما قد يكون على الأرجح عبر الجنوب، الجبهة الأكثر اشتعالاً على حدود اسرائيل، ما يعني احتمال الدخول في حرب شاملة، واما استنساج تجربة الرئيس صدام حسين عندما قصف اسرائيل بصواريخ “سكود” قبيل الاجتياح الأميركي لبلاده، اضافة الى خيارين اضافيين: اما فتح الجبهات كلها دفعة واحدة تحت شعار الانتقام بالواسطة وليكن ما يكون، واما التعرض لها في رد واسع قد يجرها الى حرب مع معسكر اسرائيلي – أميركي يتحين الفرصة للتخلص من الترسانة النووية الايرانية بأي ثمن.

وثمة أمر ثالث يتمثل في تحريك فلسطينيي الداخل كما تتحرك ورقة بلوشستان من وقت الى آخر وهو أمر غير مضمون النتائج، أو اغلاق البحر الأحمر نهائياً ما يعني الدخول في حرب اقليمية – عالمية، أو تحريك الجبهة الأردنية التي باتت في نظر الايرانيين نسخة عن جنوب لبنان والجولان وهو أمر لن تسمح به السعودية ومصر، اضافة الى الولايات المتحدة، واما أن تبتلع جرحها وتتحول في نظر حلفائها الى أسد وهمي يراهن على زئيره وليس على مخالبه.

في الانتظار نتنياهو المنتشي يصرخ: هل هناك من يريد القتال؟

حسن نصر الله رد ملوحاً بما لديه وليس بما يفعله، وايران اكتفت حتى الآن بالبحث عن مكان وزمان مناسبين لرد قد يظهر في لحظة وقد لا يظهر أبداً.

شارك المقال