البطريرك وجعجع وأدا الفتنة المُخطّط لها من دون تنازلات!

جورج حايك
جورج حايك

لا يبدو أن ما حصل في الأيام المنصرمة كان منفصلاً عن مسار الأحداث من غزة إلى الجنوب اللبناني، ولا نبالغ إذا قلنا إن أي جريمة تحصل في الداخل اللبناني وخصوصاً إذا كانت جريمة لها هوية سياسية كقتل منسّق منطقة جبيل في “القوات اللبنانية” باسكال سليمان، من البديهي أن تكون لها مبررات وذيول أو مرتبطة بمخطط معيّن يخدم جهة معينة.

هذا ما تستنجه أوساط المعارضة اللبنانية التي لم تقتنع مكوّناتها بأن الجريمة ارتكبت لمجرّد السرقة، على الرغم من اتجاه الأجهزة الأمنية الى وضعها في هذه الخانة، إلا أن الرواية التي سُردت حول مقتل سليمان، بدت واهية، وكَتب عنها المحللون، حتى البعيدون عن خط “القوات” السياسي، عشرات المقالات المُشكّكة، طارحين علامات استفهام، انطلاقاً من المعطيات المتوافرة بأنه لم تحصل أي سرقة، فيما تمّت تصفية سليمان بدم بارد، في بداية العملية، ونقلت جثته إلى سوريا!

لا شك في أن الجريمة أثارت نقمة المسيحيين عموماً و”القوات” خصوصاً، ورد الفعل الغاضب في الساعات الأولى كان طبيعيّاً، إلا أن ما حصل فيما بعد، يُثبت أن مخططاً كان يُحضّر له، ما دفع رئيس “القوات” سمير جعجع الى المجازفة بأمنه الشخصي، بعدما توافرت له معلومات عن إمكان حصول بلبلة أمنية، فتوجّه إلى جبيل وبذل جهداً لضبط الشارع الغاضب، أكان من المنفّذين للجريمة من السوريين أو من يقف وراءهم.

كاد الشارع أن يفلت، وشهد حوادث متنقلة ضد السوريين، والسيناريو تقاطع مع ضخّ أنصار الممانعة كماً هائلاً من الأخبار المتناقضة عن الجريمة. ويلفت مصدر نيابي معارض إلى أن “الأمور بلغت ذروة الخطورة مع كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي شنّ هجوماً على القوات والكتائب غير موضوعي، بل فاجأ الجميع بمعلوماته المغلوطة أو ربما المقصودة لتوتير الأوضاع أكثر، متّهماً الحزبين السياديين بأنهما من أهل الفتنة على الرغم من أن القيادتين لم توجّها أي اتهام الى الحزب، واستند نصر الله في إتهامه إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا أمر مستغرب منه كمسؤول بهذا الحجم. ولم يكتفِ بذلك، بل ذكر معلومة بدت من نسج الخيال، بأنهما أرسلا رسائل تهديد الى سكان في جبيل وكسروان، معتبراً أنهما يبحثان عن الحرب الأهلية”.

ويقول المصدر المعارض: “ان كلام نصر الله كان جزءاً من المخطّط المُعدّ، وللأسف هو الذي يبحث عن الحرب الأهلية وخصوصاً أن الجريمة لم تكن لتحصل، لو كانت الأجهزة الأمنية متحررة من هيمنة الحزب ولها القدرة على التحكّم بالحدود واحتكار حمل السلاح، الذي سهّل الحزب حمله للعصابات المتفرّقة”. ويشير إلى أن “كل المعطيات تؤكّد أن العصابة التي قتلت سليمان كانت تتمتع بحماية معيّنة، لذلك استسهلت القيام بهذه الجريمة في منطقة جبيل وقرب مسقط رأس الشهيد سليمان”.

ولا يخفي المصدر النيابي المعارض شكوكه، بل هو مقتنع بأن كل ما حصل كان مُخطّطاً له بدءاً من جريمة اغتيال سليمان، مروراً بحصر هوية مرتكبي الجريمة بالسوريين، وصولاً إلى كلمة نصر الله الاستفزازية والاعتداءات على مركز الحزب “السوري القومي الاجتماعي”.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: ما كان الهدف من هذا المخطّط؟

يجيب المصدر: “لا شك في أن الحزب الذي اتخذ قرار الحرب في 8 تشرين الأول الفائت أصبح يشعر بثقلها ويعاني من ضغط بيئته التي تتعرّض لخسائر كبيرة، وكان نصر الله وعدها بأن حرب تموز 2006 ستكون الأخيرة، وسرعان ما رأت أن بيوتها وشوارعها دمّرت، بل انها صُعِقَت بإنقلاب نصر الله على معادلته بأن سلاحه للدفاع وليس للهجوم، فأثار نقمتها ونقمة كل الشارع اللبناني الرافض للحرب، إضافة إلى أن نصر الله لم يكن يتوقّع في حرب المشاغلة كل هذه الخسائر البشرية، وتبيّن أن هناك فرقاً كبيراً في القدرات التكنولوجية بين اسرائيل والحزب، فسقطت كل معادلاته عن توازن الرعب والردع وغيرهما”.

أمام كل هذه المعطيات يؤكد المصدر النيابي أن “نصر الله يعرف أن اسرائيل لن تقبل الا بتراجعه 10 كيلومترات، وقد تبلّغ رسائل جديّة من الديبلوماسيين الأميركيين والفرنسيين بأن المسألة جديّة، وخياراته ضئيلة: اما التراجع سلمياً أو بالقوة”، لافتاً إلى “أننا كلنا نعرف أنّ النازحين قنبلة موقوتة في لبنان، وبينهم جماعات إرهابية منظمة، وتتولى الأجهزة الأمنية والجيش مواجهتها، لكن من الواضح أنّ هناك محاولة لجرّ لبنان الى حرب على غرار الحرب الفلسطينية كي تنتقل المواجهة الى الداخل تحت عنوان مسيحيون في مواجهة النازحين، بما يوفِّر الغطاء للحزب ليتراجع 10 كلم تنفيذاً لمطالب تل أبيب، لأنه لا يمكنه التراجع سوى بإشعال الداخل لتغطية تراجعه عن الحدود. بمعنى آخر، حاول الحزب حرف الأنظار عن جزيرته الأمنية وتعطيله لمؤسسات الدولة وتسييبه للحدود واتّخاذه قرار الحرب في 8 تشرين”.

لكن هذا المُخطّط تم وأده منذ اللحظة الأولى، ويوضح المصدر أن “القوات نجحت مع حلفائها في المعارضة في إسقاط المخطّط، على الرغم من استفزازات نصر الله، فضبطت شارعها ووجّهت بوصلة المواجهة إلى الممانعة لا إلى اللاجئين السوريين مع ضرورة عودتهم إلى بلدهم، وجعلت من سليمان شهيداً للوطن ولاقت أوسع تضامن في وجه فوضى السلاح والفلتان الأمني والسلاح غير الشرعي، وجاءها الردّ من الشعب اللبناني الذي شجب واستنكر وأدان أن يخرج مواطن من منزله سالماً ويعود إليه جثة هامدة ومضرّجة بالدماء”.

أما وأد الفتنة المخطط لها نهائياً فكان بالأمس، عندما حوّلت المعارضة السيادية وداع سليمان إلى يوم حداد وطني، ويرى المصدر أن “كلمتي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وجعجع دقتا المسامير الأخيرة في نعش الفتنة، من خلال مضمون صريح وقوي لكنه هادئ النبرة، يحاكي هواجس جميع اللبنانيين، رامياً الكرة في ملعب الحزب المأزوم، من خلال تشديد وثاق الوحدة بين اللبنانيين الذين يريدون دولة تحمي حاضرهم وتطمئنهم إلى مستقبلهم في هذا البلد”.

مع ذلك، لم يتنازل البطريرك وجعجع عن مواجهة مشروع الممانعة، وسيستمر المسيحيون اليوم رأس حربة ضد الاغتيال والعنف والحروب والفوضى، لكن جعجع رسم خريطة الطريق، فالمعركة مع هذا المشروع المدمّر تحتاج إلى نفس طويل، والأهداف الكبرى لا تتحقّق غالباً بالضربة القاضية، إنما بتسجيل النقاط الواحدة تلو الأخرى وصولاً إلى الضربة القاضية. واغتيال باسكال نقطة كبيرة على طريق الضربة القاضية ضدّ الدويلة التي أمعنت في الحروب والقتل والفوضى والانقلاب على الدولة ومؤسساتها.

شارك المقال