ملف “النزوح”… لن يتغير شيء… وهذا ما وعد به ميقاتي

ليندا مشلب
ليندا مشلب

عادت أزمة “النزوح” إلى الواجهة مع حادثة مقتل القيادي في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان على يد عصابة أفرادها سوريون. وبغض النظر عن تعدد الروايات حول حقيقة ما حصل والغموض الذي لا يزال يلف الجريمة وأبعادها واصرار “القوات” على تصنيفها سياسية، فإن ملف عودة اللاجئين فتح من جديد وارتفعت الأصوات المطالبة بعودتهم أو ترحيلهم طوعاً إلى بلادهم،. وقد ازدادت الأجواء تشنجاً بعد موجات الغضب التي تلت الجريمة، لكن وبحسب مصدر أمني رفيع فإن هذه الأجواء سوف تتلاشى ما إن ينتهي جناز الدفن وتبرد النفوس، وستعود الأمور إلى ما كانت عليه، فساعة “النزوح” لم تدق بعد ولن تدق قريباً هذا ما يؤكده المصدر لموقع “لبنان الكبير”، والرؤوس الحامية التي أطلقت خطابات التهديد والوعيد ستبرد تدريجياً، لأن الرسائل وصلت إلى المعنيين، “من غير المسموح تجاوز الخطوط الحمر”، والأجهزة الأمنية لا يمكن لها التصرف من دون قرار حكومي والدولة عاجزة عن اتخاذ القرار السياسي، فالمخطط أكبر من الأحزاب وأكبر منا وأكبر من الدولة.

وكشف المصدر أن هامشاً صغيراً مسموح لنا التصرف فيه ضمن أعداد محدودة، أما العدد الضخم والمسجل فلا حول لنا فيه ولا قوة. وجل ما يمكن أن تقوم به الدولة التصرف مع الداخلين خلسة والضغط على المجتمع الدولي لتحصيل مساعدات مالية مقابل تحمل أعباء “النزوح”. كما أوضح المصدر الذي اطلع على جانب من اجتماعات الرئيس القبرصي في لبنان أنه ستجري مقاربة جديدة لملف “النزوح” يعمل بها على خطين: الأول يقوده الرئيس القبرصي الذي سيحمل معه إلى اجتماع بروكسل الشهر المقبل، ورقة اتفاق إطار سيضغط على دول الاتحاد الأوروبي للموافقة عليها، من شأنها تقليص الأعداد عبر الطلب من الـ UNHCR، الدفع للاجئين في بلادهم والعمل على حل ترعاه الأمم المتحدة يسمح لهم بالعودة التدريجية إلى المناطق التي أصبحت آمنة. والثاني عبر إعطاء دعم مادي للبنان من الدول المانحة بالاضافة إلى تزويد الجيش اللبناني بمعدات ووسائل حديثة لمساعدته على ضبط الحدود البحرية التزمت قبرص بتأمين جزء منها.

لكن المصدر قلل من إمكان نجاح هذا المسعى، لأن لبنان مبلّغٌ من دول النفوذ الكبرى ببقاء السوريين في الوقت الحالي. وهذا هو السبب وراء تهرب مفوضية اللاجئين من تزويد مديرية الأمن العام بالداتا الكاملة، إذ اكتفت بإعطاء الأسماء من دون تواريخ الدخول والتسجيل لكل نازح سوري، هذه التواريخ مهمة جداً وهم يمتلكونها لكن لا يريدون تسليمها “ليضيعوا الشنكاش”، علماً أن الأمن العام يقوم بمحاولات لإعادة الحصول عليها. فالأسماء التي تم تسليمها تعود الى مليون و٤٨٦ ألف لاجئ، وهو عدد المسجلين اما المتبقون والذين يفوق عددهم الـ ٥٠٠ ألف، فقد دخلوا اما خلسة واما لديهم إقامات. ولم يخف المصدر مخاوفه من استمرار وجود مخطط التجنيس، سائلاً: ما هو مصير مكتومي القيد وعددهم في إحصاءات سابقة حوالي ٤٠٠ألف؟ هل سيحصلون على الجنسية اللبنانية بحسب قوانين الجنسية والأحوال الشخصية؟

شرف الدين متخوف

وزير المهجرين عصام شرف الدين توقف عند التطورات الحاصلة في ملف “النزوح”، وقال لموقع “لبنان الكبير”: “ذهبت إلى سوريا مرتين، مرة بصفة خاصة ومرة بتكليف رسمي بعد أن تلكأ باقي الوزراء المعنيين بملف النزوح ورفضوا الذهاب إلى سوريا، وهي الدولة المعنية والأساسية، وقد رفضوا حرصاً على المصالح الآنية والمستقبلية لمرجعيتهم السياسية، وارضاءً لأميركا، التي فرضت عليهم عقوبات، والتي تحول دون ترشح رئيس الكتلة إلى رئاسة الجمهورية المرتقبة. على الرغم من ذلك، لقد أنجزنا ورقة تفاهم مع وزير الادارة المحلية في سوريا وهي الوزارة المعنية بملف النزوح السوري لتطبيق خطة وزارة المهجرين وكان التجاوب تاماً من السلطات السورية، وبدأنا بتسجيل لوائح بأسماء الراغبين في العودة الطوعية وكان ذلك بعد وقف محاولات المعرقلين التي دامت ٧ أشهر”.

وأوضح أن “وزارة المهجرين قدمت حلاً عملياً لعودة تدريجية منذ سنتين تنسجم مع الوضع الاقتصادي المأزوم في سوريا، بحيث بدأنا بقوافل العودة الطوعية سابقاً بنجاح”، مضيفاً: “بعد إصرار وزارتنا، ومع التأخير الذي حصل وفقدان القرار السياسي لمدة سنة ونصف السنة، فقد عدنا وبعد التكليف الرسمي من مجلس الوزراء وبدأنا بتسيير قوافل العودة من جديد، وسلمنا لوائح أولية للأمن العام اللبناني لأول قافلة جديدة وتليها لوائح للقوافل الأخرى. اما بالنسبة الى تاريخ القافلة الأولى، فستكون بعد تسلمنا الموافقة على الأسماء من الأمن الوطني السوري وأقدر بأنها ستكون بعد نهاية عطلة الأعياد”.

وحول الموقوفين السوريين الذين باتوا يشكلون ٣٧٪؜ من نسبة السجناء، كشف شرف الدين أن وزير الداخلية السوري اللواء محمد الرحمون أكد أن ليس لدى السلطات السورية أي مانع من تسلمهم، والمطلوب من وزير العدل ووزير الداخلية اللبنانيين التواصل معه لحل الموضوع، وقد أعدّ رئيس رابطة العمال السوريين لائحة من ٢٥٠ سجيناً أبدوا استعدادهم للانتقال إلى سوريا واستكمال مدة عقوبتهم في سجونها “لكن التباطؤ والتلكؤ يحصلان للأسف من جهتنا”.

وإذ أبدى شرف الدين تخوفه من التسلح السوري داخل المخيمات وحتى في المناطق خارجها، رأى أن جريمة الضحية باسكال سليمان تقع في خانة السطو المسلح والعصابات وليست جريمة سياسية ولا يجوز تسييسها، وبانتظار أن تجلى الحقائق، تبقى جريمة سرقة، وراءها عصابات قتل ومخدرات وتبييض أموال باعتراف المعتقلين ومنفذي العملية.

حجار: قرارات خارجية خطيرة

‏وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار لا يرى من موقعه تغيراً جذرياً أو مفصلياً سيطرأ على ملف “النزوح”. وقال لموقع “لبنان الكبير”: “لم أسمع شيئاً مختلفاً، بالتأكيد ان سياق الأمور سيتطور بطريقة غير معروفة حتى الآن ولكن هل هناك قرار واضح بحل الأزمة؟ لا أعتقد. هل هناك خط خارج الاطار؟ لا أعتقد. طلبت أن نضع action plan في الاجتماع السابق، ولم أسمع رداً أو تجاوباً، والسؤال اليوم: هل الحوادث التي تحصل ستضع الملف في أطر مختلفة؟ لا أحد يعلم وعلينا ترقب الأمور”.

وتابع حجار: “قبل أسبوعين كان هناك اجتماع للجنة الوزارية في السراي، قدمت خلاله ورقة ‏مبنية على مقاربة تقول انه ضمن الأجواء والمتغيرات الحالية الأوروبية وصعود اليمين المتطرف ‏وانخفاض حجم المبالغ المعطاة للسوريين وخفض الدعم للنازحين، كيف يجب مقاربة الموضوع، ووضعت سلسلة نقاط توازي بين المصلحه اللبنانية وهواجس الأوروبيين من تصدير النزوح وتطمئنهم إلى أن أموالهم ومساعداتهم تذهب في الاتجاه الصحيح. ‏من هو نازح فعلاً ‏تطبق عليه معايير النزوح، ومن هو غير نازح يجب أن يتم التعاطي معه ضمن مقاربة مختلفة اما عامل أو ليس عاملاً، والأخير يجب أن يعود إلى بلاده ولا يجب أن يبقى في المخيمات أو في الداخل فاتح عحسابه”.

‏وعما إذا كان هناك تطور يجعلنا نجرؤ على أخذ القرار الآن؟، أجاب حجار: “ما تغير هو المنظور الدولي بالنسبة الى ملف النزوح فقط اما على صعيد الداخل فلا زلنا في مرحلة اللاقرار. هناك قرارات قوية خارجية تأخذ خصوصاً لجهة تخفيف الدعم المادي، وفي الداخل اللبناني الأمور كلها سلبية لا سيما ارتفاع نسبة الجريمة على يد السوريين وعدم الاستقرار الاجتماعي، ثم هل ان الدولة اللبنانية هي من سيتحمل ‏انخفاض الدعم المادي الأوروبي؟ يجب أن تكون لدينا المبادرة، آن الأوان لأن نأخذ القرار على مستوى الداخل وعلى مستوى الحكومة، وعدم انتظار الخارج”.

‏لقد خفضت مفوضية اللاجئين في المرحلة الأولى 88,600 عائلة، من الدعم المادي ومنذ مدة تم شطب 35,000 عائلة دعم بونات وغذاء من أصل 72,000 عائلة، بحسب حجار الذي قال: “مواقفي واضحة وضوح الشمس، خلي غيري يقول ويعطي رأيه بصراحة، اللي ما بيهتم ببيته ما ينطر حدا يهتم فيه واللي ما بيهتم بسيادته ما ينطر حدا يهتم فيها”.

‏علينا أن نعلم ماذا يجب أن نفعل ولا نقع في المخاوف ونصبح أسرى لها، ‏فمن لديه مخاوف ليلجأ إلى طبيب نفسي للعلاج، لكن مستقبل شعب وبلد لا يدار بالمخاوف، القول غير مربوط بالفعل، وهذا واضح في السياسة المتبعة في ملف “النزوح”، ‏فليتحمل كل طرف مسؤوليته، ما أتابعه واضح ودقيق وأكبر من مستوى وزير للشؤون، ‏فيجب الكف عن التلطي خلف شعارات وانتظار اتجاه الريح لتحقيق مكاسب على حساب البلد. الحكومة ورئيس الحكومة هما من يجب أن يتخذا القرارات، وهناك وزارة الخارجية ووزارة الداخلية وهذا ملف أمن قومي. فلنأخذ القرار ونخلص لبنان قبل فوات الأوان.

شارك المقال