تداعيات الرد الايراني على لبنان

زياد سامي عيتاني

لا شك في أن الرد الايراني على إسرائيل، والذي كان متوقعاً، شكل نقطة تحول غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين البلدين، ما دفع إسرائيل الى إطلاق أكثر من 700 صافرة إنذار، وإنفاقها 1.35 مليار دولار للتصدي للصواريخ والمسيرات الايرانية، بحسب ما أوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فيما قدرت “نيويورك تايمز” أن الولايات المتحدة خسرت نحو مليار دولار، لأنها كانت الجهة الأهم في عملية التصدي.

وعلى الرغم من كثافة أعداد المسيرات والصواريخ التي أطلقتها طهران، فإن فاعليتها التدميرية كانت محدودة، لا بل “رمزية”، بحيث جاء الرد الايراني بعد جهود ديبلوماسية جرت تحت الطاولة لاستيعاب حجمه. وكشفت المصادر الاستخبارية الأميركية أن إيران طمأنت الولايات المتحدة الى أنه لن يتم استهداف قواتها وقواعدها العسكرية ما لم تشارك في الرد على الهجوم. وهذا ما يؤكد عدم رغبة طهران بالذهاب بعيداً في التصعيد، والاكتفاء برد مدروس ومحدود ولمرة واحدة، من دون الانجرار إلى حرب إقليمية (يسعى إليها بنيامين نتنياهو)، إنسجاماً مع خيارها منذ إندلاع حرب إبادة غزة، بتجنب الحرب، والاكتفاء بالإيعاز الى حلفائها، وتحديداً “حزب الله” بالمشاركة في دعم غزة بصورة مضبوطة، من دون الخروج عن قواعد الاشتباك.

وبما أن جبهة جنوب لبنان هي الأنشط، نظراً الى ما يمتلكه “حزب الله” من حرية التحرك والإنفراد بكل القرارت السياسية في لبنان، فضلاً عن ترسانته النوعية من الصواريخ والقدرات القتالية والتنظيمية، فهذا يجعل اللبنانيين يعيشون حالة من القلق والترقب، لما يمكن أن يترتب من إنعكاسات خطيرة على لبنان، في أعقاب الهجوم الايراني على إسرائيل.

وما يزيد من منسوب القلق والتخوف، أن عشرات الصواريخ أطلقت من جنوب لبنان نحو الجليل والجولان السوري المحتل، توازياً مع الهجوم الايراني، بينما أعلن الجيش الاسرائيلي عن استهدافه ما وصفها بمواقع لـ”حزب الله” في شرق لبنان عند الحدود مع سوريا، كما قال إنه قصف منشآت عسكرية في مجمع تابع للحزب في منطقة جباع جنوب لبنان.

وإطلاق “حزب الله” الصواريخ بالتزامن مع الهجوم الايراني، قد يعطي إسرائيل ذريعة للانتقام من إيران في لبنان، من خلال توجيه ضربة الى الحزب بحجم الرد الايراني، بدلاً من الرد المباشر داخل الأراضي الايرانية، وبذلك تكون إسرائيل قد إلتزمت بالتوجهات والضغوط الأميركية بعدم جر المنطقة إلى حرب إقليمية.

بانتظار التطورات التي ستتكشف تباعاً، لا تزال تداعيات الهجوم الايراني تتفاعل، ومن الصعوبة بمكان تقدير حجم الرد الاسرائيلي، ومدى نجاح الولايات المتحدة في لجمه حتى لا يتطور الى حرب إقليمية. لذلك، فإن مصير الجبهة الجنوبية بعد الهجوم الايراني يتوقف على طبيعة الرد الاسرائيلي على إيران وحجمه، وبالتالي مدى قدرة إسرائيل على الالتزام بما طلبته منها واشنطن لجهة عدم الهجوم على إيران، خصوصاً وأن الصواريخ التي أطلقها الحزب توازياً مع الهجوم الإيراني كانت محدودة عددياً، وتعاملت معها إسرائيل، وفقاً للمواجهات اليومية، بما يعني أن إيران التي لم تستخدم أذرعها للانتقام من إسرائيل، لا تريد تغيير المعادلات وقواعد الاشتباك بين الحزب وإسرائيل، ما يجعل “حزب الله” ملتزماً بالسقف الذي وضعه لنفسه بالتنسيق مع إيران بإبقاء الجنوب اللبناني “جبهة مشاغلة”.

كذلك، يرجح المحللون أن لا مصلحة في المدى المنظور لنتنياهو في فتح جبهة الجنوب على نطاق شامل، لأنه سيستغل التعاطف الغربي مع إسرائيل بعد الضربة الايرانية، ما سيدفعه الى تنفيذ خطة إجتياح رفح وتصعيد ضرباته في غزة، فالجنوب ليس أولوية له قبل التمكن من حسم الموقف الميداني في غزة، وبالتالي الدخول إلى رفح، وبذلك فإن الجبهة الجنوبية مرشحة للبقاء على الوتيرة نفسها، إلى حين تهيؤ الظروف للبحث في الواقع الجديد.

شارك المقال