نقل عن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة تعليقه عندما قال له أحدهم إن اللبنانيين سيعانون بسبب انخفاض سعر صرف الليرة، “بكرا بيتعودوا”. وفي بداية الحرب في ٧ تشرين الأول، كان كل تصعيد اسرائيلي يسبب جدلاً، بل وصدمة في بعض الأحيان، لا سيما مع التوسع التدريجي للاعتداءات، إلا أن القصف الاسرائيلي أصبح بعد نحو ٧ أشهر من الحرب، روتيناً يومياً لدى اللبنانيين، يتابعون شؤونه على فنجان قهوة ويكملون حياتهم كأن شيئاً لم يكن، حتى لو قتل مدنيون، يترحمون عليهم، ويعودون الى شؤونهم، فهل تعوّد الشعب اللبناني على الحرب؟
دكتورة علم النفس في الجامعة اللبنانية البروفيسور رشا تدمري أشارت في حديث لـ “لبنان الكبير” إلى أن “التعود أمر طبيعي عند غالبية الناس، لا سيما أن هذه الأحداث في لبنان ليست الأولى من نوعها، فنحن معتادون على العنف، وقد أثارت بعض الاهتمام في بداية الحرب، ولكنه خفّ تدريجاً، خصوصاً لمن يعيش بعيداً عنها، ويسمع أرقام مناطق وأسماءها فقط”.
ولفتت تدمري إلى أن “الانسان لديه تخمة من مشاهد العنف، فأصبح عنده تبلد في المشاعر تجاهها، مثلاً الألعاب الالكترونية التي يلعبها الشباب، الذين يشكلون الأكثرية في المجتمع، بالاضافة إلى ذلك هناك التعامل مع الأحداث من المقاربة السياسية، التي تعتمد فكرة فصل المناطق، أي عندما يقسم السياسيون الشعب الواحد مناطقياً”.
وتواصل “لبنان الكبير” مع عدد من الناشطين للوقوف عند رأيهم حول اعتياد الحرب، وكانت الآراء نوعاً ما متشابهة، بحيث أكدت الغالبية أنها كانت في بداية الحرب عندما يصل خبر قصف أو مجزرة أو اغتيال، تتابع الأخبار بصورة متواصلة وتتصفح المواقع والغروبات وتتصل لتسأل معارفها في المنطقة المستهدفة عما جرى، وكانت تنشر المشاهد على حساباتها على مواقع التواصل بين استنكارات وتخوف من التصعيد، أما اليوم فقد ترتكب اسرائيل مجزرة، وبالكاد يهزها الأمر.
وقال أحد المقيمين في الجنوب: “في البداية كانت الأصوات والارتجاجات التي يتسبب فيها القصف الاسرائيلي تثير الرعب عند الأهل والجيران، أما اليوم فحتى الأطفال أصبحوا يلعبون مع صوت القصف، بل البعض منهم جعل من الأصوات ومشاهد الدخان لعبة”. ولكن الشاب الجنوبي لا ينفي شعوره بالخوف عندما يكون الصوت قريباً، أو “يرجّ” المنزل، معتبراً أن البعيدين عن الجنوب لن يشعروا بما يشعر به أهله.
وأشار أحد الناشطين الذي يعيش في بيروت إلى أن التعاطف الكبير مع ما يحصل في الجنوب، في بداية الحرب، أثر على أسلوب حياته، ولكن بعد مدة، حين تبين أن الحرب ستطول، عاد الى ممارسة نشاطاته كافة، لافتاً الى أن “النايت لايف” كذلك تأثرت بداية، وكانت المطاعم والملاهي شبه فارغة، ولكن بمرور الأيام عادت حركتها إلى طبيعتها، بل ان هناك تشوقاً كبيراً لمهرجانات الصيف، علماً أن التعاطف لا يزال موجوداً، ولكن “الحياة يجب أن تستمر”.