fbpx

جدل حول تعويضات الحرب… بين “الحق” و”تدمير” الدولة

محمد شمس الدين
الجنوب اللبناني
تابعنا على الواتساب

أقر مجلس الوزراء في جلسته أمس تعويضات بقيمة 93 مليار ليرة للمتضررين في الحرب على الجنوب، وعلم “لبنان الكبير” أن هذا المبلغ سيوزع على ورثة الشهداء في القصف الاسرائيلي، وسيطال نحو 50 عائلة، كدفعة أولى من دفعات متتالية، وسيخصص لكل عائلة نحو 20 ألف دولار.

وقد أثار هذا الأمر الجدل من جديد، لا سيما من جهة المعارضة، التي تعتبر أن “حزب الله” هو من ورّط لبنان في هذه الحرب، ويحتكر قرار الحرب والسلم، وبالتالي لا يجب أن يحمّل كل اللبنانيين تبعات الحرب.

واعتبر عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب رائد برو في حديث لـ “لبنان الكبير” أن الجدل هذا هو نتائج “الانقسام العمودي في البلد، فنحن لدينا مشكلة جوهرية بتحديد من هو الصديق ومن هو العدو وكيفية التعامل مع كل منهما، وبالتالي منشأ الخلاف في البلد يبدأ من هنا، فإذا لم تكن مشخصاً أن هناك تهديداً، ولا كيفية التعاطي معه، ولا الادراك أنه يجب بذل التضحيات لمجابهة هذا التهديد، من الطبيعي أن يختلف معك الآخر في موضوع التعويض، أو المشاركة معك في التخفيف عن الناس، الضحية في هذه المقاومة والصمود، وبالتالي منشأ الخلاف في البلد هذا سيتكرر، وهو يتكرر منذ العام 1948، وكل مرة بصورة مختلفة تماماً”.

وأشار برو الى أن سياسة الحزب في التعاطي مع هذه الاعتراضات هي أن هذا الأمر أقر في مجلس الوزراء ويمكنهم الاعتراض وفق الآليات الدستورية، مذكراً بأن ليس في البلد ملف واحد عليه إجماع، من “ملف النفايات إلى النقل إلى الكهرباء إلى التعويضات، إلى النزوح، كل الملفات في البلد تحظى بنصف اجماع كحد أقصى على مستوى التأييد أو المعارضة، فلماذا نسلط الضوء على هذا الملف، ونضعه في مكان يظهر أنه نقطة ضعف للمقاومة أو جمهورها”.

وعن عدم اعتراض الحزب على تعويضات سابقة لا علاقة لها بالجنوب أو الحرب، قال برو: “نحن بي الكل ومن الطبيعي أن لا نعترض على أي تعويض، بل نرفض أن نضع ملفاً مقابل ملف، نحن معنيون بكل من تضرر إن كان بانفجار مرفأ بيروت أو حالات أخرى، ولا نقبل ببعض المفاهيم التي يسعى إليها العدو الاسرائيلي بوضع الناس والطوائف والأحزاب مقابل بعضها البعض، الكل سواء، ويجب فرض تعويض على كل متضرر، هذا واجب”.

وأكد أن “هناك أمراً أساسياً ومهماً، مثلما أدرك الآخرون أهمية دخول المقاومة في ملف التكفيريين بعد سنوات من سقوط دم الشهداء، سيدرك اللبنانيون أهمية هذا التدخل والمساندة”.

في المقابل، أشار عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك إلى أن “الأمر ليس متعلقاُ بموضوع تعويضات الناس التي تضررت في الجنوب، ولو كان كذلك لكنا من عيوننا نقدم للناس التي خسرت أحبابها وتدمرت بيوتها، الأهم هو دولة يتم تدميرها، ومنظومة قيم تدمرت، والدستور تشلع، فهناك من يحمل سلاحه على خصره، يفرض القانون الذي يريد، وإذا لا تسير مع هذا القانون الانقلابي تكون تتآمر على المقاومة”.

وقال يزبك: “فريق من دولة معينة يجر دولة بكاملها الى حرب بقرار من نفسه، هذه لم تحصل في تاريخ الدول، التعاطي معها يكون بمنحى سياسي ولكن هناك اسقاطات قانونية لها أيضاً، فعام 2006 حصلت معركة، جرنا الى حرب، وفي النهاية قال لو كنت أعلم، وقد كلفت الحرب نحو 3-4 مليارات دولار تقديرياً، ولم يسأل أحد هذا الرجل (حسن نصر الله)، جرّ البلد أول مرة، واليوم يجره الى حرب، مضى عليها 8 أشهر، ويجري التدمير بطريقة منهجية”.

ولفت إلى أن الأضرار البشرية والمنازل يمكن احصاؤها ولكن “ماذا عن غير المنظور، التي انعكاساته على اقتصاد الجنوب، بل لبنان كله، وسياحة وتجارة لبنان كله؟ فاذا لم يكن هناك مسؤول، ليسقط ما يسمى الحق العام في القانون اللبناني”.

وتساءل يزبك: “من يعوّض على الذين أغلقت مؤسساتهم، ودمرت كباب رزق، من المطاعم إلى المدارس؟ التجارة توقفت، السياحة توقفت، ما هي قدرة الدولة على التعويض عن برغي سيارة؟ نحن اليوم نجمع المال في المناطق من أنفسنا كي تستمر سيارات الدفاع المدني وأوجيرو والكهرباء في العمل”.

وشدد يزبك على أن “هذه الإشكالات الناتجة عن احتكار الحرب، لأن هؤلاء لا يعرفون السلم، يعودون بعد الحرب رافضين الاعتراف بأنهم أصيبوا بالدمار، يمارسون الفوقية عليك، يضربون المؤسسات، يعطلون رئاسة الجمهورية، يتسببون في الشغور بمؤسسات الدولة والمؤسسات الأمنية، يعطلون السياحة، ويريدون أن يفرضوا عليك رئيس جمهورية للاستمرار بالنهج نفسه، ويأخذونك إلى أبشع الأوضاع، بإشاعة لا يريدون لبيوتنا في الجنوب أن تعمر، ويحاولون إظهارنا كأننا نساهم مع اسرائيل في تدمير الجنوب، علماً أن كل ما نريده هو دولة واحدة وشعب واحد، ولكن للأسف نحن لم نعد في دولة”.

أضاف: “إذا كان التعويض يطوي الصفحة، ويتوقفون عن احتكار قرار الحرب والسلم، فلا مانع لدينا، ولكن هم في حرب تموز جرونا إلى حرب، وبعدها نفذوا فينا 7 أيار، وعلى أساس أن كل ما تسبب فيه الفلتان وعدم احترام المؤسسات انتهى في اتفاق الدوحة، إلا أنهم لم يتلزموا بأي بند، أخذوا ما يسمى الثلث المعطل، وأخذوا وزارة المال، وفي الـ 2024، عدا أنهم أخذونا إلى حرب لا عودة منها، يريدون أخذ رئيس جمهورية يكمل بالمسار نفسه، لا معليش، إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا، أهل الجنوب من عيوننا نعطيهم، إلا أننا لا يمكن القبول بالمنطق الانقلابي بقوة السلاح، والذي إن لم تسر معه تصبح متآمراً على المقاومة، كلا نحن لسنا ذميين ولا مللاً في هذا البلد”.

تجدر الاشارة الى أن موضوع الخلاف على التعويضات ليس بجديد، لا سيما منذ العام 2006، وبعد حرب تموز، حيث رفضت في حينه 14 آذار أن تدفع الدولة ما اعتبرته مغامرة “حزب الله”، ولعل أشهر أشكال ذلك الخلاف كان في مجلس الوزراء بين الوزير الراحل بيار الجميل ووزير “حزب الله” محمد فنيش.

يذكر أن مبدأ التعويضات للمتضررين من الأحداث (مهما كانت طبيعية حرب، وحتى ضربة اقتصادية) هو مبدأ قانوني ودستوري، وهناك الهيئة العليا للاغاثة التي يفترض أن تمر عبرها كل التعويضات وفق القانون، وفي العام 1999 تمت المساواة بين شهداء المقاومة وشهداء الجيش اللبناني، وعام 2001 تم التعويض للسائقين العموميين بسبب انتقال الدولة اللبنانية من المازوت إلى البنزين منعاً للتلوث، وأعطيت تعويضات كثيرة عبر التاريخ اللبناني، إن كان لضحايا كوارث طبيعية أو انهيار مبنى في مكان ما، البعض كان يدفع من الدولة وخزينتها والبعض الآخر كان يأخذه سياسيون على عاتقهم الشخصي كالرئيس الشهيد رفيق الحريري مثلاً، عدا عن التعويضات التي كانت تتبناها دول صديقة لا سيما الدول العربية.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال