“الشرق الأوسط” منطقة “تجريب” جاذبة للفوض ومغرية للإستعمار والتدخلات الخارجية، وفرة المقدرات السائبة جعلت الاقليم منطقة بلا نظام وتدخل من دون استراتيجيا على رأي الشهير كيسنجر مغامرات متكررة وفوضى عارمة منعاً للاستقرار الشرط الأساس للبناء الذاتي والتنمية.
الوقت الراهن يدفع بالاستعراضات الأطروحية لصالح رد الفعل وقوة اللحظة وفائض الأوهام، نحو المرحلة الآنية وزحمة الممرات.
“ممر داوود، الهلال الشيعي، طريق الحرير…” الممرات، من دون الدخول في معانيها الاصطلاحية وهي تشق طريقها في أماكن شديدة التركيب هي في السياسة أطماع وفي الايديولوجيا استعباد للغوييم، يتم اسقاطها اقتصاداً ورفاهةً واستقراراً وسلاماً بما لا يحتملها الواقع قوالب نمطية جاهزة، بقصد تدجين المنطقة العربية، بحيث تساهم الأخيرة طوعاً أو كرهاً في مسخ ذاتها على الصورة المرادة لها.
عرض نتنياهو مؤخراً في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطة جديدة للشرق الأوسط تكشف عن نيته إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالح كيانه.
رسم فيها سهماً أحمر يبدأ من منطقة خضراء أخرى في الشرق الأقصى، أي الهند التي ترتبط هي الأخرى بعلاقات جيدة مع الكيان الاسرائيلي، ويمر عبر الامارات والسعودية والأردن ثم “إسرائيل” نحو أوروبا. وهي إشارة إلى خط تجاري بحري وبري مُفترض سيربط الشرق الأقصى بأوروبا، هذه الخريطة لم تكن مجرد رسم جغرافي، بل أظهرت رؤية نتنياهو لما وصفه بـ “محور النعمة”، الذي يضم بعض الدول العربية، في مقابل “محور النقمة”، الذي يشمل إيران وحلفاءها .
من قبل رسمت ايران هلالاً شيعياً انطلق من طهران مروراً باليمن والعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان.
أثبت النظام العالمي أنه مع كل وهم يتغير المرجع بتغير التركيب، الإقليم من هنا وصاعداً “لن يسبق الخريطة الشرق أوسطية الجديدة” انما هي التي تسبقه وتغمره وتخفيه لتبرز حقيقتها كواقع مجتث من أصوله ومبتور عن لاواقعيته، “إن” الخريطة هي حقيقة الحقائق من دون مرجع واقعي يربط بين ما هو مشار اليه ومحرر في المكان والزمان وصورته المصغرة وحقيقته المختزلة في الخريطة. في معرض السيمولوجيا على المستوى الفردي والجماعي يكيّف العرب والمسلمون أحوالهم طواعية مع الـ”pose” الجديد ويجعلون من ذاتهم موضوعاً ومشهداً قبل أن تلتقط لهم الصورة” صور عن صور لصور عن صور.. الى ما لا نهاية، انهم في عالم صنمية الصورة والموقف علاقتهم بالسلع الوافدة طغت على علاقتهم بذاتهم وببعضهم البعض وبقضاياهم المشتركة وتحولوا هم أنفسهم الى سلعة خاضعة لنسق التبادل السلعي بل ان صنمية الصورة والموقف طغت على صنمية السلع!
من بوابتي غزة والضاحية يتم تدخين المنطقة بحدها الأقصى بمزيد من التوسع والانفلاش وفق مقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، تمهيداً لعودة المخلص، تعددت تسميات الممرات لكنها في حقيقتها مجرد مسيح دجال بأدوات للتحكم والسيطرة بالمخيال الميديائي القائم على التشكيلات الرقمية والتراكيب العددية اللامتناهية لإضفاء البعد الافتراضي على الواقع الفعلي عن طريق لعبة الرقمنة المسؤولة عن خلق نماذج مقولبة تعبّر عن واقع بمزيد من التضليل!
من غير المنطق التسليم بالزهايمر السياسي الايراني في غزة والضاحية وفق مقولة “اذهبا أنتما وربكما فقاتلا إنا ها هنا قاعدون” وبأوهام نتنياهو وهو يلحس المبرد بلسانه الطويل وفكره القصير، بتعنته السياسي والايديولوجي بامعانه في ارتكاب الجرائم والمجازر في حق المدنيين في فلسطين ولبنان.
وانه على الرغم مما يحدث من تغول اسرائيلي إيراني فاليوم التالي للمنطقة سيبقى عربياً واسلامياًولن تغيّره تل أبيب أو طهران أياً كانت تسمية ممراتهما.