أميركا ورانا ورانا؟!

وليد طوغان
وليد طوغان

انتحار الأطفال والمراهقين ظاهرة مؤرقة في اليابان. لسنوات والأطفال والمراهقون ينتحرون بالعشرات. ارتبطت حالات الانتحار كثيراً بقرب العام الدراسي، والمجتمع هناك منذ سنوات فى قلق.

لم يعرفوا للظاهرة سبباً. وبالتالى لم يعرفوا علاجاً.

العام الماضي اكتشف طبيب ياباني شاب أن موسيقى الراب و”الهيفى ميتل” الأميركيتين هما السبب. وقال إن الحل في الموسيقي الكلاسيك. فما تفسده الموسيقى، لا يمكن إلا أن تعالجه الموسيقى.

الطبيب اسمه يوهاريتو. وهو اكتشف أن إدمان صغار السن على موسيقى الراب وأغاني “الهيفى ميتل” أدى إلى اكتئاب، والاكتئاب أدى إلى الانتحار، ثم جاءت كورونا لتزيد الطينة بلة كما نقول في مصر.

قال يوهاريتو إن الموسيقى هي التي لعبت بأدمغة الأطفال وهى سبب الأزمة.

موسيقى الراب فوضوية، مستهترة، وموسيقى الهيفى ميتل تثير الأعصاب وتؤدى لتغيرات فى كيمياء المخ، بينما الطفل الياباني هادئ لم يعتد الخبط بالغيتار، ولا الضرب على الدرامز.

الموسيقى المعروفة حول العالم بالهيفى ميتال مشهورة منذ سنوات، بإعجاب لا حد له بين الشباب. لكن فى اليابان لم يكن أحداً يعرفها. وفى السنوات الأخيرة انتشرت بين الأجيال الجديدة فبدأوا يسمعونها ويغرمون بها ويرقصون على أنغامها فى الشوارع، مثل الشباب في الولايات المتحدة.

يبدو أنه في اليابان أيضاً، ومع العولمة، والتغيرات والحاجات والمحتاجات، هناك من أراد الانفتاح على الغرب، فبدأ بموسيقى الغرب وتسريحات شعر الغرب. ثم جاءت البلاوى الأكبر من موسيقى الغرب.

وقد نشرت الصحافة اليابانية دراسات للطبيب يوهاريتو، قلبت الدنيا، بعدما بدأ جلسات علاج للناجين من محاولات انتحار بالموسيقى الكلاسيك. ومنع الطبيب الذى أصبح حديث المجتمع الياباني الأطفال الخاضعين للعلاج من موسيقى الراب تماماً.

مراكز كثيرة لطب نفس الأطفال بدأت هي اايضا دورات في ثقافة موسيقى الكلاسيك، في محاولة استرداد تلك الأجيال من التلوث السمعي، في إطار جهود أكبر لمنع انتحار المراهقين والصغار.

كانت أزمة، وفي الأزمات يقوم المجتمع الياباني ولا يقعد. وعرف الخبراء أن انتحار المراهقين ليس هو الأزمة الاجتماعية التي يجب توجيه الجهود إليها، بل هي انتشار موسيقى الغرب التي يجب النظر إليها على أنها أزمة فاحشة مقيتة.

بعد اكتشاف “السر”، تلقفت لجان المساءلة، وبدأت الحكومة تنظيم حملات توعية واسعة النطاق في الأقاليم والمدن البعيدة عن العاصمة.

وحسب الاحصاءات، فإن أطفال العاصمة طوكيو لم يعانوا من سم موسيقى الراب والهيفي ميتل مثلما كان يعانى أطفال الأقاليم. لذلك كان القرار: حصار بيوت الأقاليم بأنواع مختلفة من الموسيقى المحترمة، وإذا حدث ولم يتقبل الشباب فى الضواحي موسيقى الكلاسيك، فلابد من إرغامهم على العودة إلى موسيقى اليابان التراثية، بأي نوع من الإجراءات، حتى ولو كان منع تداول أي نوعيات أخرى من الموسيقى، ولو وصل الأمر إلى محاولة منعها من النفاذ إلى هؤلاء الضحايا من على الإنترنت !

في الأزمة، تحولت ضواحي جزر هنشو وكيوتو إلى خلايا نحل. وظهر خبراء وكلموا الشعب بالحسنى وطرحوا التساؤلات: من قال إن الراب موسيقى؟ أي عاقل يعتبر الهيفي ميتل موسيقى؟ أي عاقل يمكن أن يسمي ذلك النوع من الخبط والضرب لحنا؟ كله كلام فارغ. فالراب أو الهيفي ميتل مجرد إيقاعات أتى بها العبيد الأفارقة إلى أميركا، ثم طورها المهاجرون من الكاريبي، قبل أن يضربوا بها العالم في وجهه… ويسمونها موسيقى…طبعاً هى ليست كذلك.

المهم في الحكاية أن في اليابان عقولاً تحلل، وشخصيات تدرس، ولجاناً تتوصل إلى حلول.

وعندما درس الخبراء أزمة الموسيقى، وعلاقتها بحالات الانتحار، توصلوا إلى أنه في الولايات المتحدة أنماط كثيرة من الأنغام، أغلبها سبق واستخدمتها القبائل الأفريقية القديمة لطرد الأرواح الشريرة من الخيم ومن أجساد الملبوسين.

لكن.. لما جلب الأفارقة لأميركا كعبيد، شهدت تلك الأنواع من الموسيقى رواجاً لا يعرف أحداً سببه، ولا سبب استمراره. بعضهم قال إن السبب الأساسي لانتشار تلك النوعية من هذا التلوث السمع الهجين، وتسربه داخل المجتمع الأميركى بهذا الشكل وبهذه الكيفية، هو أن المجتمع الأمريكى نفسه هجين، أي شىء فيه يمشي… وأي شيء فيه ممكن تسميته فنا وموسيقى.

لكن الفرق بين المواطن الأميركي والياباني كبير. الأخير هادئ التكوين، هادئ النفس… لذلك لا يصلح في اليابان، ما يصلح في الولايات المتحدة .

فكيف لإيقاعات كان الغرض منها طرد الجن في المجتمعات البدائية الأولى أن يعاد تصديرها للعالم على أنها موسيقى؟ وكيف يمكن لتلك الإيقاعات… ألا تعبث بكيمياء أدمغة الأطفال فتقودهم إلى الاكتئاب… ثم الانتحار؟

يبدو أن أزمات الأميركيين وراءنا وراءنا… حتى في الأغاني وفي الموسيقى !

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً