الطريق … خاطف الأطفال

راما الجراح

“لن نَنساك أبداً”، “بَكَّرت الرحيل”، “الله معك يا عريس/عروس”… تتنوَّع العبارات المرفقة بصوَر لشبّان وشابّات في ربيع العمر، والمعلّقة إمّا تحت جسر للمشاة، أو عند منعطف خطير حيث سقطوا ضحايا حوادث السير، أو مُلصقة على زجاج سيارات مَن عرَفوهم.

منذ أيام في البقاع وعلى طريق الموت تحديداً لم تكن الحادثة الأولى وربما ليست الأخيرة، الطريق الذي سقت دماء الأبرياء أرضه حتى أصبحت ألسنة الناس تردد عبارات “ضيعجيّة” من “لو كان إلو تِم يحكي لنطق من زعلو ع هالناس الطيبة”، “ريحة الدم معششة أكتر من ريحة الزفت” بشكل دائم دون كلل أو ملل على كل حادثة تحصل عليه وتضرب كالصاعقة قلوب ذويه، ويبدأ الآخرون بكثرة تساؤلاتهم المخيفة وبصوتٍ مرتجف “مَن التالي”.

المأساة كبيرة في بلدة المرج، مزّق طريق الموت منذ أيام جسد الطفل الذي لم يتجاوز عمره الـ ١٢ عاماً علي أبو عثمان من دون سابق إنذار، وهو عائد إلى منزله من مزرعة الخيل خاصتهم. طَرق الموت باب ذويه قبل أن يحسبوا له أنه سيبدأ بفلذة كبدهم، وتنعاه والدته المفجوعة على صفحتها على فايسبوك قائلةً: “كم كنت أخطط للمستقبل معك ولكن لم نحسب حساباً للموت يوماً”، راضيةً بمشيئة الله داعيةً أن يكون اللقاء في الجنة.

ويروي لنا أحد أقارب الضحية أنه “ليس من عادة علي سلوك الطريق العام للعودة إلى منزله، هناك طريق مختصر لا تمر عليه سيارات كثيرة وأكثر أماناً ويُعتبر طريق العودة له ولأخيه محمد من مزرعة الخيل خاصتهم، ويضيف: “ولكن علي أصرّ على العودة منه وحاول إقناع أخيه الأصغر (٧ سنوات) للعودة معه من نفس الطريق، ولكن الأخير لم يوافق خوفاً من ردة فعل أهله، وبالفعل لم يرافق علي إلى طريق اللاعودة الذي سلكه الأخير بأنفاس الموت التي كانت تجوس في طريقه منذ أن حسم قراره”.

يضيف: “عندما قرر كل منهما المُضي في طريق مختلف، اتفقا على نقطة اللقاء للدخول سوياً إلى المنزل كي لا يكشف والداهما “سر علي”، ولكن هذا ما لم يكتمل، انتظر محمد أخاه علي، ولكن علياً لم تسعفه رجله المقطوعة بسبب قوة الحادث ولا رأسه المغطى بدماء الطفولة للوصول في الموعد للقاء محمد”.

تابع ورجفة صوته تختصر الكثير من الكلام: “علي الضحية الثانية لعائلتنا على هذا الطريق، منذ ٥ سنوات تقريباً فقدنا طفلتنا تولاي أبو عثمان عن عمر لا يتجاوز الـ ٧ سنوات، واليوم فقدنا علي، بالإضافة إلى أن جيراننا من آل إبراهيم فقدوا ولدهم أيضاً على الطريق نفسه عن عمر لم يتجاوز الـ ١٤ عاماً” وآل الجاجي فقدوا ابنهم الذي لم يتجاوز الـ ٣ سنوات واللائحة تطول بين ضحايا الشباب والشيوخ والأطفال”.

 

وأكد في الختام “أنّ عائلة الضحية (آل عثمان) أخذت قراراً بالإجماع بترحيل الفاعل وأهله (من الجنسية السورية) من البلدة بشكل نهائي مع نهاية شهر رمضان”.

لا يمر الوقت إلا ولهذا الطريق حكاية مع الموت بطلها السرعة الزائدة، وضحاياه أطفالٌ لا ناقة لهم ولا جمل في كل هذا، وسببه مسؤولون غير مسؤولين وأناسٌ غير مكترثين بأرواح الآخرين.

يجوز أن نسّمي هذا الطريق بـ”خاطف الأطفال”، لأن أغلب ضحاياه أطفال لم يبلغوا سن الرشد بعد، مشكتله ليست حفرة، بل سرعة! لا أستطيع أن أرمي المسؤولية فقط على الدولة غير المسؤولة بالرغم من مسؤوليتها في أمان طرقات لبنان، ولكن مشكلة “السرعة” يتحمل مسؤوليتها كل من يقود سيارته بسرعة “طائرة” لا يبالي بالناس ولا بأحوال الناس.

الأهالي يناشدون بإيجاد حل جذري، وربما وضع رادارات لمراقبة كُل من يتخطى السرعة المطلوبة على جميع الطرقات للمحاسبة، يحل جزءاً كبيراً من هذه الحوادث.. فلنتعظ.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً