كورونا: تباين حاد بين الدول الثرية والفقيرة

حسناء بو حرفوش

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية مقالاً سطّرت فيه التباين الحاد بين الدول الثرية التي تستعيد انتعاشها ودورة حياتها بعد جائحة كورونا، مقابل التعثّر الكبير الذي تعاني منه الدول الأكثر فقراً. ونقلت عن محللين أن هذا الاختلاف يمثل فشلاً أخلاقياً ووبائياً. ووفقاً للمقال،”لم يبذل العالم المتقدم، على الرغم من الوعود التي قطعها في بداية الأزمة، إلا القليل من أجل تعزيز التلقيح العالمي ضد فيروس كورونا، فيما يسميه المحللون فشلاً أخلاقياً ووبائياً. ويمكن للتباين بين البلدان الثرية وتلك الأفقر منها، أن يكون أكثر حدة.

في العالم المتقدم، ارتفعت طلبات اللقاحات في كثير من الأنحاء، إلى مليارات الجرعات، وسجّل بالتزامن، تراجع في الإصابات بكورونا. وتستعد الاقتصادات للعودة إلى دورة الحياة كما ينشغل الناس بالتحضير لإجازاتهم الصيفية. ومع ذلك، لا يزال الفيروس منتشراً في العديد من الدول الأقل تقدمًا، وأحيانًا بشكل خارج نطاق السيطرة. أما عجلة تأمين اللقاحات فتدور ببطء شديد، حتى لحماية الأكثر ضعفاً.

لم ينبغِ للصور المتباينة أن تكون بهذه القسوة: من ناحية، تعيد النوادي والمطاعم فتح أبوابها في الولايات المتحدة وأوروبا، ومن ناحية أخرى، يلهث الناس للحصول على الأكسجين في الهند. ويأتي ذلك فيما وقعت نحو 192 دولة، العام الماضي، على شراكة “كوفاكس” لتقاسم اللقاحات، وضخت مؤسسة “غايتس”، مبلغ 300 مليون دولار في مصنع هندي لتقديم جرعات اللقاح لفقراء العالم. في ذلك الوقت، صرّح الرئيس التنفيذي للاتحاد الأوروبي خلال قمة عالمية في حزيران الماضي بأن “اللقاح حق إنساني عالمي”.

لكن الفيروس ينتشر أكثر من أي وقت مضى، مدفوعًا إلى حد كبير بالأعداد التي سجلت في أمريكا الجنوبية والهند، بينما تتعثر حملة التطعيم في العالم. وفي الوقت عينه، جمّدت الهند، التي تعد مصدرًا مهمًا للقاحات في الأوقات العادية، صادراتها من جرعات اللقاح بسبب الارتفاع القياسي الذي تسجله في نسب إصابات كورونا والأزمة الإنسانية المتزايدة. وقد أدى ذلك إلى تأخير الشحنات الضرورية، حيث تقوم الهند بتأمين معظم إمدادات كوفاكس.

وأما في البرازيل، التي تشهد وفاة آلاف الأشخاص يوميًا، لم يتلق المسؤولون سوى عُشر كمية جرعات “استرازينيكا” التي وعدوا بها بحلول منتصف العام.

وفي بلدان أخرى مثل غانا وبنغلادش، حيث نفدت إمدادات اللقاح الأولية، لا يعرف المحظوظون القلائل الذين حصلوا على الجرعة الأولى من اللقاح، موعد تلقيهم الجرعة الثانية. (…) وتقدّر منظمة “كير” العالمية غير الربحية، أنه مقابل كل دولار ينفق على جرعات اللقاح، هناك حاجة إلى 5 دولارات أخرى لضمان وصوله من مدارج المطار إلى الناس. وبغياب التمويل الكافي للعاملين الصحيين ورواتبهم المنخفضة منذ فترة طويلة، يبقى العدد الأكبر من الجرعات القليلة التي سلّمت، في المستودعات، مع خطر اقتراب تواريخ انتهاء الصلاحية.

وينطوي هذا التعثر العالمي على عواقب وخيمة. فالفيروس يضرب الدول التي لم تحصل على اللقاح، وقد تظهر متغيرات جديدة في بؤر العدوى الجامحة، مما يطيل أمد الوباء للدول الغنية والفقيرة على حد سواء. ويواجه الاقتصاد العالمي خسائر متوقعة، تقدر بتريليونات الدولارات.

ويواجه زعماء العالم العديد من الصعوبات الشديدة والمرتبطة باللقاح ضد كورونا، على الرغم من إعلانهم التصميم على تصحيح أخطاء الماضي، وآخرها في الآونة الأخيرة، ندرة اللقاحات ضد أنفلونزا الخنازير في الدول الفقيرة خلال جائحة العام 2009.

وفي الآونة الأخيرة، شرعت الدول الغربية بتقديم لقاحات واعدة للعالم النامي: 60 مليون جرعة من أسترازينيكا من الولايات المتحدة، ومليون جرعة من أسترازينيكا من السويد. لكن هذه “التبرعات” ليست سوى قطرة في بحر، وقد تأتي في بعض الحالات بشكل عشوائي، مما لا يترك للبلدان سوى وقت ضئيل لإدارة الجرعات.

وحتى مع انتهاء الدول الغنية من تأمين اللقاح لمواطنيها، قد تبدأ بتوفير قدرتها على تصنيع اللقاح، من أجل مكافحة متغيرات الفيروس الجديدة، وهذا ما يشكل ضربة أخرى للدول التي تفتقر إلى قواعد التصنيع. (…) وحصدت شركة فايزر 3.5 مليارات دولار من إيرادات بيع لقاحها في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2021، بينما وعدت كوفاكس بأقل من 2 % من الجرعات هذا العام. ووافقت شركة مودرنا، التي تتوقع مبيعات لقاحات بقيمة 18 مليار دولار في العام 2021، على تزويد كوفاكس هذا الأسبوع، على الرغم من أخذ استثمار مبكر من مؤسسة كوفاكس الرائدة في كانون الثاني الماضي. وتطرح العديد من نقاط الاستفهام حول الملكية الفكرية والحاجة لتصنيع اللقاح في كل مكان في العالم”.

بالنسبة لشركة كوفاكس، كلّف الاعتماد الشديد على الشحنات من الهند ثمناً باهظاً. ففي كانون الثاني، توقعت تلقي 235 مليون جرعة بحلول نيسان و325 مليونًا بحلول أيار في طريقها لتحقيق ملياري جرعة هذا العام (…) لكن هذه التوقعات تقلصت بنحو الثلث بحلول آذار. واعتبارًا من الثلاثاء، شحنت كوفاكس 54 مليون جرعة، أي أقل من ربع هدفها السابق المعلن عنه في نيسان. وأعلنت شركة غافي، شريكة كوفاكس، في إطار الشراكة الصحية بين القطاعين العام والخاص، أنها تعطي الأولوية لتأمين الجرعة الثانية وتحث الدول الغنية على مشاركة اللقاحات.

وتعاني الدول الفقيرة من التدافع للحصول على الإمدادات، كما تكافح لاستخدام ما تبقى لديها من جرعات قليلة. وتعيد هذه الإخفاقات التشغيلية إلى الأذهان التجربة التي مرت به الدول الغنية قبل أشهر حيث تركت مخزونات اللقاحات تتجه ببطء نحو تواريخ انتهاء الصلاحية في البلدان التي لا تستطيع أصلا تحمل إهدار أي جرعات.

وتزداد المشكلة حدة بشكل خاص في إفريقيا، حيث استهلكت حوالي عشرين دولة أقل من نصف لقاحاتها، وفقًا للأرقام الصادرة عن منظمة كير. (…) ومنذ بدء حملة التطعيم في نيسان، لم يتلق سوى 1888 شخصًا اللقاح، مما أجبر البلاد على إرسال معظم إمداداتها إلى الدول المجاورة لإنقاذها من انتهاء الصلاحية.

ووسط السباق المستمر لتمويل شراء اللقاحات، تم التغاضي عن الأموال الضرورية لإيصال اللقاحات نفسها إلى أيدي الناس. ومن بين 92 دولة فقيرة تقوم كوفاكس بتأمين اللقاح لها، خفضت ثماني دول ميزانياتها الصحية بسبب الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالفيروس، بينما تكافح العديد من الدول الأخرى لتمويل أنظمتها الصحية جزئياً لأنها غير مؤهلة للحصول على منح أو قروض أكثر سخاء.

هذا وأعلن الاتحاد الأوروبي، في موقف استثنائي، الخميس عن استعداده لمناقشة رفع الحماية الفكرية من أجل تسريع إنتاج وتوزيع لقاحات كورونا.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً