ما لم نعرفه حتى الآن !

وليد طوغان
وليد طوغان

فى الذاكرة الشعبية المصرية، أن كشف المرأة غطاء رأسها داخل أضرحة الأوّلياء دلالة على وصولها إلى درجة من التضرّع، طلبا لمدد في أزمة كبرى، وفي الأحوال العادية يظل التمسك بغطاء الرأس علامة على الخضوع الديني الكامل والتسليم الإيماني الشديد.

شعر الرأس في التراث الشعبي الشرقي موضوع كبير… وأسباب وعلل أكثر. وتقرأ في روايات زمان أن “أمّ فلان” كشفت رأسها في مقام “أمّ العواجز” قبل أن تلقي جوابات كتبتها بخط يدها داخل المقام بكثير من المطالب… وكثيراً من تعهدات بالنذور لو تحققت الأماني.

وفي الكتاب المقدس والعهد القديم خصوصاً أوصاف مختلفة، لكهنة وصالحين ومتنبئين لم يشاهدوا إلا وهم مرتدين محارم على الرأس… بحيث لم يرَ أحد رؤوسهم بلا غطاء ربما طوال حياته.

وفي قصة شمشون، النبي عند اليهود، ولسبب ما غير معروف للآن، وضع الله كل قوة وقدرات هذا النبي في شَعره، لذلك لم يحدث أن قص شمشون شعره طوال حياته… ولمّا عَرفت دليلة السر أهدته لأعدائه فأمسكوا به وكتفوه وقصوا شعر رأسه… فراحت قوته.

كان شمشون من القوة بحيث لم يقدر عليه أحد، حتى إن أحداً لم يعرف مِن أين أتى بتلك القوة وبتلك المقدرة على سَحق جيوش بأكملها. لكن عرف أعداؤه العلة… وكان السر في المَقص، فلمّا حلقوا شعره انهارت قوته… وسجنوه بلا حَوْل ولا قوة.

في الهند قصص أخرى، وتراثيات غريبة تربط بين شعر المؤمن ودينه… مثلا يظل السيخي المؤمن بشَعر طويل طوال حياته، اذ تحظر عقيدة السيخ على المؤمن الحلاقة منذ ميلاده حتى مماته.

الغريب أنه رغم العرف الديني لدى السيخ بوجوب ترك الشعر، يظل غير مفهوم ما الذي يجعل السيخي حريصاً فى نفس الوقت على إخفاء شعره الطويل… فلا تضبطه خارجاً إلى الشارع بشعر مكشوف.

واخترع السيخ عمامة، يلفونها مع الشعر الطويل، بطريقة مجدولة، فتبدو العمامة، ولا يظهر الشعر، وبهذا يحافظون على الطول، وتغطية الشعر في نفس الوقت!

غطاء الوجه، والنقاب، يبدو أن لهما من الروافد الثقافية الشرقية، ما لمواريث غطاء الرأس في مجتمعات الشرق. يعنى يبدو أن الأسباب القديمة واحدة، ومنبع الفكرة واحد أيضاً، لذلك ربما اختلفت القبائل العربية في الطريقة… بينما ظل المبدأ واحد.

فى اليمن القديم، كانت تغطي المرأة شعرها، ونصف وجهها… وباختلاف القبيلة تختلف التغطية… فمرّة يغطى نصف الوجه الأيمن ومرّة الأيسر.

وفي شمال الجزيرة العربية، غطت المرأة زمان نصف رأسها، مرّة الخلفي، ومرّة الأمامي، حَسَب القبيلة أيضاً، وحَسَب المستوى الاجتماعي، وحَسَب النّسَب.

وعند قبائل الطوارق في شمال إفريقيا، يغطي الرّجال والنساء شعورهم ووجوههم على حد سواء وحتى اليوم… فلا تضبط واحداً من الطوارق عليه القيمة بوجه مكشوف، أو بلا غطاء رأس .

ولدى قبائل الهنود الحُمر القديمة أيضاً، لم يكن مسموحًا للامرأة وللرجل أن يغطيا شعرهما… مع حرص الهندي القديم على إظهار شعره طويلًا مفرودًا على الظهْر والكتف.

تغطية شعر الرأس لدى المحارب الهندي الأحمر كانت علامة على الجُبن، بينما ارتداء طوق به ريش على مقدمة الرأس، مع اسدال الشعر على الكتفين علامة على الإقدام… والاستعداد الدائم للحرب دفاعا عن القبيلة.

والمرأة العربية غطت شعرها، قبل الإسلام، وبعده. والرجل العربي هو الآخر ارتدى عمامة، أو غطاء رأس، إلى أن وصلنا إلى العقال الخليجي، والغترة العربية.

وفي الديانة البوذية تظل حلاقة الراهب شعره بالموسى علامة على خضوعه للرب، ففي إخفاء الشعر وإزالته علامة على صفاء السريرة والتسليم .

العكس لدى المجوس القدامى، إذ لم يحدث أن دخل كاهن معبد النار إلا بشعر طويل لم يعمل فيه مقص.

العلاقة هنا بين الشعر وبين العقيدة واضحة تماماً. كما ظهرت نفس العلاقة ونفس الرابطة لدى الفراعنة المصريين… إذ كان دخول الكاهن مِحراب الهيكل بشعره مكشوفاً أو طويلاً يعني الاعتداء على حرمة بيت الرب.

ارتباط غطاء الرأس بالهيبة، وبالمكانة وبالاحترام الديني، والتسليم العقيدي سر ظاهر في تاريخ الديانات القديمة وتواريخ الشعوب… لكن وجه العلاقة تحديداً بين إرسال شعر الراس أو إخفائه وبين الطقس الديني… فهذا ما لم يتوصل إليه أحد حتى الآن!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً