التحرش الجنسي… بين القانون والمفاهيم الخاطئة

راما الجراح

عاد موضوع التحرش الجنسي إلى الواجهة في لبنان أخيراً، بعدما اتهمت نساء “إعلامياً” على مواقع التواصل الاجتماعي بالتحرش بهن، ليُفتح النقاش واسعاً على قضية تثير حساسيات كثيرة خصوصاً للمرأة، إذ يشكل التحرش انتهاكاً بشعاً لمشاعرها كما لجسدها ولو بالإشارة أو التلميح.

لوقت طويل جداً كان الحديث عن التحرش الجنسي يعتبر من المحرّمات، نتيجة الخوف وعدم قدرة المتعرضات له إلى الإفصاح عما جرى، فالسترة هي المطلوبة في كل الأحوال، وتجاهل الأمر قد ينفي ما حصل. لكن اليوم مع إقرار قانون التصدي للتحرش الجنسي في مجلس النواب، ومع انتشار الجمعيات النسائية التي تعنى بالنساء اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي وتكافح العنف ضد النساء، أصبح من العادي جداً أن نسمع حكايات وحكايات من ضحايا التحرش الجنسي، فلم يعد السكوت عنها سوى جريمة توازي جرائم الفاعل، وتجعله يعيش بأمان ويكرر تجاربه مع أخريات إذا لم يتم الادعاء عليه وملاحقته ومحاسبته على جريمته المرتكبة.

بحسب الدراسات، فإن الغرباء هم غالباً مرتكبو التحرّش، ولا يجري التبليغ عنهم في المراكز الأمنية للتحقيق ومحاسبتهم. كما أن البعض في مجتمعنا اللبناني والعربي بشكل عام يدافع ضمناً وبشكل غير واع معظم الأحيان عن المرتكبين بالاستناد إلى تساؤل غير منطقي: لماذا لم تقاوم المتحرش المعتدي إذا لم تكن راغبة في ذلك؟ وفي هذا التساؤل إدانة للضحية وتبرئة للجاني.

وكثيراً ما نسمع كلاماً يتهم ضحايا التحرش من النساء، ويبرر الأفعال المشينة للمرتكبين، تارة بحجة الملابس المثيرة للشهوة أو وضع الماكياج والعطور، أو غيرها من مبررات لتبرئة الفاعلين كونهم ذكوراً يحق لهم ما لا يحق للنساء.

 

وكانت لبنانيات أثرن قضية تحرش بهن من قبل الإعلامي (ج. ع) ونشرن على وسائل التواصل معلومات وقصصاً حصلت معهن تُبين تعرضهن الواضح للتحرش اللفظي من قِبله ومحاولاته التحرش جسدياً مع عدد منهن.

وفي حديث مع الفتيات الناجيات من الإعلامي، تبين أن السيناريو نفسه تكرر مع الجميع، اذ يقوم باستدراجهن من خلال عرض عمل لمسرحية جديدة له وبعدها يبدأ بإرسال صوره لهن، مبرراً موقفه بعدها بطريقة (by mistake) وكان يقوم بالاتصال بهن في أوقات متأخرة من الليل، بحجّة أنه مدخّن أو متقّل بالشرب، بحسب المحادثات التي نشرتها الناجيات.

وكان البرلمان اللبناني أقر في ٢١ كانون الأول عام ٢٠٢٠ “قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه”، في خطوة تندرج في سياق الإنجازات والتقدم الهام الهادف إلى تمكين المرأة والدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المجتمع من العنف. وعرّف القانون التحرش بأنه “أي سلوك سيئ متكرّر خارج عن المألوف غير مرغوب فيه من الضحية بمدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وُجدت فيه عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، وبأي وسيلة تمَّ التحرش بها، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية”.

تعتبر المدربة على النوع الاجتماعي والناشطة في حقوق المرأة مرسال دلال في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “إقرار القانون كان خطوة أولى وأساسية بالنسبة للمرأة مع ما يحتويه من حسنات وسيئات، فلأول مرة في لبنان أصبح التحرش جريمة، فقانون العقوبات لم يكن يحتوي أي مادة عن التحرش الجنسي، ويحدد الاغتصاب وبحالات خاصة، وأنا أضم صوتي إلى صوت جميع الخبراء الذين اعتبروا تعريف التحرش في هذا القانون كان جيداً وواضحاً ولكن ينقصه آلية للتطبيق بشكل أساسي، فالقانون يذكر حماية الشهود وصاحب/ة الدعوة ولكن آلية الحماية غير واضحة، ولكن في الوقت نفسه الجمعيات النسوية لديها آليات الحماية ومن الممكن أن تكون مساعدة له في مكان ما”.

وتشدد على أن “هذا القانون مهم، لكن القوانين لا تحل محل التوعية والعكس صحيح، ويجب تجربته لاكتشاف ثغراته، وهذا يحتاج إلى مناقشه بين الجمعيات والأشخاص والخبراء المعنيين، كما حصل مع قانون حماية الأطفال والنساء من العنف الأسري الذي استغرق ١٠ سنوات في التجربة والمناقشة إلى أن تم تعديله، لذلك أنا متمسكة بقانون التحرش، لأن نتائج التحرش لو لم تصل للاغتصاب فهي تؤثر بشكل كبير على النساء نفسياً ومعنوياً”.

كيف يُحاسب المتحرش؟

بحسب دلال، فإن فضح المتحرش ينعكس إيجابياً على الناجيات أو الضحايا وفي الوقت نفسه على القانون، وتعرب عن سعادتها لأن إقرار القانون بدأ يكشف حالات التحرش. وتقول إن “الناجيات أصبحن يتحدثن علناً عما واجهنه، مثل فضح المتحرش كــ”ج ع” و”م ح” وغيرهما، فالقانون أفضل الوسائل لوقف التحرش والحد منه، وقد تبين أن أكثر من ٧ سيدات سيرفعن دعوى ضد الإعلامي (ج. ع) وهذا الأمر يؤدي إلى وضع قانون التحرش في مرحلة الامتحان لتجربته الأولى لنرى هل سيتم تجريم المتحرش أم لا”.

وتؤكد أن القانون “قادر على تجريم المتحرش بوجود دلائل كثيرة وبدعم الجمعيات والمجتمع المدني والمحامين والمحاميات، أما بالنسبة إلى العقاب فالأمر يعود للقضاء وعلينا انتظار النتائج، وفي الوقت نفسه نستطيع القول إنه في موضوع الإعلامي (ج. ع) تحديداً، هناك قانون جرائم المعلوماتية والسيبرانية الذي تعمد إليه قوى الأمن الداخلي بتجريم المتحرشين والمبتزين جنسياً”، مشددةً على أن هذا “لا يلغي أهمية وجود قانون التحرش الجنسي لأن الناجيات لا يكفيهن تجريم المتحرش عبر قانون التجريم الإلكتروني، لأن جرمه سيكون كمن سرق حساب شخص معين عبر الإنترنت، في الوقت الذي يعتبر التحرش جريمة كبيرة وعقابها قاسٍ ويجب تصنيف الشخص بإسم المتحرش أمام المجتمع المدني والرأي العام ليصبح عبّره لغيره”.

 

نسب التحرش في لبنان

أما بالنسبة لنسب التحرش في لبنان، فتوضح دلال، أن “التحرش الجنسي بشكل عام كان ولا يزال يدور في فلك اللغط، فحتى اليوم سواء كان التحرش في الأماكن العامة أو المدارس أو مكان العمل، تحرش بالأطفال أو بالكبار نساء ورجالاً، يشكل إشكالية كبيرة جداً في تعريفه ولوم الضحية ونسب التحرش في لبنان غير دقيقة، ولكنني أستطيع القول إن أرقام الأمن الداخلي الصادرة عن التحرش الجنسي عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وما يحمله من استغلال واستفزاز جنسي مخيف جداً، بالأخص بعد انتشار وباء كورونا والحجر المنزلي، اذ ارتفعت بنسبة ١٨٤٪ مقارنة بالسابق، وأظهرت إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن امرأة من كل ٣ نساء تتعرض للتحرش الجنسي في العام، أي ما يعادل ٧٣٦ مليون ضحية من النساء والفتيات وهذا الرقم غير مقبول أبداً”، مشيرة إلى أن “هذه الأرقام الكبيرة تستدعي التفكير بحلول جذرية، ولا نستطيع المضي مرور الكرام على هذه المسألة”.

قانون التحرش في لبنان، يعتبر الخطوة الأولى على درب الألف ميل، على الرغم من أنه يحتاج إلى عدة تعديلات ولكن عندما يُوضع حجر الأساس يصبح هنا بُنية راسخة قادرة على البقاء لسنوات طويلة تدافع عن الضحية، تكسر خوفها من نظرة المجتمع، وترفع الظلم الذي يصيبها وتقول نعم للمحاسبة!

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً