صيدا قبلة الجنوب والجبل…وأم الغني والفقير

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا أحد يستطيع أن ينسى المرور في صيدا وهو يتجه جنوباً أو جبلاً، هي المدينة التاريخية المشهورة بقلعتها وبأسواقها الشعبية، وبطيبة أهلها، صناع الحلويات والصابون والمهرة في خياطة ما يصعب على الآخرين، صيدا المحبة التي تفتح لك أبواب القرى الجنوبية وتستقطب إليها سكان الإقليم المجاور لتصبح عاصمتهم، سواء كان ذلك للتسوق أو للاستراحة في مقاهيها البحرية وتناول المثلجات أو الكنافة بجبن وما تيسر من راحة الحلقوم المحشوة بالمكسرات أو “القزحة” المصنوعة من حبة البركة أو السنيورة الاختصاص الصيداوي الأكثر شهرة عند اللبنانيين.
مدينة زهر الليمون
صيدا مدينة بساتين الأكيدنيا والليمون وصانعة ماء الزهر، المعروفة بمدينة الصيادين وبتحديها للاحتكار، مدينة شهداء لقمة العيش والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ومدينة الإعمار والتطور، حاضنة القضايا الوطنية والثائرة ضد الظلم والمطالبة بالعدالة، مزاج أهلها المحافظ نسبياً لا يقف في وجه تقبل التطور ومواكبة الحداثة والقيام بكل ما يمكن لتكون مدينة سياحية بامتياز، مقصودة على الدوام، رغم ما كان يصيبها أحياناً من نكسات أمنية تتم السيطرة عليها وإعادة الأمور إلى مجاريها بسرعة ورفض مظاهر التطرف، وما يحدث أحياناً من إشكالات أمنية في مخيم عين الحلوة الذي يشكل امتداداً للمدينة التي احتضنت اللاجئين الفلسطينيين منذ تهجيرهم في العام 1948، فانخرطوا في نسيجها وتزاوجوا من أهلها وتأثروا بلهجة أبنائها وعملوا في مهن عديدة دون أن تطالهم عنصرية أو تقف هويتهم عائقاً أمام تحصيل لقمة العيش إجمالاً.
كورونا حاضرة غائبة
لصيدا سحرها الخاص، تاثرت بحضور المرض اللعين وقرارات الإقفال وأزمة العيش، لكنها ما تزال وجهة الفقراء الذين يبحثون عن بضائع أكثر رخصاً في أسواقها الشعبية، لعل وعسى يحصلون على “لقطة” هنا أو هناك، أو شراء ما يلزم بسعر مناسب من جيب تتطاير منه الليرات بثانية ليعلن صاحبه أنه “طفران”.
في المحترفات اليدوية داخل السوق القديم التي تصنع الخشبيات والنحاسيات، يشكو أصحابها من الغلاء، و”الزبائن قلما يأتون اليوم بسبب رغبتهم بتأمين الأكل والشرب قبل كل شيء، إذ أصبحت الحاجيات الأخرى وإن كانت ضرورية من الكماليات”، كما يقول أحد أصحاب هذه المحلات التي تجد بعضها لا يزال مقفلاً، “لعدم القدرة على تأمين ما يلزم من البضاعة بسبب ارتفاع الأسعار”.
أيضاً في سوق الذهب لا يبدو أن الحركة كبيرة، ويشير أحد أصحاب المحلات (ن.س) إلى أن حركة “البيع قليلة، وكثيرون وضعوا على محلاتهم إشعاراً بشراء الذهب بالدولار الأميركي من الزبائن، هناك من يبيع حتى المحابس ليصرف على حاجيات أخرى ومنها تأمين الطعام، ولكن حتى الدولار غير موجود لدى بعض الصاغة والناس المضطرة تقبل بالليرة، لكن الإفادة من الدولار غير الليرة”.
عبق التراث والتاريخ
بين متحف عودة للصابون وقصر دبّانة وخان الإفرنج، مساجد وحمامات وكنائس قديمة، يتنقل المتسوقون في صيدا القديمة ليصلوا إلى سوق البازركان الأشهر للخياطة وبيع الأقمشة، الذي أسس قبل حوالي 500 سنة، هناك المنازل التراثية العتيقة والعقود والقناطر ودكاكين ذات حجارة رملية، وتمتد سلسلة هذا السوق نحو أسواق النجارين، الصاغة، الحياكين، العطارين، الكندرجية، وفي الخارج قليلاً تتعالى أصوات بائعي الخضار والأسماك والحبوب التي لا تزال تباع عند البائعين بحسب الطلب، فهي ليست معبأة في الأكياس إلا أن الطيور أحياناً تجد ضالتها، فترى صاحب المحل مستنفراً لطردها من على أكياسه، وسط ضحكات النسوة اللواتي يتجمعن للشراء من الحبوب المعروفة أنها طازجة وغير مخزنة سابقاً.
أم الغني والفقير
المرفأ وقلعتها على بعد خطوات من السوق وإلى جانبه الاستراحة الشهيرة، التي تتميز ببناء تراثي جميل يستقطب الجميع، سواء في جلسته الداخلية أم المشرفة على البحر، وما تقدمه من أطعمة لذيذة لا سيما السمك، إلا أن الرواد اليوم لم يعودوا كما الأمس، وهو حال المطاعم الفخمة في الجهة المواجهة المشرفة على البحر، فيما زبائن المقاهي الشعبية مستمرون في الاستقطاب لا سيما خلال شهر رمضان الفائت إذ بقيت صيدا تسهر حتى ساعات السحور، برغم التعبئة العامة ومنع التجول، وذلك على حد سواء في الأحياء الشعبية كما في مطاعم مرتفعة الأسعار نشأت في عز الضائقة الاقتصادية وروادها يأتون في أفخم السيارات. ربما كان هؤلاء من جماعة “الفريش دولار” أو من يتلقون تحويلات من الخارج.
يقول الشاب (م.ر): أنا لست من صيدا أنا من إقليم الخروب لكني أعتبر نفسي صيداوياً لأني يومياً فيها في النهار وفي الليل، أتسوق للبيت وقد أصلح السيارة أو اخلّص معاملة رسمية أو أشتري خبزاً من من فرن “العربي” أو كعكاً في فرن “الحياة” أو غيره، فالأسعار هنا ما زالت مقبولة وليست مثل أسعار أفران أخرى تبيع الكرواسان مثلا بخمسة آلاف أو 6 آلاف بينما نشتريها من هنا بألفين، بعد ارتفاع أسعارها، إذ كان سعرها سابقاً ألف ليرة، وأيضاً في الليل عندما تريد زوجتي أن تخرج للتمويه، ليس لنا سوى شاطئ صيدا ينقذنا من ملل البيت وأخذ فنجان قهوة مع أركيلة، دون أن نكسر ميزانيتنا كثيراً وعلى كل مكسورين مكسورين”.
المولات للتنزه
لا شك أن الأزمة الخانقة نتيجة ارتفاع سعر الدولار أثرت كثيراً ليس فقط على العاملين وإنما على أصحاب المحلات في المولات الكبيرة، إذ أقفلت بعض الشركات المعروفة مثل زارا وبرومود محلاتها في مول صيدا وكذلك بعض المحلات الأخرى، وكما يقال خفت الإجر بعد ذلك نتيجة اللوك داون ولم تعُد الحياة في المولات إلى حركتها الطبيعية، “لأن أحداً لم يعد قادراً على شراء الملبوسات أو الأحذية على سعر الدولار المرتفع ولو كانت إعلانات التخفيض تصل إلى 70 بالمئة، فلا بد أن القادر هو من يقبض بالدولار وليس بالليرة اللبنانية”، كما تشرح إحدى “المتنزهات” داخل مول صيدا.
صيدون أقدم من جبيل
صيدون الفينيقية أقدم من مدينة جبيل، والآثار القادمة منها أو من محيطها هي من أهم ما في المتحف الوطني، خصوصاً فيسفساءات نادرة ومجموعة مهمة من النواميس، إلى آثار معبد أشمون المجاور.
واسمها صيدو بالعبرانية. يعتقد البعض أن الاسم مشتق من كثرة السمك في شواطئها أو نسبة إلى أهلها الأقدمين الذين عملوا كصيادي أسماك. يبلغ عدد سكانها اليوم ما يقارب الـ250 ألف نسمة، حسب التقديرات المحلية لغياب الإحصاءات الرسمية، وبحسبها أن 82% من سكانها مسلمون سُنّة وحوالي 8% مسلمون شيعة وحوالي 10% مسيحيون.
مدرسة الجنوب ومستشفاه
هي مركز محافظة الجنوب، فيها وظائف تجارية متطورة، منفتحة على المناطق الزراعية في جنوب لبنان. وتضم منطقة صناعية واقعة في جنوبها. وبفضل التلال المحيطة بها والمطلة على البحر، شهدت المدينة نمواً عمرانياً ملحوظاً، رغم شهرتها في عالم الزراعة بالحمضيات. ولسنوات طوال بقيت المدينة مدرسة الجنوب ومستشفاه، وكذلك بالنسبة إلى سكان المحيط مثل الرميلة وغيرها من قرى الإقليم البعيدة نسبياً، حيث لا يزال كثيرون يرسلون أبناءهم إلى مدارس صيدا.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً