نشر موقع “باز فيد” الأميركي مقالاً يبعث بعض التفاؤل وسط جائحة كورونا التي تضرب البشرية، ونقل عن خبراء ومختصين في المجال الوبائي أن “البشر محظوظون نوعاً ما إذ برزت الفعالية المدهشة للقاحات ضد فيروس كورونا كواحدة من القصص الإخبارية السارة القليلة حول الوباء”، لكنه حذر من “أن العديد من المسائل تبقى معلقة ورهن التجارب والدراسات”، ما يستدعي التمسك بإجراءات الوقاية خصوصاً في ظل تسجيل حالات خرق للقاح.
وبحسب المقال الموقع من قبل الصحافي المتخصص بالشؤون العلمية دان فرغانو، “حصدت اللقاحات قصة نجاح حتى الآن. فقد أثبتت فعاليتها في العالم الحقيقي على غرار التجارب السريرية وظهرت وقائية للغاية ضد المتغيرات الأكثر عدوى والمنتشرة في جميع أنحاء العالم. ورجّحت دراستان حديثتان إمكانية استمرار المناعة ضد الفيروس لسنوات. ويتزامن ذلك مع تقارير أولية أشارت إلى بلوغ لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) التي تنتجها شركتا فايزر ومودرنا عتبة فعالية مذهلة وصلت إلى 95٪ متجاوزة عتبة الـ 50٪ التي حددتها إدارة الغذاء والدواء في تشرين الأول من العام الماضي، ولنسبة 70٪ إلى 75٪ التي افترضها البعض مثل رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، أنتوني فوسي.
وفي هذا السياق، يعتبر جيمس موسر، أخصائي علم الأمراض في مستشفى هيوستن ميثوديست الأميركي أن “البشر محظوظون نوعاً ما وبقدر ما قد يبدو ذلك غريباً إلا أن الأمور لا تسير دائمًا على هذا النحو مع اللقاحات”. ويؤيده عالم اللقاحات جورج رذرفورد من جامعة كاليفورنيا بالإشارة إلى أن “أحداً لم يتوقع ذلك. إنه أمر رائع! وهذا حصاد استثمارنا في علم الأحياء الجزيئي على مدار الأربعين عاماً الماضية”. لكن تحصين الجميع بهذه اللقاحات الرائعة لا يزال يمثل تحدياً كبيراً (…) مما دفع بالبلدان للمطالبة بمزيد من خيارات اللقاحات، حتى الأقل فعالية من تلك المصرح بها في الولايات المتحدة، مثل كورونافاك الصيني، وهو نوع قديم من اللقاح المصنوع من جزيئات فيروسية معطلة، لبرنامجها العالمي لمشاركة اللقاحات. ولا تتخطى فعالية اللقاح الأخير نسبة 50 ٪ في الوقاية من العدوى، لكن الدراسات أظهرت أنه يقلل خطر الإصابة بأمراض خطيرة.
(…) وقد شكلت اللقاحات انتصاراً للعلم في القرن الماضي، حيث قضت على الجدري وكبحت شلل الأطفال وداء الكلب والحصبة بشكل جذري. ومع ذلك، سجّلت خيبات أمل في ظل غياب لقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا. وبحسب شين كروتي، عالم الفيروسات في معهد “لا جولا لعلم المناعة”: “خفنا في البداية من الأداء الغريب للفيروس (…) لكننا نعمل حسب القواعد التي نفهمها (…) وتبدو الأمور مشجعة حقاً حالياً”. ويدرك االعلماء أنه بعكس الإنفلونزا، التي تقوم بتبديل جيناتها بشكل عشوائي مع تكاثرها، يصلح كورونا التعديلات التي تظهر في جيناته في هذه المرحلة، وبالتالي تعمل هذه الميزة التنافسية ضده عندما يتعلق الأمر باللقاحات (…) كما لفت ماثاي مامين، رئيس أبحاث وتطوير المستحضرات الصيدلانية في شركة جونسون آند جونسون، إلى حذر العلماء إزاء الفيروس الذي لا يزال ثابتا على سبيل المثال كالحصبة، حيث يستدعى التطعيم لمدى الحياة (…) كما يستمر العلماء بمحاولة فهم المزيد حول فعالية الحماية لتفادي حصول عدوى اختراق للقاح.
سؤالان معلقان
إلى ذلك، يبقى هناك سؤالان كبيران حول اللقاحات: ما هو طول المدة التي ستستمر فيها المناعة؟ وهل ستقدر على محاربة السلالات الجديدة من الفيروس؟ بالنسبة للسؤال الأول، لا يمكننا الإجابة على وجه اليقين، لأننا نتعايش مع الفيروس منذ عام ونصف فقط. لكن بعض الإنجازات الأخيرة كانت مشجعة؛ ووجدت دراسة نشرت في أيار في دورية Nature العلمية المتخصصة أن العدوى الخفيفة تنتج خلايا ذاكرة مناعية تدوم لمدة عام على الأقل، وربما لفترة أطول.
وتقلل أربعة، من بين المتغيرات الخمس “المثيرة للقلق” والمدرجة في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) والتي يبدو أنها أكثر تهديدًا من سلالة كورونا الأصلية، من فعالية اللقاح ولكن ليس بشكل كبير، حتى بالنسبة لأكثر المتغيرات إثارة للقلق التي ظهرت في البرازيل وجنوب إفريقيا. ومن ضمن أحدث الدراسات، ذكرت Public Health England الأسبوع الماضي أن لقاح فايزر فعال بنسبة 88٪ ضد المتغير شديد العدوى والمنتشر حالياً في الهند. بينما لقاح أسترازينيكا فعال بنسبة 60٪ ضد الإجهاد. ومع ذلك، تختبر شركات الأدوية مثل فايزر ومودرنا بالفعل جرعات لقاح معززة ضد سلالات جديدة من الفيروس، في حال أصبحت هذه الأخيرة توصية سنوية، مثل لقاحات الإنفلونزا الموسمية.
(…) لكن النبأ السيئ يرتبط بتسارع تطور المتغيرات الجديدة وفقًا لدراسة حديثة. “فالضغط الانتقائي” الذي مورس على الفيروس بشكل اللقاحات والالتهابات السابقة والعلاجات مثل الأجسام المضادة أحادية النسيلة دفعت بالفيروس لابتكار طرق جديدة ذكية لإصابة الناس. واختلف الخبراء الذين تواصل معهم موقع “باز فيد” على نطاق واسع في أفضل تقديراتهم حول توقيت الحاجة إلى جرعة معززة. وفي حين خمن بعضهم ضرورة توفيرها العام المقبل، توقع آخرون أن الأمر قد يستغرق حتى خمس سنوات أخرى من الآن.
(…) وفي حين أن اللقاحات قد تفقد فعاليتها ببطء ضد الفيروس، قد تبقى فعالة جداً ضد الأمراض الشديدة. وتتبع حالات كورونا نمطًا من جزءين: في البداية، يكون المرض معديًا ويسبّب أعراضاً مشابهة لأعراض البرد. ثم، يمكن أن يتحول بعد أسبوع إلى مرض خطير. ويُعتقد أن المتغيرات الأكثر عدوى تتطور في الغالب في المراحل المبكرة عندما تكون أعراض المرض أقل حدة. ويصعّب هذا الأمر تحديد التوقيت الذي ستمثّل فيه الجرعات المعززة ضرورة وطنية. يؤكد ديبتا بهاتاشاريا، اختصاصي المناعة في جامعة أريزونا في هذا الإطار: “ربما أصر على الحصول على جرعة معززة لأنني أكره نزلات البرد”، حتى ولو سمحت اللقاحات الأصلية بالحماية من الإصابة بأمراض خطيرة.
ويعكف العلماء أيضًا على دراسة مدى جودة لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) في علاج فيروسات أخرى، مثل الأنفلونزا أو فيروس نقص المناعة البشرية أو فيروس “نيباه”، متوقعين تسجيل نجاحات مماثلة مع الفيروسات المشابهة لكورونا. لكن يتمسك الجميع بنتائج الدراسات أولاً، نظراً إلى التجارب السابقة المخيبة للآمال. وفي النهاية، نعيش سباقاً بين سرعة تلقيح العالم وسرعة تحور الفيروس والأمر يبقى، بحسب بهاتاشاريا، منوطاً بقدرة الجسد.