واللغة مشكلات وأزمات!

وليد طوغان
وليد طوغان

الإنسان يفكر باللغة. لذلك تختلف مفردات اللغات كما تختلف اللغات. وتختلف أفكار الشعوب طبقا للغة واللكنة وطريقة الكلام.

يقال إن الصينية القديمة هى أوّل لغة كتبتْ على ظهْر الأرض. ويقال أيضًا إن فرعًا من الصينية القديمة كانت الأولى أيضًا التى تكلّم بها الإنسان، لما بدا الكلام على كوكب الارض.

كلها افتراضات، وكلها نظريات.

لكن ربما لأنها اللغة الأقدم، فإن الحروف الصينية هى الأصعب. والصينية صعبة فى الكتابة وفى الكلام، لأن علماء اللسانيات يقولون إن الصينيين الأوائل بدأوا الكتابة برسم ما يودّون أن يقولوه.

مثلًا: رسم دائرة مفرغة داخل صندوق، معناها أنه يريد أن يقول: ضع ثمرة الشجر داخل الصندوق.

رسم خط مائل ممدود منه خطان أفقيان، معناه أن هناك شخصًا يريد أن يبلغك السلام، والخطان الممدودان أفقيّا، معناهما أنه فاتح يديه لاحتضانك!

وفى اللغة القديمة لأبناء اليابان والشرق الأقصى، يقال إنهم قلدوا أصوات البحر للدلالة على البحر، وأنهم كانوا عندما يريدون الإشارة إلى شجرة، فإنهم كانوا يقلدون صوت “حفيف أوراقها”.

ثم أصبح اسم الشجرة، في اللغة، مجرد تقليد لصوت “الحفيف”!

يسخر الاميركي من اسماء الصينين فيقول: ارمِ العملة أرضاً وسمِّ ابنك على اسم الصوت الذي يصدر منها!

وفى العصر الحديث ظهَرَ ما يسمى بعلوم فيزياء اللغة.

وفقًا لذلك العِلم الغريب، درس علماء اللسانيات علاقة اللغة بحركات الظواهر الطبيعية. فظهر في اللغات مفاجآت، ومن تحليل اللغة اكتشفت أعاجيب.

في اللغة العربية مثلًا كثير من مقلوبات الأفعال والمفردات، تدل على عكس الفعل.

إليكم هذا المثال: فعل رهن، يعني حبس الشيء وتقييده، معكوسه اللغوي كلمة: نهر التى تعني انسياب الشيء وجريانه.

كلمة شعر، منها شعر الرأس، ومنها المشاعر. وتسمية الشعر هي التي اتخذوا منها كلمة دليلًا على الأحاسيس.

لماذا دللوا بشَعر الرأس على الشعور؟

يقولون لان شعر الإنسان هو أكثر ما فى الإنسان من مستقبلات المشاعر. لو لمست شعر رأس زميلك في العمل، بطرفة إصبع.. يشعر بها كما لو كانت ضربة شاكوش.

اما الفعل “حبس” بمعناه منع الشيء من الحركة ومن التجول، فمقلوبه اللغوي: سبح أي انساب وجرى ورحل وتنقل بيسر.

وتقول العرب: السباحة في الماء، والسير على الأرض. لأن في السير على الأرض يبدو ثقل الجسم ظاهراً، لكن السباحة في الماء يبدو فيها الإنسان من المرونة والخفة أكثر.

واللغة أحيانًا ما تكون سببا لمشكلات كبيرة… وسوء فِهم.

ففي مصر العياط من الحزن ومن البكاء، بينما في لبنان وسوريا والشام العياط من النداء. النداء على أحدهم يعنى: تعيط عليه.

وفي القاهرة الحسّاس هو الشخص لطيف المشاعر والرقيق، لكن في المغرب، لو وصفت أحدهم بالحسّاس فأنت قد وصفته بأفظع الألفاظ.

حكى الرائع الراحل محمود عوض، أن الراحل فريد الأطرش بعد إحدى حفلاته في المغرب، كان قد حضر الملك الحسن، وصافح فريد الأطرش، وأثنى على صوته وكلمات الأغنية، فما كان من الأطرش إلا أن شكره قائلاً: جلالتك اللي حسّاس يا جلالة الملك. واتكهرب الجو، لأن الرجُل الحسّاس لها معنى شديد القذارة بلغة الشارع.

وفي اللغة الدارجة السعودية، لو أردت أن تُقَبّل فأنت تريد شقة إيجار. لأن التقبيل معناه الإيجار. بينما التقبيل في أي دولة عربية أخرى معناه البوسة.

لو قلت لمصري: عاوز شقة تقبيل، تبقى قلة أدب وصفاقة!

واتنشلت باللغة العراقية الدارجة، يعني أصابك البَرد.

وفي تونس، لا يمكن أن تجد شخصًا اسمه الزامل، ولا شخصًا من عائلة اسمها الزامل.

فالزامل في تونس، مثل حسّاس في المغرب، والراجل الراجل، لا يمكن أن يكون حسّاسًا ولا زاملًا! وفي تونس كلمة الطابور لها لفظ لو نطقته في مصر، فمعناه أنك داخل خناقة بالضرورة، وفي تونس لو دخلت أحد المطاعم وطلبت من الغرسون “طحينة” فأنت الجاني على نفسك، لأن الكلمة هناك معناها في غاية قلة الأدب!

والاختلافات في اللغة إشارة إلى الاختلاف في طريقة التفكير. فرُغم أن كلنا عرب، فإن لكل دولة لهجتها وكلامها الدارج، كما لها طريقتها في الرقص، وطريقتها في الغناء، وطريقتها أيضًا في الملابس وفى العادات.

المعنى أننا لا نفكر كلنا بنفس الطريقة، لكن في الغالب لدينا نفس المبادئ كعرب.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً