الجامعة اللبنانية في خطر… فهل ينقذها مؤتمر دعم دولي؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

فتح تقرير البنك الدولي حول تراجع التعليم في لبنان جرح الواقع الأليم الذي تعاني منه جامعة الوطن الواحد الجامعة اللبنانية، وهي التي أعطت على مدى سنوات صورة إيجابية عن المستوى التعليمي في لبنان، واستطاع طلابها رغم معاناتهم من الحصول على منح أهّلتهم لمتابعة الدراسات العليا في الجامعات الأجنبية، وتفوقوا بجدارة محققين تقدماً يحسب لهم، فشهادات الجامعة اللبنانبة حتى اليوم أفضل من الجامعات الأخرى برأي بعض التربويين المختصين.

عانت الجامعة اللبنانية وأساتذتها كثيراً على مدى السنوات الماضية بفعل التسييس والتحاصص من قبل أهل السلطة، وكذلك من التدخلات الحزبية، فعين الأحزاب على الشباب اللبناني مفتوحة من أجل أخذه نحو إيديولوجيات دينية وسياسية، ومن أجل الكسب الانتخابي، وهي أمور كادت تطيح المستوى التعليمي وتضرب دور الجامعة في بناء المجتمع اللبناني وتطويره وإعطاء الفرصة لشريحة واسعة من المجتمع الحصول على حياة كريمة من خلال حرية الوصول إلى التعليم الجامعي.

الا أن واقع الجامعة اللبنانية اليوم محزن وحتى بالإمكان القول أن الصورة سوداء حول مستقبلها في ظل خفض ميزانيتها والخوف الكبير من أن لا تستطيع الحفاظ على المستوى المطلوب نتيجة الانهيار الحاصل ووسط إهمال متعمد لضربها من خلال إهمال حاجاتها ومطالب أساتذتها. هي التي ترفض بشكل عام تقديم تغطية فساد أهل النظام ولا تقدم ثقة مجانية لأي طرف من الأطراف، وهي على الرغم من التحاصص بقيت تحافظ على سمعة جيدة وتحظى بتقدير اللبنانيين على مختلف اتجاهاتهم.

اليوم تستمر المعاناة وسط تقديرات بتوجه طلاب من الجامعات الخاصة إلى اللبنانية، نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية، فهل هي قادرة على استيعاب أعداد جديدة، ومع توجه الطلاب إلى تفضيل العمل على الدراسة معتبرين أنه حل يناسب أوضاعهم. يطرح السؤال عما إذا سيكون لدينا جيل جديد غير متعلم ومصيره إما الهجرة أو الأعمال الصغيرة أو الممنوعات.

موقع “لبنان الكبير” يناقش وضع الجامعة اللبنانية مع أهلها، في ضوء ما حذر منه تقرير البنك الدولي الأخير، وكنا قد نشرنا بالأمس موضوعاً عن وضع التعليم في المدارس والمخاطر التي تواجهه.

موازنة الجامعة لا تكفي للسيسرة

يعتبر الرئيس السابق للهيئة التنفيذية لرابطة متفرغي الجامعة اللبنانية الدكتور يوسف ضاهر، أن وضع الجامعة اللبنانية مأسوي “فموازنة الجامعة اللبنانية مازالت بالليرة اللبنانية وتقدر بــ 400 مليار أي  ما يوازي 20 ـــ 30 مليون دولار حالياً، أمّا الحاجات التي تتطلبها الجامعة فهي بالدولار، من مواد المختبرات، الطاولات، الأوراق، الكراسات، الحاجات المكتبية وغيره. هذا الوضع أثّر على معنويات كل من الأساتذة والطلاب بشكل كبير”.

ويسأل الدكتور محمد الحاج (جامعيون مستقلون) في مواجهة التخبط والفوضى اللذين يسودان إدارة التعليم في لبنان وفي ظل حاجة المعنيين في الجامعة اللبنانية إلى العمل من أجل توفير الاحتياجات الأساسية لاستمراريتها، “كيف لها أن تستمر بموازنة لا تعادل 30 مليون دولار في الفترة الحالية وهي أساساً بموازنتها العامة سابقاً (حوالي 38 مليون دولار) لم تستطع توفير احتياجاتها الأساسية؟”.

وتشير الأستاذة الجامعية (ح. أ) إلى أن “ميزانيات الكليات لا تكفي لسيسرة الأمور، في كثير من الكليات لا توجد أوراق وحتى حبر للتصوير من أجل إجراء الامتحانات، ومادة المازوت أيضاً غير متوفرة في أحيان كثيرة من أجل المولدات، الموزانات انخفضت وحقوق الأساتذة ذهبت وحقوق الطلاب لا أحد يتحدث عنها، ويتزايد عدد طلاب الجامعة اللبنانية، وطبعاً ليس هناك أي  مشاريع لتوسيع قاعات التدريس مثلاً أو إنشاء قاعات جديدة لا ستقبال طلاب جدد”.

وبرأي ضاهر أن “لبنان إذا أراد أن ينقذ نفسه أو المجتمع الدولي أراد ذلك يجب أن يساعد التعليم. فالاستثمار في التعليم على المدى البعيد هو المربح وينقذ الاقتصاد، هناك استثمار في التعليم من قبل الدول المتقدمة من صندوق النقد الدولي، يمكن أن يكون ذلك حلاً من الحلول، وإذا بقي التدهور قائماً فالجامعة تصبح غير قادرة على شراء الورق أو شراء الأقلام حتى”.

ويشدد على أنه “من المفروض رفع معنويات الطلاب والأساتذة في الظروف الصعبة، وأن يتم إدخال الأساتذة المتعاقدين إلى التفرغ ليشعروا بالأمان الوظيفي، وأن يتم إدخال الاساتذة المتفرغين إلى الملاك كي لا يبقى الأستاذ كل سنة خائفاً من العميد والمدير ورئيس المكتب التربوي أثناء تجديد عقده، يجب تدعيم المعنويات وتسهيل الحصول على الإنترنت للطلاب والسكن الجامعي وغيرها من الأمور الضرورية في حياتهم الأكاديمية”.

وضع الأساتذة: هجرة وخوف من المستقبل

لا شك أن هناك الكثير من الأساتذة في الجامعة اللبنانية الذين تركوا الجامعة، لاسيما من الأساتذة المتعاقدين الذين تركوا وهم يعانون في الأساس من مشكلة عدم إقرار تفرغهم لأسباب سياسية وطائفية ليس لها علاقة بالكفاءة أو حاجة الجامعة الماسة إليهم، ويؤكد ضاهر: “لا يُلام الأستاذ على رحيله، فهو يتقاضى 20 مليون ليرة كل سنتين، فاليوم 20 مليون ليرة تساوي 1200 دولار فقط”.

ويشرح ضاهر: “هناك تآكل كبير في الجسم التعليمي لأنّ الجامعة اللبنانية قائمة على التفرّغ. كادر الجامعة اللبنانية بالكاد يبلغ 600-700 أستاذ والمفروض أن يكونوا حوالي 3000 أستاذ، المتفرغون هم 1000 أستاذ ومعظمهم من دفعة 2014 وقد كانوا 1300-1400 في الأساس. وبالتالي الكادر التعليمي يتآكل والذي يدفع بالأساتذة المتفرغين للمغادرة هي مشكلة التقاعد دون الحصول على ضمان صحي ولا ضمان اجتماعي ولا راتب تقاعدي”.

بدورها تقول الدكتورة (ح.أ) أن “الأساتذة المتعاقدين لا يقبضون بطريقة منتظمة وملفاتهم للتفرغ مستوفاة الشروط، لكن بعضهم يفضل الهجرة اليوم لأن الحسابات صارت مختلفة من الناحية المادية، وهم يسعون إلى القبض بالدولار بدل العيش في بلد منهار”.

وبرأي الدكتور الحاج أن على “رابطة الأساتذة المتفرغين أن تفعل دورها في الدفاع عن حقوق الأساتذة والجامعة بأداء نقابي غير تابع للسياسيين وأن تساهم في تفعيل الحركة الطلابية، فهي المؤسسة الوحيدة التي تستمر في الدفاع عن الجامعة وتطورها”. ويؤكد أن “على الجميع حماية الجامعة في هذه الظروف رغم عدم وجود أي  بوادر لتحقيق مطالب الأساتذة والموظفين، الواضح أن الوضع مرشح للتدهور نحو الأسوأ”.

الطلاب الحلقة الأضعف

الطلاب هم الحلقة الأضعف ولا أحد يفكّر فيهم والطلاب الفقراء من أطراف لبنان يتأثرون أكثر من المتواجدين في العاصمة، عدد طلاب الجامعة اللبنانية 85000 طالب مقارنة بالسنة الماضية حيث كان عددهم 82000.

وعن انتقال طلاب من الجامعات الخاصة إلى الجامعة اللبنانية يقول الدكتور ضاهر إنّه “ليس هناك انتقال لأعداد كبيرة، وفي المقابل هناك طلاب تركوا الجامعة وهاجروا ليعملوا أو للدراسة لعدم ثقتهم بالدبلوم”، لافتاً إلى أنه “منذ حوالي 15 أو 20 سنة لم تجرِ الانتخابات الطلابية، هناك مجالس طلابية تسيطر عليها الأحزاب السياسية، حتى إن هناك من ترك الجامعة اللبنانية وما زال مسؤولاً عن المكتب التربوي في الجامعة”.

وتلفت الدكتورة (ح.أ) إلى “مشكلة النقل بالنسبة إلى الطلاب بسبب كلفته العالية فلا أحد يفكر بدفع تعويضات تساعدهم على تحمل الكلفة. في السنة الماضية بعد 17 تشرين، ونتيجة تردي الوضع الاقتصادي، جمعت مبالغ من الأساتذة للطلاب الذين لم يكن بإمكانهم دفع رسوم التسجيل، ولكن هذا لم يكن سوى حل مؤقت وليس مستداماً”.

عوائق التعليم أونلاين

تفاعل الأساتذة مع التعليم أونلاين في الجامعة اللبنانية واستجابوا للمساهمة في التعليم من خلال أجهزتهم وحواسيبهم. لكن تبين لهم أن هناك بعض الطلاب الذين لا يملكون هواتف ذكية أو حواسيب أو من الممكن توافر حاسوب واحد في المنزل لأكثر من شخص. وهذا ما أثر سلباً على أداء الطالب أكثر من الأساتذة. ولم تقم وزارة التربية بتأمين المعدات اللوجستية للطلاب من أجل تعزيز القدرة على التعلّم. ولم تقم وزارة الاتصالات على الأقل بتأمين “الجيغات” للتلاميذ الذين يملكون الهواتف الذكية.

فبرأي الدكتور ضاهر إنه “كان يمكن لشركة الاتصالات التي حققت سابقاً الكثير من الأموال الطائلة مثلاً، التضحية من أجل التعليم العالي في لبنان الرسمي والخاص”. شارحاً أن “ظروف البيت للطالب لا يمكن تجاهلها”، ومعتبراً أن “التواصل من خلال التطبيقات التعليمية لا تؤدي الوظيفة المرجوة بين الأستاذ والتلميذ وإدارة الجامعة”.

المحاصصة لا تساعد على الحلول

ماذا عن الحلول؟

يرى الدكتور الحاج إنه “في ضوء الازمات المتتالية تطرح العديد من الهواجس الوجودية من قبل الأساتذة الجامعيين حول كيفية تعزيز مؤسسات التعليم، فما آلت إليه الأوضاع بنتائج المسارات المبتورة للمنظومة الحاكمة والمنتجة لكل الفساد والإفلاس والتي تهدد وجود الدولة، تتطلب من المعنيين استعادة المؤسسات والحفاظ على الحد الأدنى الممكن من استمراريتها إزاء تردي الأوضاع وتدني الأجور”.

ويوضح “منذ التسعينيات خضع العديد من الإدارات العامة إلى نظام المحاصصة البغيض، وبعد توقيف التوظيف ابتدعوا في العام 2004 ما يسمى بعقد المصلحة للموظفين والأساتذة، وهو حسب تعبير قانوني حل افتراضي لتلزيمات أكاديمية وإدارية، والتي ترافقت منذ بدء العمل بها بعدم الأمان الوظيفي والقلق الدائم فكيف تستمر الجامعة من خلال هذه البدع؟ ومع انتشار وباء كورونا وما فرضته من تعليم عن بعد أضافت مشكلات من غير الممكن تجاوزها”.

ويشدد على أن “طرح قضايا الإصلاح وإنتاج المعرفة في هذه الظروف تسوده فوضى كبيرة، فالأساتذة يستبعدون البحث العلمي والأداء التقني لتسيير العملية التعليمية وإنهاء العام الجامعي، ما سيؤدي إلى أطر عامة غير مجدية لمواكبة ما يفرضه التطور التقني والعلمي، ولذلك من غير الممكن تحديث المناهج من حيث مفاهيم الجودة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية”.

ويعتبر أن “على الجامعيين المنخرطين في البحث عن بدائل تغييرية للسلطة مسؤولية كبيرة في ضرورة ابتكار التجمعات النقابية لاجتراح طرق جديدة، فلبنان يفرغ من شبابه ومؤسساته ومجتمعنا يتحلل. وبدأ بعض الأساتذة بطرح فكرة مؤتمر دولي أيضاً لدعم الجامعة اللبنانية على غرار مؤتمر دعم الجيش”.

ويشدد على أنه “لا بد من إدارة الأزمة في هذه المرحلة بما يحمي الأساتذة ويحمي الطالب بآليات واضحة لاتخاذ القرار والشفافية وتفعيل مجلس الجامعة، وينبغي ابتكار نماذج معارضة لمواجهة سلطة الفساد وتوسيع إطار المشاركة في المكونات الأكاديمية والجامعية، وأن لا نتحول إلى مجموعات متناحرة كالمجموعات التي اتسمت بها انتفاضة شعبنا اللبناني”.

أما ضاهر فيرى أن “الحلول متعلقة بالبلد ككل، فاذا بقي الانهيار المالي والدولة لا تمتلك إيرادات وبقي التهرب الضريبي والتهرب الجمركي وعدم دخول العملات من الخارج، فإن موازنات المؤسسات ومن ضمنها الجامعة اللبنانية ستنهار، ويمكن أن تنهار أيضاً الجامعات الخاصة. إلا أن الأخيرة تدعمها دول من الخارج مثل الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية ـــ الأميركية اللتين تتلقيان مساعدات من أميركا بمبلغ 3 ملايين دولار لكل جامعة”.

ويعتبر أن “واحداً من الحلول هي زيادة موازنة الجامعة اللبنانية، وبحسبه من “المفروض تشكيل خلية أزمة للتعليم العالي وبشكل خاص الجامعة اللبنانية حتى تستطيع استقبال أعداد أكبر من الطلاب، وحتى يستطيع الأساتذة التعليم أونلاين وحضورياً، وتأمين مستلزمات الجامعات من مختبرات وصيانة المباني وغيرها، لا مجال أن تتحسن الأمور في ظل الموازنة الحالية. لذلك الحل هو الحصول على مساعدة مادية خارجية، وعلى الصعيد الإداري هناك ضروة لتفريغ الأساتذة المتعاقدين والانتباه إلى المتقاعدين وعدم حرمانهم من حقوقهم، وإلا فإن الأستاذ سيرحل. كما لا بد من تأمين مساعدات اجتماعية للطالب، فالطالب القادم من عكار لا يستطيع دفع 100$ لسكن جامعي”.

وحسب الدكتورة (ح أ)، فإن الحلول تتطلب أيضاً التزام السياسيين بما تم الاتفاق عليه عندما أضرب الأساتذة في العام 2019 لتحقيق مطالبهم، ومن بينها مطالب التفرغ والملاك وإعطاء درجات كتعويض عن سلسلة الرتب والرواتب، زائداً إضافة خمس سنوات على سنوات الخدمة لأنه لا يمكن لأي أستاذ أن يعلم 40 سنة متواصلة ليحصل على تعويض كامل، لا يمكن إدارة الوضع الأكاديمي للجامعة من خلال أطر سياسية وبالمحاصصة. يجب وقف التدخلات وترك القرارات المتعلقة بالجامعة لأهلها”.

شارك المقال