حرج العيد… ذاكرة الفرح

نسرين قمورية

“يا حاج محمّد يويو، قدّيش مصمّد يويو”. تتعالى هتافات الأطفال في كلّ عام لتترك في عالمهم البريء بهجة العيد وأجواء الفرح رغم الأزمات الخانقة التي سلبت منهم أحلامهم وآمالهم.

غاب الاطفال عن أرجوحاتهم العام الماضي وعيد الفطر السابق، بسبب إجازة قسريّة “لحرج العيد” فرضتها الأزمة الصحيّة والاقتصاديّة في لبنان، إلاّ أنّه عاد مشرّعاً أبوابه في الأيّام القليلة المقبلة لاحتضان أبنائه بعد غياب غير مسبوق.

ذاكرة “حرج العيد” القديمة

قصد “حرج العيد” الأجداد والآباء. كان مميّزاً لدرجة أن أطفال ذاك الزمن لم ينسوا شيئاً من تفاصيله. تروي لنا منال السيدة السبعينية قصّتها في حرج بيروت “كان الحرج أماننا وفرحنا، تنصب المراجيح وتنشر الألعاب وتقام المسارح فنتحضّر”بثياب العيد” لنلتقي جميعاً من العاشرة صباحاً حتى السابعة مساءً، وكلّنا حامل عيديته لصرفها على الكبيس والترمس والجزر والألعاب. فتارة نكون في ذهول لما يقدمه الساحر، وتارة أخرى تسحرنا الأغاني التي اعتدنا عليها”. مضيفة: “بيروت يا بيروت، يا قصة بصندوق فرجة صغير، بيروت رح بتظل الأيام عروس الأمير، تعيدني هذه الأغنية إلى أحمد قعبور، إلى حرج بيروت الذي لا يعرف الهدوء والصخب يملأ الساحات”.

“حرج الدراويش، حرج الفقراء”، هكذا أسماه محمّد برجاوي، أحد القيمين على فعاليات مهرجان العيد في منطقة قصقص. تُسلّم بلدية بيروت الحرج للقائمين على الاحتفال قبل يومين من العيد للتجهيز، إلاّ أنّها قدمته هذا العام قبل أشهرعدّة ” ما كنا عارفين كيف نبلش! 2021 من أصعب سنين التحضير”.

بيروت العاصمة سند أهلها، والعيد فيها يعيدنا للزمن الجميل، حيث بيروت المحروسة قلب لبنان النابض.

في كلّ عام، يزور الأهل أقرباءهم في بيوتهم لتهنئتهم بحلول العيد ودعوتهم “للترويقة” الصباحيّة مما لذّ وطاب، لينتظرالأطفال بكل شوق “العيدية” للنزول إلى الحرج بأبهى ملابسهم والبهجة “لا تسعهم” ليعودوا مرهقين بعد ساعات طويلة من اللعب واللهو البريء. “حرج بيروت، هو الحرج الوحيد في لبنان القادرعلى تأمين فرحة الأطفال، ولكننا عاجزون، غير قادرين على مجاراة الغلاء المخيف في لبنان”، التحضيرات في ظل ما يمرّ به لبنان صعبة، لا بل مكلفة أيضاً، مضيفاً: “نحن ما عارفين كيف حضّرنا”.

تكاليف يوم في “حرج العيد”

“العيدية سرّ العيد، ومن لا عيدية له، نحن نتكفل به”، اعتاد البيروتيون على ساحات الفرح والتلاقي في الحرج، إلاّ أنها باتت مكلفة ويحسب لها “ألف حساب”. كانت الأسعار على الشكل التالي: 500 ليرة للبوشار، 500 ليرة لزجاجة البيبسي، 250 ليرة لفنجان القهوة، أمّا الألعاب فكلفتها رمزية وبعضها مجاني، 500 ليرة “للمرجوحة” و 1000 ليرة للألعاب الكهربائيّة، مردّداً “نحن خي الفقير”.

إقرأ أيضاً: هل يبقى الذهب الحارس الأخير للبنانيين؟

لم يسلم القطاع الترفيهي المتواضع من الأزمات الاقتصاديّة الصعبة في لبنان، اذ ارتفعت الأسعار تدريجياً لمجاراة الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار “ما زلنا نشعر بالفقير ولكن تكاليف المازوت والكهرباء أهلكتنا، فالأسعار الآن هي 2000 ليرة للألعاب الكهربائية، 1000 ليرة للمرجوحة، 2000 ليرة للبوشار والترمس”. فكيف للفقير أن يفرح بالعيد؟ وكيف للأب أن يرضي طلبات أبنائه؟ وبأي حال عدّت يا عيد؟

شارك المقال