بعد معاناة 2023… تراجع مظاهر الاحتفال بليلة رأس السنة في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

يُودّع الطرابلسيّون عاماً واجهوا فيه معاناة اقتصادية، معيشية وسياسية مستمرّة منذ أعوام، ليستقبلوا عاماً جديداً لا يتوقّعون فيه تغيّرات سياسية ومالية أو مبادرات جديدة على الأصعدة كافّة. وعلى الرّغم من هذه الظروف التي يراها المواطنون “تعيسة” وتزداد سوءاً مع مرور الأيّام وغياب الاستحقاقات المحلّية، يُحاول أبناء الشمال عموماً وأهالي طرابلس خصوصاً، التفكير في “الممكن” في ظلّ سيطرة واضحة للأزمات المختلفة خصوصاً هذا العام الذي شهد محطات مخيّبة للآمال، تحديداً بعد اندلاع حرب غزّة وما أثارته من انعكاسات واضحة على شعور الأهالي، إذْ قيّد الحدث الجلل كلّ رغبة في إظهار مشاعر الفرح والبهجة.

 مآسي 2023

في الواقع، لم تكن أحداث غزة وحدها سبب شعور المواطنين بعدم الراحة، فلا يخفى على أحد أنّ الأوضاع المعيشية كانت ولا تزال مرهقة إلى حدّ كبير خصوصاً في الأحياء الفقيرة والشعبية التي تتوسع فيها رقعة الفقر مع ازدياد الكثافة السكانية وعدد المواليد المرتفع بالتزامن مع النزوح السوري، ما أدّى إلى رفع ثمن الايجارات، البضائع، والاشتراكات في معظم المناطق والبلدات، وبالتالي إنّ مواجهة السكان لهذه المعضلة المتواصلة لن يكون سهلاً في وقتٍ ترتفع فيه نسبة البطالة والاكتئاب بسبب تراكم الأزمات المادّية.

ويُؤكّد ناشط طرابلسيّ لـ “لبنان الكبير” أنّ الظروف الاقتصادية تحول دون التفكير في إحياء الاحتفالات هذا العام، “ما يُشير إلى خطورة الوضع والقهر الذي يعيشه المواطن، فحتّى العام 2020 كنّا في أزمة لا يغفل عنها أحد، لكنّها سمحت لمعتصمين حينها بإحياء ليلة رأس السنة في ساحة النور وكانت تحت عنوان ثورة رأس السنة، أيّ أنّنا كنّا نحتفل ونصنع فرحتنا بقدراتنا المحدودة على الرّغم من المآسي أثناء الاعتصام، أمّا الآن ونظراً الى الصعوبات المضاعفة والأحداث المحيطة بنا، فإنّنا نشعر بجمود وبرود كبيرين يُؤدّيان إلى التخفيف من البهجة الظاهرة”.

ومع تردّي الأوضاع العامّة وخصوصاً الاقتصادية منها، يبرز الخوف من الأوضاع الأمنية التي واكبتها المدينة هذا العام، الأمر الذي يزيد من حدّة القلق عند المواطنين، إذْ أبدى الكثير من النواب والمعنيين في طرابلس خوفاً من أيّ خضة أمنية جديدة أو مخطط مقلق نتيجة تصعيد الخطاب السياسي والاهمال الذي يسمح للبعض باستغلال هذه الثغرة حتّى في العام 2023، لا سيما بعد حرق شجرة الميلاد والتفكير بخلفيات طائفية أو “إرهابية” لارتكاب هذا الفعل، وذلك على الرّغم من إثبات حسن نية طرابلس بعد زجّها في الكثير من المعارك التي لا ذنب لها فيها، وتأكيد المواطنين رفضهم تحويل مدينتهم إلى بيئة حاضنة، لكن ثمّة من يُحاول الإيحاء بأنّها لا تزال على هذه الصورة المرفوضة. وفي وقتٍ لا يُمانع فيه الطرابلسيّون أيّ تدخل أمني لفرض الأمن، شهدت المدينة عام 2023 سلسلة توقيفات مختلفة اتضحت بجدّية في الأسبوع الأخير من العام، ووفق المعطيات فإنّها كانت مرتبطة بأسباب عدّة منها: الاتجار بالمخدّرات، إطلاق الرصاص أو التحريض عليه.

إلى ذلك، لم يأتِ العام الحاليّ بخير على هذه المدينة، بحيث لا يمرّ أسبوع من دون تسجيل هجرة غير شرعية يتمكّن بعضها من العبور والوصول بسلام إلى وجهته، فيما لا يصل البعض الآخر حتّى إلى المياه الاقليمية، بحيث يتعرّض لأعطال مختلفة. من هنا، يُؤكّد أحد أصحاب المراكب لـ “لبنان الكبير” أنّ الهجرة لم تتوقف ولا يُفكّر المهرّب في أرواح النّاس، فلا يأخذ في الاعتبار أحوال الطقس وغيرها من الظروف.

فيما يُشدّد مصدر حقوقي على أنّ الهجرة كانت متواصلة ولن تتوقف حتّى في العام 2024، بسبب سيطرة “مافيوية” للمهرّبين الذين لا نعرف كيف يتجاوزون المياه الاقليمية، وبسبب اعتقاد البعض أنّ هذه الطريقة هي الأمثل للتخلّص من المشكلات المحلّية، مذكّراً بالقارب الذي قيل انّه خرج من شمال لبنان إلى قبرص منذ أيّام، من دون أيّ معلومات عن صحة أصحابه. وقال: “كلّ الخوف من مصيبة إنسانية في حال لم يتمّ إيجاد هؤلاء والاعتراف بهم”.

نهاية العام

تتخذ القوى الأمنية شمالاً ليلة رأس السنة، تدابير عدّة في سبيل تثبيت الأمن والحرص على سلامة المواطنين في طرابلس وسائر الأقضية الشمالية، من خلال عملية الانتشار الأمنيّ واتخاذ إجراءات واسعة قائمة على تسيير دوريات راجلة، إقامة الحواجز الثابتة والمتنقلة، والتدقيق بالهويات وأوراق السيّارات، وهي لا تقتصر على الشوارع، الساحات أو الأحياء فحسب، بل ستكون حريصة أيضاً على وجودها أمام المطاعم والمقاهي بدءاً من مداخل طرابلس وداخلها، وذلك وفق ما يُصرّح مصدر أمنيّ لـ “لبنان الكبير”.

وعن إطلاق الرصاص العشوائي الذي بات عادة سنوية، يُؤكد المصدر عزم الأجهزة الأمنية على ملاحقة أيّ مطلق نار، قائلاً: “سننفذ مداهمات وسنعتقل كلّ من يقوم بذلك للحدّ من هذه الظاهرة التي تُؤذي المواطنين”. ويتوقع أن يقطع الأهالي الطرق بعد التوقيفات مباشرة احتجاجاً عليها.

أمّا القوى الدّينية المتمثلة بدار الفتوى في طرابلس والشمال، فكانت أصدرت عام 2021 فتوى حرّمت فيها إطلاق الرصاص في الهواء، وجاء في البيان: “لا يجوز، وهو مخالف لأحكام الله تعالى ورسوله، وفاعله آثم ومرتكب للمعصية، وكلّ ما ينتج عن هذا العمل من قتل إنسان أو جرحه أو إضرار بالممتلكات أو ترويع للناس يتحمّل إثمه ومسؤوليته عند الله كلّ من أطلق الرصاص في حينه ووقته”.

وعن التجهيزات والتحضيرات، وعلى الرّغم من الأزمة الخانقة، إلا أنّ بعض المطاعم والمقاهي وتحديداً في الضمّ والفرز، سيكون “مفولاً” مع انتهاء العام حسب التوقّعات وذلك بسبب وجود المغتربين أو إرسالهم الأموال من الخارج، في وقتٍ تغيب عن عاصمة الشمال الاحتفالات التي عادة ما تحدث في زغرتا، وإهدن مثلاً، الأمر الذي يدفع عدداً من أبنائها إلى الحجز في تلك المطاعم التي تقع خارج نطاق المدينة.

أمّا أبناء طرابلس الذين يُواجهون صعوبات معيشية مع تراجع مدّهم بالأموال “الاغترابية” في هذه المناسبة لا سيما في المناطق الشعبية وغيرها من المناطق، فمنهم من لا يُفكّر في الاحتفال نتيجة الظروف المعيشية، إذْ يرى أنّ هذه الفعاليات لا تُعدّ أولوية، فيما لا يرغب البعض الآخر في الاحتفال مناصرة ودعماً لغزة، في وقتٍ يُحاول بعض المواطنين الاحتفال ولكن بطريقة “على قدّ بساطك مدّ إجريك”، وهذا ما يُؤكّده أبو عمر الذي يُريد حجز قالب حلوى من أحد محال ساحة النجمة على الرّغم من تجاوز سعره المليون ليرة، ويقول: “لديّ 6 أولاد في المنزل، وأريد أنْ أفرحهم لكن لم أجرؤ على شراء المزيد، نظراً الى عجزي عن ذلك”.

ويستذكر أبو عمر تجهيزات هذه الليلة منذ أعوام في طرابلس التي وصفها بـ”أمّ الفقير” في تلك الفترة، موضحاً “أننا كنّا نجهز العشاء، ومختلف المشروبات المثلجة لهذه الليلة، إضافة إلى السكاكر أو الحلويات وأبرزها القطايف، الفواكه، شواء الكستناء، المقبّلات، وكنّا نقف طوابير على محال الباتيسري التي تشهد إقبالاً ملحوظاً لا تشهده اليوم إلّا بسبب طوابير الخبز لا لأسباب مبهجة”.

كلمات البحث
شارك المقال