إشارة سير وحيدة مدللة ضحية الثورة

راما الجراح

سقط أول رموز الحضارة على أيدي الثوار الجدد، لم ترق لهم ألوان قوس قزح فكانت أول قربان للثورة إشارة سير وحيدة مدللة في البقاع الغربي على مفرق بلدة المرج، كدنا أن نقيم إحتفالات ومسيرات يوم تدشينها لأننا لم نرها إلا في المدينة.

إنجاز كان الأول من نوعه في منطقة البقاع، أبصر النور بعد أشهر قليلة من إنتشار خبر البدء بالعمل فيه، وشكّل صدمة إيجابية عند أغلب أهل البقاعين الغربي والأوسط كما لو أنه “الإنجاز المنتظر”.

إن الإنسان بطبيعته دائم البحث عمّا يوفر له سلامته وحمايته من أي مخاطر يمكن أن تواجهه، ومدافع شرس بوجه كل من يحاول المساس بأمن أهله وعائلته، فكيف بإشارة مرور أُنشئت على الطريق الدولي عند نقطة مفرق “المرج – برالياس”، النقطة التي تغص يومياً بآلاف السيارات، وذلك للحد من حوادث السير، لتنظيم حركة مرور السيارات والمّارة وفق قواعد ونظم مدروسة، والجميع ينضبط بما تقرّه هذه الإشارة، فمن حقه العبور يعبر، ومن يجب عليه الانتظار ينتظر دوره.. ولكن…

قرر رئيس بلدية المرج منور الجراح إنشاء إشارة مرور في المنطقة، حرصاً منه على أهالي المنطقة من الانتظار طويلاً عند هذه النقطة بسبب زحمة السير الخانقة يومياً، وللتخفيف من المشكلات الناتجة بشكل أساسي عن عدم وجود تنظيم لحركة السيارات، وبالتالي للحد من أي فاجعة نتيجة حوادث السير المتصاعدة نسبياً في البقاع خصوصاً.

وهذا ما حصل، وكادت أن تصبح مثالاً يحتذى به في العديد من البلدات القروية البقاعية إلى أن قامت “ثورة” ١٧ تشرين، وبدأت التجمعات والتظاهرات في معظم المناطق البقاعية وبدل أن يقيلوا الزعيم من منصبه أقالوا إشارة المرور من مكانها، وسقط أول سلاح إشارة عند طلاب الحضارة وربما ظنوا بسقوطها سيبدأ نشيد الوطن.

الجراح: “كان مشروع إشارة المرور من أهم المشاريع التي أقيمت في البقاع ولمصلحة البقاع ككل”

رئيس بلدية المرج منور الجراح قال: “كإبن بلدة المرج وبالأخص في العشرين سنة الأخيرة، كنت ألاحظ كغيري من أهل المنطقة الاكتظاظ وزحمة السير الخانقة التي أصبحت تزاد عاماً بعد عام على الطرقات، وبعد أن تسلمت منصب رئاسة بلدية المرج بمحبة أهل منطقتي قررت أن أكون أول المبادرين لهذه الخطوة الحضارية التي تعتبر الأولى في تاريخ المنطقة وخاصة في ظل تقاعس الدولة والمسؤولين عن إقامة مشاريع إنمائية أو حضارية لمصلحة البقاع وأهله”.

أضاف الجراح: “كان مشروع إشارة المرور من أهم المشاريع التي أقيمت في البقاع ولمصلحة البقاع ككل، وعندما طرحتها على أعضاء المجلس البلدي كانت الموافقه سريعة عليها وبإجماع أعضاء المجلس، وكانت وزارة الأشغال متساهلة مع الإجراءات وتمت الموافقة، وعند إقامة المشروع تلقيت اتصالات كثيرة عن أهمية وجود إشارات مرور في منطقة مهمشة كالبقاع وعن دلالتها الحضارية وعن النظام الذي ستحمله والحد من زحمة السير وحوادثها”.

وأشار الجراح في حديثه الى أنه “في الفترة الأولى من وضع إشارة المرور كانت نسبة الالتزام تتخطى ال ٨٠٪ حتى وصلت إلى ١٠٠٪ بعد أشهر وهذه أرقام مُشرّفة تدل على مدى وعي المواطن وتعطشه إلى مشاريع كهذه”.

وبالنسبة لتكسير إشارة المرور قال: “شعرت بخيبة وأسف شديدين عندما تم تكسير الاشارة من قبل مجموعة أجهل من تكون إلى اليوم، حتى أنني أستبعد أن يكون وراءها أي جهة سياسية كما قيل حينها،  فالمشروع كان يصب في المصلحة العامة أولاً وفي مصلحة أهل البقاع ثانياً وهذا ما يثير الاستغراب في تدمير هكذا مشروع”، مؤكداً أنه “كنا في بداية زمن ثورة ١٧ تشرين عندما تم الاعتداء على الإشارة وتكسيرها وكان ذلك بالتزامن مع تكسير واجهات العديد من المحال التجارية والمصارف في كل لبنان، ولهذا السبب لم يُعرف الفاعل ولم نستطيع تحديده لتقديم شكوى بحقه لأنه يستحق العقاب”.

وتمنى الجراح على الكل المتظاهرين والثائرين أن تكون احتجاجاتهم سلمية ولا تضر بأي مشروع قائم لأجلهم مؤكداً وقفوه إلى جانبهم في كل مطالبهم المحقة، موضحاً أن “النفق الذي تم تشييده في الوقت نفسه الذي وُضعت فيه إشارة المرور تم اعماره بأجود أنواع الحجر الطبيعي وأصبح منارة وشكّل مدخلا مهيبا لبوابة البقاع الغربي أما اليوم حالته يرثى لها بسبب حرق الدواليب داخله”، واعتبر أن “مثل هذه الأفعال لا تضر بالمسؤولين ولا تعود بالمنفعة على أحد”.

وختم الجراح ببارقة أمل لأهالي منطقة البقاع واعداً بإعادة نصب إشارات المرور من جديد وفي مكانها السابق. مؤوقال:ً “لقد وصلت إلى مرفأ بيروت بإنتظار انخفاض سعر الدولار لنستطيع تسديد مستحقاتها كاملةً”.

على أمل إعادة تأهيل الفكر الثائر نبقى في انتظار إشارة ضوء في هذا النفق الحالك.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً