“كرّت سبحة” الهدم التراثي في طرابلس… والمرتضى يتخطّى الجميع؟

إسراء ديب
إسراء ديب

تعود قضية الأبنية التراثية إلى الواجهة من جديد في مدينة طرابلس التي تُشكّل الآثار جزءاً من ذاكرتها، إذْ لم ينسَ أهاليها قضية مبنى المير الذي هدم “عمداً” في الزاهرية منذ أشهر، ليتلقّوا صدمة جديدة مع محاولة هدم جزء من العقار رقم 161 في منطقة التلّ العقارية / المطران (بلوك أ و ب)، عقب استحصال صاحب العقار أو الجهة المالكة على رخصة هدم من وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمّد وسام المرتضى، الأمر الذي أحدث جدلاً واسعاً دفع المرتضى بعدها إلى وقف هدم البناء منذ أيّام بعدما “تبيّن له أنّه يقع بين بناءين تراثيين ومن نسيجهما العمراني عينه، وقرر إبلاغ هذا الأمر إلى الجهات الادارية والبلدية المعنية كافّة”.

القرار الأوّل الذي اتخذه المرتضى بتوقعيه في 04/09/2023، والذي قيل انّه تبنّى فيه رأي “أصحاب الاختصاص”، كان قد أحيل على اللجنة التراثية المكلّفة من الوزير نفسه لإبداء آرائها في الموضوع، مع العلم أنّ المديرية العامّة للآثار، كانت ولا تزال المسؤولة الأولى “رسمياً” عن هذه القرارات. وقد خلص القرار الأوّل إلى أنّ “ليس ثمّة ما يحول دون هدم البناء القائم على البلوكين، بعد أنْ تعهّدت الجهة المالكة بإعادة تكوين البناء بواجهاته الأمامية والجانبية والتقيّد بالارتفاعات والخطوط الغلافية الموافق عليها من وزارة الثقافة – المديرية العامّة للآثار وفقاً للخرائط المرفقة بملف المعاملة…”.

أمّا القرار الثاني الذي تراجع فيه الوزير عن فكرة الهدم، فيُشبه السيناريو نفسه الذي اتّبع قبيل هدم مبنى المير “بحذافيره”، فبعد استحصال صاحب العقار الثاني وهو من آل السبسبي على رخصة بهدم المبنى عبر استخدام علاقاته و”عشمه” بالوزير، باشر أعمال الهدم التي استنكرها معظم أبناء المدينة وكذلك القائمين على أمورها التراثية، لكن سرعان ما اتخذ الوزير قراراً يمنع استكمال الهدم الذي كان أحدث “عطباً” رئيساً في المبنى، ما يعني أنّه سيكون آيلاً للسقوط العاجل غير الآجل، من دون محاسبة واضحة، وهو الأمر نفسه الذي حدث في مبنى المير.

ويخشى عضو مجلس بلدية طرابلس ورئيس لجنة الآثار والتراث، البروفيسور خالد تدمري من “كرّ سبحة” عمليات الهدم في طرابلس، قائلاً في حديثٍ لـ”لبنان الكبير”: “سنتصدّى لها بالتأكيد عبر الرفض البلديّ، الاعلام والبيانات التي نمنع فيها هذه الأفعال، لكن للأسف حين يحصل صاحب الملك على إذن هدم من الوزير، يتجه إلى شورى الدّولة ليُؤكّد له أنّه استحصل على رخصة وزير لكنّه لم يستحصل على إذن من البلدية، لذلك سيحصل على قرار من شورى الدّولة يُلزم البلدية بإعطائه إذن الهدم، خصوصاً حينما يكون المبنى معرّضاً للسقوط ويُهدّد السلامة العامّة، وخلال هذا الوقت، سيُحاول البعض تكسير المبنى وتحويله إلى متهالك حقاً كي يسقط في أيّ لحظة”.

يُمكن التأكيد أنّ ملف مبنى المطران لا يُعدّ جديداً، فمنذ تسعة أعوام منعت لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس بالتعاون مع المديرية العامّة للآثار التابعة للوزارة، هدم المبنى المذكور، ما دفع القوى الأمنية (التي يُقال انّها متمركزة أمامه لحمايته حالياً)، إلى إقفاله بالشمع الأحمر، خصوصاً بعد قيام أصحاب العقار بإزالة “الدرابزين” والنوافذ منه، وفرضت حينها عملية ترميم لا هدم، تخضع لشروط هندسية وفق المديرية العامّة للآثار”، وذلك حسب ما يُؤكّد تدمري الذي يُشدّد على أنّ اللجنة في البلدية كانت تصدّت لهدم قصر العجم، مسرح الإنجا، المدرسة السلطانية، مدرسة الأميركان بعد خروج السوريين منها، ومبانٍ مختلفة في التلّ والمطران.

المرتضى والبلدية

بدوره، يستغرب مصدر متابع لـ “لبنان الكبير” سلوك الوزير المرتضى مع ملف الأبنية التراثية، مشيراً الى وجود خلافات واضحة بينه وبين المديرية العامّة للآثار التابعة للوزارة، ومع المدير العام لوزارة الثقافة شخصياً وهو الدكتور علي الصمد “ابن الشمال”.

ويقول: “في عهده، واستناداً الى اللجان التي يُشكّلها خارج الوزارة، يتجاوز الوزير قرارات المديرية التي ترفض الهدم التراثي، وبضغوط معروفة من المتعهدين وأصحاب الأبنية ورغبتهم المستميتة في الهدم، يُشكّل لجاناً خارجية يعتمد عليها، بحيث تُرمى المسؤولية عليها مباشرة في وقتٍ لا تلفت فيه هذه اللجان عموماً نظر الوزير إلى قيمة هذه المباني وقدرها تراثياً، وهذا ما رصدناه في ملف مبنى المير الذي شكّلت من أجله لجنة مختلفة عن الحالية، بينما تقوم بعض القوى في المدينة بتبرير الهدم للتأكيد أنّ المبنى لم يشهد على قصّة تاريخية كغيره، أو بتبرير تصرّف الوزير، لكن من الواضح أنّ مبررات مختلفة ستقضي على المباني ذات الهوية المعمارية الأثرية وستكون هدفاً لكلّ متعهّد يُريد استبدال البناء بمشروع خاصّ، تسبقه سرقة الأحجار من المبنى التراثي وتحديداً إذا كان المبنى حجريّاً، كما سرقة غيرها من العناصر التراثية كتيجان الأعمدة، الدرابزين، البلاط وغيرها، ليتمكّن فيما بعد من تحقيق مشاريع ربحية له كما لبعض الشخصيات التي ترغب في التشويش على العمل البلديّ الذي يتجاوزه المرتضى أيضاً ولا يلتفت الى آرائه”.

أمّا عن البلدية واحتمال موافقتها على الرخصة، ووفقًا لمعلومات “لبنان الكبير”، فإنّ المرتضى وبعد تقديمه تسهيلات لهدم المبنى لصاحب العقار، “توجّه الأخير (من دون تحديد تاريخ) إلى البلدية، واستحصل على رخصة هدم منها استناداً إلى كتاب وصل إلى البلدية من الوزير، ليُباشر بالهدم على أساسه قبيل تراجع المرتضى الذي أوقف عملية الهدم بعد سقوط نصف المبنى تقريباً، في إشارة إلى أنّ الرخصة كانت حوّلت مباشرة إلى رئيس البلدية أحمد قمر الدين، “من دون أنْ تلفت المصالح أو اللجان المعنية نظر الرئيس الى خلفيات هذا المبنى والاشكالية حوله، ما يُؤكّد وجود علامات استفهام حول العمل البلديّ الذي يتخذ قرارات من دون الرجوع إلى استشارة اللجان المعنية بالموضوع، في وقتٍ كان يُمكن لقمر الدّين التراجع فيه لو تمّ لفت نظره الى “المعمعة” التي قد يُحدثها الملف، لذلك يُمكن القول إنّ خللاً موجوداً في العمل البلدّي الذي لا يُعدّ “الآمر الناهي” في هذا الملف بل وزارة الثقافة”.

في الواقع، إنّ إحالة الرخصة والموافقة عليها، تُشكّلان سابقتين خطيرتين وزارياً، فمنذ أكثر من 20 عاماً، لم يقم أيّ وزير ثقافة بإعطاء رخص هدم إلّا بعد إشارة المديرية العامّة للآثار. ويُتابع المصدر: “يبدو أنّ تخطّي المتخصّصين، هو خطّة ممنهجة خطيرة من المتعهّدين بصورة رئيسة للحصول على رخص هدم قدر المستطاع بدلاً من الحفاظ على الأماكن التراثية التي لا قانون يحفظها جدّياً ويجذب المستثمرين للعمل عليها، بل يتحكّم حالياً القانون التجاري بكلّ المتعهدين الذين تجذبهم طرابلس عقارياً”.

شارك المقال