إضراب “ودّي” يُقفل قلعة طرابلس لأيّام قبيْل احتفاليتها الثقافية

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يُبدي المعنيّون الطرابلسيون أيّ اهتمام بفعاليات إعلان طرابلس عاصمة للثقافة العربية لعام 2024، فعلى الرّغم من قرب حلول هذه الاحتفالية الثقافية، إلا أنّ غياب التجهيزات اللازمة للبنية التحتية السياحية أو الثقافية في المدينة كما يجب تحضيراً لمناسبة من المتوقّع أن تحدث في أيّار حيناً، وسوء التنسيق والتنظيم حيناً آخر، قد يُنذران بالأسوأ الذي يُقلق عدداً لا يُستهان به من المتابعين والمهتمين بالشؤون الطرابلسية.

وفي الوقت الذي تزدهر فيه السياحة خلال فصل الشتاء في المدينة، فوجئ منذ أيّام عدد من المواطنين والسيّاح بإقفال قلعة طرابلس التي منعوا من الدخول إليها، الأمر الذي أصاب الكثير منهم بالإحباط والغضب، فيما أصيب آخرون بنوبة “تساؤلات” عن كيفية إقفال صرح أو منبر ثقافي وتاريخيّ معروف ومهمّ في المدينة قبل ثلاثة أشهر من قرب احتفالية إعلان طرابلس عاصمة ثقافية، في ظلّ جهود حثيثة يُبديها وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمّد وسام المرتضى للاحتفال بهذه المناسبة التي لطالما انتظرها الطرابلسيون منذ أعوام، وذلك بحجّة الالتزام بإضراب موظفي القطاع العام.

يُمكن القول، إنّ إضراب الموظفين العامّين جاء رفضاً للإهمال الرسميّ ورغبة في تحصيل الحقوق “المستباحة”، لكنّ لا يخفى على أحد أنّ إضراب الموظفين الـ 20 في القلعة يُعدّ مستغرباً، ويُمكن أن يطلق عليه لقب “إضراب أب تو دايت” أو الاضراب “المتناقض”، إذْ لم تُقفل أبواب القلعة أمام السيّاح والوفود بصورة شاملة بل تواجد الموظفون فيها، على الرّغم من ضرورة التزامهم بالاضراب وبقائهم في منازلهم وصولاً إلى تحقيق المطالب، باستثناء ربما الموظف أو العنصر الأمنّي الذي يبقى لحماية القلعة وآخر لإدخال النّاس إليها (موظف عام الآثار مع موظف البلدية مثلاً)، لكن هذا ما لم يحدث.

ولا يقتصر التناقض على البقاء في العمل فحسب، بل يُؤكّد بعض الموظفين للزائرين اضرابه عن العمل، وفي الوقت عينه يُلبّي رغبة رسمية في افتتاح أبواب القلعة أمام البعض، وهو ما يدفع إلى الحيرة والتساؤل عن كيفية الالتزام بالاضراب ضدّ الوزارة والادارات التي يعملون لديها، في وقتٍ يلتزم فيه بعض الموظفين بالبقاء في القلعة وفتحها بموافقة ورغبة من المعنيين في الوزارة ومديرية الآثار التابعة لها، باستثناءات قائمة على الاتصالات والتواصل مع المعنيين للحصول على موافقة بزيارتها شرط عدم الدخول إلى المتاحف في القلعة أخيراً.

تفاصيل

تواصل “لبنان الكبير” مع رئيس نادي آثار طرابلس بكر الصدّيق الذي كان أثار هذه القضية التي كشفها “بالصدفة” عند زيارته القلعة مع أحد المغتربين الذي كان يحلم بزيارتها وغادر البلاد من دون تحقيق هذه الأمنية التي تُعدّ مرحلة أساسية ضمن مخطّطات السيّاح والزائرين إلى طرابلس.

ويُؤكّد الصدّيق، أنّ ما يحدث في القلعة وربما في غيرها من المعالم التراثية والتاريخية، يرتبط بسوء التنسيق والادارة بصورة محتملة، لا بسبب مؤامرة تُحاك للمدينة كما يروي البعض، لأنّ المشكلة لا تصل إلى هذه الحدّية ولكنّها مؤسفة، خصوصاً وأنّ الجهات الرسمية تستعدّ لاطلاق فعاليات ثقافية في المدينة، مشيراً الى معرفته بإعلان موظفي القطاع العام عن إضرابهم، “لكن لم نتوقّع أن يطال الاضراب القلعة تحديداً”.

ويقول: “إنّ المغترب الذي رافقنا كان يزور المدينة للمرّة الأولى، وحاول الدّخول إلى القلعة التي أكّد لنا أحد موظفيها أنّ مديرية الآثار تمنع دخول الزوّار إليها بسبب إضراب الموظفين، وهنا شعرت بتناقض شديد، فكيف يُمكن أن يُضرب الموظف وأن تمنع المديرية بقرارها بسبب الاضراب دخول السيّاح؟”، مضيفاً: “إنّ الاضراب شيء، ومنع الدخول بقرار شيء آخر، لذلك سألنا موظفين آخرين، فأكدّوا أنّ القرار من المديرية يُصرّ على عدم دخول الزائرين، فتواصلت مباشرة مع المدير العام للآثار في وزارة الثقافة سركيس خوري لأخبره بما حدث، فأكّد أنّهم مضربون ولا علاقة للمديرية بهم، مع العلم أنّ الموظفين تحدّثوا بصورة مغايرة وأكّدوا أنّ هذا القرار طبّق في كلّ معالم لبنان التراثية ما عدا بعلبك بسبب إصرار رئيس بلديتها على أخذ الافتتاح على عاتقه ليدخل الناس إلى القلعة”.

ويوضح الصدّيق أنّ كلام الموظفين عن الدّعم “البلديّ”، ألهمه للاتصال برئيس بلدية طرابلس رياض يمق (قبل تسلمه الرئاسة رسمياً)، لإقناعه بتنفيذ الفكرة عينها التي نفذت في بعلبك كنموذج إيجابيّ لتشجيع السياحة، “لكنّه لفت إلى عدم تسلمه البلدية وعدم توجهه إلى الدوام، الأمر الذي دفعني إلى التفكير بكيفية التواصل مع الوزير، فتحدّثت مع رئيس الرابطة الثقافية رامز الفرّي الذي تواصل بدوره مع الوزير الذي كلّف من جهته مستشارته للتواصل معها في الأمر، لتُصدر استثناء بدخولنا إلى القلعة، وهو ما رفضته تماماً، فما حدث معي قد يحدث مع غيري من السيّاح، وقد لا يتمتّع الزائر بمعارف أو علاقات تُعطيه هذا الاستثناء الذي حصل بناءً على اتصالات وموْنة بين المعنيين للموافقة على دخولنا الى قلعة على الجميع زيارتها من دون إذن أو استثناء. وكيف يمون الوزير ومستشاروه على الموظفين وهم في حال إضراب؟”.

وللتدقيق في تفاصيل ما يحدث، اتصل الصدّيق منذ أيّام بأحد الموظفين الذي أكّد له أنّ المديرة الاقليمية للبنان الشمالي في المديرية العامّة للآثار الدكتورة سمر كرم، تحدّثت مع أحد الموظفين لإدخال الناس إلى القلعة باستثناء المتاحف، في وقتٍ لم يبلّغ فيه أيّ موظف آخر هذه التعليمات، ولهذا السبب وبغياب الموظف المعنيّ، لا يُدخل الموظفون أيّ سائح آخر.

ويلفت متابع لهذا الملف إلى أنّ “الاضراب الودّي والجزئي الذي يبدو غير مناسب في توقيته تحديداً، يُواجه في كواليسه كيدية سياسية إلى جانب كيدية إدارية نظراً الى وجود خلافات بين وزير الثقافة، المدير العام للشؤون الثقافية علي قاسم الصمد وغيرهما من الشخصيات المعنية، وهذا ما يُظهره التقصير الكبير في إدارة الملف الثقافي الطرابلسي، على الرّغم من تواجد المرتضى في المدينة والذي لا تصله ربّما الأخبار كما هي بدقّتها وصحتها، وذلك قد يعود إلى احتمال تدخل المستشارين قبل تدخله شخصياً في الشؤون اللازمة والتي لا تتمّ مراقبتها بالصورة المطلوبة”.

شارك المقال