العيد “فرحة” في طرابلس… رغم سحب الدّخان!

إسراء ديب
إسراء ديب

عمّت أجواء الفرحة والسرور أرجاء مدينة طرابلس وأحياءها، تزامناً مع حلول عيد الفطر السعيد الذي تمكّن من بثّ طاقة إيجابية مميّزة في هذه المدينة التي ودّعت شهر رمضان المبارك، لتستقبل نفحات شهر شوّال بطقوس دينية وعادات اجتماعية يُحييها الآلاف من الطرابلسيين وكذلك اللاجئين السوريين والفلسطينيين ابتهاجاً بقدوم العيد شمالاً.

ولا تحلو هذه المناسبة التي تستمرّ بفعالياتها لأربعة أيّام (وربما إلى يوم الأحد هذا العام)، إلّا بسماع التكبيرات التي بدأت في ليالي العشر الأواخر واستمرّت حتّى ثالث أيام العيد. كما لا تحلو إلّا بالحديث عن مبادرات إنسانية قائمة على تقديم كسوة العيد مجاناً، أو تنظيم حلاقة العيد بصورة مجانية للأطفال أيضاً، ليكون العيد سبباً يُدخل السعادة إلى قلوبهم تحديداً، نظراً الى تعلّقهم بالعيد عبر لباس جديد، وألعاب كثيرة كمفرقعات “الثوم” وغيرها، كما بفرد “الخرز” الذي يملأ أراضي المدينة ويدفع الكثير من أهلها إلى إخفاء عيونهم (حين يرونه بيدّ الأطفال) خوفاً من أنْ تُصيبهم منه “طلقة”، وذلك في مشهدية مضحكة ومتكرّرة سنوياً.

في الشمال وتحديداً في عاصمته، يتميّز العيد بأجواء احتفالية لا تجدها إلّا في الفيحاء، حيث يحرص الطرابلسيّون على التعاضد في الوحدات الاجتماعية (الصغيرة منها والكبيرة) المتمثلة بالأسرة والعائلة، أيّ صلة الرّحم، والقائمة على تبادل التهنئة بالعيد، زيارة المقابر كجبانة التبانة وباب الرّمل بالدرجة الأولى، إضافة إلى الزيارات المتبادلة وتقديم زكاة الفطر (قبل صلاة العيد) لذوي القربى الأوْلى بالمعروف وفق الشريعة الاسلامية. كما تتميّز المدينة بإعداد ورق العنب، أيّ الطبق الرئيسي الذي قد يمتدّ تقديمه إلى ثالث يوم وما بعده، وبتجهيز المعمول أو “كعك بخميس”، شراء السكاكر والحلوى، وتنظيف المنزل بـ “تعزيلة” منظمّة لاستقبال الضيوف الذين يحملون “العيدية” معهم، فيما يلجأ بعض الأسر إلى التوجّه لمحال التسالي ليلعب الأولاد، على الرّغم من وجود نقص في عدد الملاهي وجهوزية الألعاب فيها.

وكما جرت العادّة “المستحبّة”، فقد أدّى الآلاف من المؤمنين صلاة العيد ومنها الصلاة في مسجد المنصوري الكبير، أو مسجد التقوى حيث يقطع الجيش الطرق، ويُحوّل السيْر إلى طرق ثانية، ليفسح المجال أمام المصلّين للاستماع الى خطبة العيد وتأدية الصلاة بعدها مباشرة من داخل المسجد وخارجه بامتداد واسع، فيرتدي الكبار والصغار، النساء والرجال، ثياباً شرعية من “دشداشة” للذكور، وعباءات للإناث، وذلك في رمزية دينية يُشارك فيها كلّ القاطنين في طرابلس، حتّى السوريون الذين يحتفلون بالعيد بشراء المعمول والمشاركة في الصلاة التي عمل الكثير من المساجد على إنهائها بتقديم السكاكر للمصلّين.

إنّ مظاهر عيد الفطر، لا تقتصر على العائلة والأطفال فحسب، بل شهدت شوارع طرابلس زحمة سير أكثر من خانقة في كلّ شوارعها، أيّ في ساحة التلّ، الأسواق حيث فتح بعض المحال أبوابه للمشترين، شارع عزمي، المئتين، الضمّ والفرز لرواد المطاعم والمقاهي، الأوتوستراد من الزاهرية، مروراً بمخيّم البدّاوي، وصولاً إلى المنية، أيّ كلّ شوارع المدينة التي ضجّت بالسيارات وببائعي البالونات والألعاب، في وقتٍ كانت الأجهزة الأمنية عمدت الى تسيير خطّتها الأمنية عبر دوريات ثابتة ومسيّرة، على الرّغم من حدوث بعض الخروق التي تُعدّ بسيطة أمام هول التعدّيات التي حدثت في رمضان، ولم يتمكّن أحد من ضبطها حينها.

ولعلّ أكثر ما نغصّ فرحة العيد على الطرابلسيين، هو استيقاظهم على رائحة كريهة وخانقة مصدرها من بور التبانة، حيث لم يهدأ أصحاب البور كما لم يتراجعوا عن حرق الاطارات وربما أمور أخرى مجهولة، خصوصاً في آخر أسبوع من رمضان، وصولاً إلى أول أيّام العيد، بحيث امتدّت السحب الدخانية السوداء منها والبيضاء في كلّ الأحياء، محدثة حالاً من الغضب والاستياء، إذْ لم يكفّ هؤلاء عن ارتكاب هذه الجريمة المستمرّة “على عين الدّولة والأمنيين” منذ عشرات السنوات، حتّى خلال تأدية النّاس صلاة العيد، اذ تنشق كلّ المصلّين هذه الرائحة التي شعر بسببها البعض بآلام في الصدر والبطن نظراً الى شناعتها وقوّتها، في وقتٍ لم تُبادر القوى الأمنية الى الحدّ من هذه الظاهرة التي لم يخجل القائمون عليها (الذين يحظون بتغطية سياسية وأمنية) من الاستمرار في إزعاج المواطنين الذين ملأت السحب منازلهم، وأدّت إلى انتشار الغبار و”الشحتار” على أسطحها من الدّاخل والخارج، عدا عن الأمراض والأوبئة التي انتشرت في المدينة خلال الأعوام الماضية بسبب سكوت الدّولة “المستفيدة” وتمادي المجرمين.

يُمكن القول، إنّ الطرابلسيين يعشقون عيد الفطر بكلّ تفاصيله، وعلى الرّغم من التعدّيات أو الحديث عن الأزمات المعيشية المعروفة، إلا أنّ المساعدات والمبادرات الانسانية القائمة على مدّ يدّ العون، الخير والإغاثة للنّاس لا تزال قائمة لتُسكّن الآلام الاجتماعية، وذلك في ظلّ تمسّك واضح من الأهالي بهذه الفعاليات التي تنتقل من جيل إلى آخر يجد فيها السرور والقرب من الله والمؤمنين.

شارك المقال