منذ فضيحة عصابة الاغتصاب على تطبيق “تيك توك”، ترتفع المناداة بحظره في لبنان، ولكن يبدو أن غالبية الناس لا تعلم بتطبيقات أخطر بكثير من “تيك توك” في متناول الأطفال، والحديث هنا ليس عن “سنابشات” الذي يمتلك خاصية الرسائل التي تمحى بعد الخروج من المحادثة، ولا عن تطبيقات كـ “فايسبوك” و”انستغرام” واكس” الشبيهة بـ “تيك توك” من جهة الرسائل والمحادثات، بل عن تطبيقات تستهدف الأطفال مباشرة، وهي ألعاب الكترونية متصلة بالانترنت، يستغلها المنحرفون والمجرمون، ويلعبها الملايين حول العالم.
“روبلوكس” هي لعبة أونلاين مصممة للأطفال والمراهقين من عمر 8-18، ينشئون من خلالها شخصيتهم الرقمية ويزينونها ويلبسونها، ويمكنهم أيضاً أن يطلقوا العنان لخيالهم ويصنعوا ألعابهم الخاصة، وهنا تكمن المشكلة اذ ان الرقابة على هذه الألعاب ليست مشددة، وكذلك لا يمكن فعلياً معرفة اللاعبين الذين قد لا يكونون أطفالاً، وقد سجلت عدة حالات تحرش عبر اللعبة، إن كان عبر التلاعب بالأطفال، كي يرسلوا صوراً حميمة، أو عبر التحرش الالكتروني، بحيث يقوم المنحرفون بإنشاء غرف تجري فيها أعمال غير لائقة ويدعون الأطفال اليها.
“ماين كرافت”، إحدى أشهر الألعاب في العالم، وهي تركز على إبداع اللاعبين وتسمح لهم ببناء أبنية متنوعة باستخدام كتل برسومات وألوان مختلفة في عالم ثلاثي الأبعاد، ويمكن تعديل موارد وكائنات على اللعبة عبر برنامج يدعى “مود” بالامكان تنزيله من الانترنت وتثبيته على اللعبة، وهو يغيّر عناصرها وقد يتضمن أشكالاً مخصصة للصور الرمزية والموارد. ويمكن تنزيل الـ “مود” من مواقع عشوائية غالبيتها غير موثوقة، وهو يتضمن برامج ضارة وفيروسات. وهناك في اللعبة أيضاً خاصية الشات واللعب الجماعي.
الخبير في الأمن السيبراني رولان أبي نجم أشار في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “روبلوكس وماين كرافت وغيرهما من الألعاب الالكترونية التي تلعب عبر الانترنت، تضع الطفل في بيئة يلعب فيها مع غرباء لا يعرفهم، ويتحدث معهم، ما يجعله عرضة للتلاعب، وحتى أن الفيديوهات الترويجية للعبة تتلاعب بالأطفال، وتشجعهم على قبول طلبات الصداقة من الغرباء، والتحدث اليهم، والدخول إلى غرف خاصة معهم، عدا أن هناك مخترقين يصممون كودات خاصة يمكنها اختراق أجهزة الأطفال عبر اللعبة، ويسحبون صورهم وفيديوهاتهم الخاصة، أو تصويرهم من دون علمهم، ويبدأون بابتزازهم”.
اشتهرت حالتا تحرش في “روبلوكس”، واحدة لطفلة أدخلها المنحرفون إلى غرفة خاصة في اللعبة، كانت تجري فيها أعمال غير لائقة من شخصيات هذه اللعبة، الأمر الذي تسبب في تدهور حالتها نفسياً، وحالة أخرى لفتى استطاع المنحرفون إقناعه بإرسال صور عارية له.
وبالتالي إذا علم الناس بخطورة هذه التطبيقات فهل ستجري المطالبة بحظرها أيضاً؟ وهل الحل هو في الحظر؟
الخبير في شؤون الاعلام الاجتماعي والمدرب المختص في إستراتيجيات المناصرة والحملات الالكترونية عماد بزي قال في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “ينادي البعض بحجب تطبيق تيك توك في لبنان، وهذا مطلب عدا كونه سخيفاً، لا يحل المشكلة أبداً، فالأمر مشابه لأن يكون هناك جرح في القدم، فيبتر الطبيب الساق كلها للتخلص من الجرح، ناهيك عن أن حجب التطبيقات لا ينفع لمنع الوصول اليها بوجود البروكسي وشبكات الـVPN وغيرها من الأدوات، حتى أن هذه الطريقة في أعتى الديكتاتوريات التي تحكم بالحديد والنار لم تنجح، علاوة على أن هذا الأمر غير قانوني ويضع قيوداً على حرية الرأي والتعبير ويقيد الوصول الى الإنترنت ويشكل سابقة خطيرة سيتم إستغلالها بكل تأكيد لحجب مزيد من المحتوى الذي قد يكون حقوقياً على سبيل المثال، وهناك سوابق لذلك في لبنان وثقة معدومة بحلول الترقيع التي تنتهجها الحكومات”.
وذكر بزي بأن “أفراد عصابة التيكتوكرز صدف أنهم كانوا مشهورين على هذا التطبيق، واستخدموه للإيقاع بالأطفال، بينما كان بالإمكان أن يكونوا مشهورين على تطبيقات أخرى كإنستغرام أو فايسبوك ويقوموا بالأمر عينه، لذا فالحجب ليس الحل خاصوصاً أن جرم الاغتصاب لم يقع على التطبيق بل أوفلاين، وبإمكان هذه العصابات الإنتقال الى مجال آخر”.
وأكد بزي أن “الحل يكمن في التوعية المدرسية عبر تخصيص موجهين إجتماعيين ومادة توعوية تضاف الى المقرر الدراسي، وفي المنزل أيضاً، كأن يدرك أولياء الأمور أهمية الحديث مع الأطفال وتوجيههم ومنعهم من إستعمال تطبيقات غير ملائمة لعمرهم، واستعمال خدمات التوجيه العائلي parental guidance مثلاً، التي تمنع الأطفال من تحميل تطبيقات أو تصفح مواقع معينة، وهذه متوافرة ومتاحة من شركات الهواتف كافة ومزودي خدمة الانترنت، وكذلك على سبيل المثال ألا يتركوا الأطفال فريسة الأجهزة اللوحية والهواتف كي يتسنى لهم قضاء الوقت بلا ضجيجهم”.
ومن الجهة القانونية، يشدد بزي على وجوب “سن قانون عصري يحكم الفضاء السيبراني والجرائم الواقعة فيه وخلاله يشكل رادعاً حقيقياً للمجرمين والمنحرفين، بدلاً من قانون العقوبات الذي عندما سُن، بالكاد كانت الكهرباء متوافرة على مستوى العالم، فلا يلحظ عقوبات رادعة لهذه الجرائم”.