شهر الخير… رغم قساوة الظروف

لبنان الكبير

كل شيء تغير، رمضان هذا العام ليس كما هو في الأعوام السابقة، الصورة اختلفت، فرحُ حلوله على العائلات ينغصها الغلاء الفاحش، والحد من التواصل الاجتماعي بسبب “كورونا” زاد في العجز عن سد الثغرات وفي القدرة على حل مشكلات العائلات الفقيرة، حتى المزاج لم يعد هو نفسه، لأن الصيام صار هماً حقيقياً، وإن كان في السابق واجباً يفرح الناس ويجمع شملهم.

تبدو قرى منطقة إقليم الخروب خلال النهار شبه خالية، والكل يشكو من التاجر إلى البائع إلى الشاري، فقدان بعض المواد الغذائية الضرورية في “السوبر ماركات”، يجعل الوجوه متجهمة ومكفهرّة، القلوب تدق من الخوف، وصدمة معرفة الأسعار تجعل الصفرات تتعالى والدعوات تتكرر على أكثر من شفة ولسان على من أوصل العباد إلى هذه الحالة.”الله يهدهم”، “الله لا يوفقهم”، “الله ينتقم منهم”، عبارات تتكرر على الألسنة، ورغم ذلك هناك من يزفر ويهز رأسه وكأنه غير يواسي نفسه بالقول: “يللا رمضان كريم”.

لم يعد ليل رمضان يشبه ليالي السنوات السابقة، فالجائحة تمنع التجمعات في المقاهي وزيارات الأهل والأصدقاء والإفطارات العائلية شبه ممنوعة لكن البعض يخاطر، من أجل أن يحتفي بقدوم الشهر الفضيل مع الجماعة.

تقول شويكار الخطيب من برجا: “رمضان هذا العام اختلف عن الأعوام السابقة كأنه حصل انقلاب، غابت عن مائدته المقبلات مثل الرقائق والكبة حتى في بعض البيوت غابت حبة التمر، فالكيلو السيئ ثمنه 30 ألفاً فكيف إذا كان ذا نوعية أفضل يصل إلى 120 ألفاً، خضرة الفتوش من الزعتر الأخضر والبقدونس والنعنع والفجل والخس والفليفلة والبندورة اختصرتها بعض العائلات. فالفيلفلة الكيلو بـ16 ألفاً تخيلي، والخسة بخمسة آلاف وهي ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، والبندورة والحامض بخمسة آلاف الكيلو، يعني يدفع المواطن 50 ألفاً ثمن “جاط الفتوش”.

تنفض “أم عمر” يديها في أحد محلات السمانة الصغير في بلدة الجية وتصرخ متفاجئة “ربطة المعكرونة 12 ألف ليرة شو صاير”، وتقول: “قلت بعمل اليوم على الإفطار معكرونة بلبن، مش قادرين نشتري لحمة نص كيلو لحم بقر بـ 45 ألفاً، قلنا منجيب كيلو لبن بـ 12 ألفاً وربطة معكرونة كنت مفكرة إنها بشي 3 آلاف حقها، بس النوع اللي بحبّوه الأولاد بـ 12 ألفاً”.

أما أحد الزبائن فيحدثها محاولاً تطييب خاطرها، بالقول: “أمس فطرنا عند ابني وهو الحمد الله أوضاعه كانت تعتبر جيدة، كلنا وضعنا تدهور، حضّرت زوجته كمية من اللحم المشوي مع بطاطا مقلية وقرنبيط وحمص متبل وشوربا وفتوش. فطرنا الحمدلله لكننا صرنا نترك اللحمة للأولاد حتى يشبعوا، كنا سابقاً نفطر عنده كانت المائدة غنية، من السودة النية إلى الكبة إلى الفتايل كلها هذه أصبحت نوعاً من الحلم على المائدة”، ويخرج وهو يتمتم “لا بد أن تفرج”.

وصف الحال يتكرر في معظم قرى الإقليم. تقول سلمى وهي امراة سورية متزوجة من أحد أبناء كترمايا إنها تعتمد هذا العام على توفير طبخة يخنة أساسية مع أوقية لحمة وعظام إذا تكرم عليها اللحام بها، على الإفطار مع الأرز، بالإضافة إلى الشوربا والسلطة وتقلي معها كمية من البطاطا، وقد استغنت عن تقديم المشروبات الباردة. فغالون الجلاب ثمنه 56 ألفاً، أما سعر زجاجة البيبسي فهو 8500، “مصروف زائد نختصره ونكتفي بشرب المياه من “الغالونات”.

لم يتوقف هذا العام تقديم المساعدات الرمضانية التقليدية التي تصل إلى المسجلين في لوائح صندوق الزكاة وعباد الرحمن وبعض المساعدات التي تأتي عن طريق أحزاب وقوى سياسية لعائلات محددة، لكن اللافت بالموضوع أن بعض هذه المساعدات لا توجد فيها مواد أساسية مثل السكر والأرز والزيت. وتوضح إحدى السيدات التي رفضت ذكر اسمها أن بعض “الكراتين احتوت فقط على معلبات فول وحمص وطون وربطات معكرونة وشعيرية وعدس أحمر وحمص بحبة صغيرة”.

وفي الإجمال يتجاهل الناس هنا الحديث عن الحلويات التي كانوا يحضرونها من بيروت أو صيدا، فهذا “وجع” مختلف خصوصاً إذا وان كيلو “الداعوقية” أصبح

بــ100 ألف، وكيلو معمول المد بالقشطة 50 ألفاً، والحل بالنسبة للبعض بصنع بيتي للكلاج والصفوف والنمورة، ومع هذا يقوم الأهالي بشراء بعض الأنواع من المحلات الموجودة في البلدات.

أما بالنسبة إلى السحور فليس هناك أي إشارات إلى التمتع بليل رمضان، مع أن بعض المقاهي تخالف قرار التعبئة العامة ومنع التجول ليلاً، لكن في المساجد تؤدى صلاة “التراويح” بشكل عادي، والطبال يجول ليلاً في الأحياء دون مشكلة.

وتعلق جميلة: “لم يعد بالإمكان التمتع بفنجان القهوة أو كاس الشاي مع قطعة حلو بعد الإفطار في رمضان، فالميزانية تحت الصفر، كذلك ليس بالإمكان تناول السحور في الخارج. فالمنقوشة صارت بثمانية آلاف ليرة، وكعكة الكنافة بـ15 ألف ليرة، فمن أين لنا هذا؟”.

ليس لدى الناس رغبة في متابعة مسلسلات رمضان هذا العام. ولم تعد ليالي مسلية بالنسبة للبعض، فيما يحاول البعض الآخر النجاح في التعامل. وكان رمضان الحالي يشابه رمضان السابق، وعلى أية حال بحسب نسرين الحاج، إلا الانتظار أياماً لمعرفة أي مسلسل جيد يمكن أن يتابع.

يبقى بالنسبة إلى الناس أن شهر رمضان هو شهر عبادة، وإن اضطروا إلى التحايل على موائدهم، تبقى ضرورة الالتفات إلى العائلات التي تعاني كثيراً مثل تلك العائلة التي تعاني الأمرّين نتيجة توقف رب البيت عن العمل بعد أن سحب صاحب الفان الذي يعمل عليه منه ما يملكه إثر الإقفال بسبب كورونا، فأصبح عاطلاً عن العمل وأطفاله الثلاثة وزوجته يعيشون على ما يقدمه لهم جيرانه، وهم في رمضان يعتمدون على جيرانهم لإحضار صحون لهم مما يجهزونه، وحال الجيران مع الغلاء الحاصل لن يكون بأفضل حال، لكن التعاون على الخير يبقيه شهراً كريماً رغم قساوة الظروف.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً